السنة الخامسة رمضان 1446 هـ - مارس 2025 م


الشيخ. عبد الخالق عطيفي
علم الجمال الإسلامي
الشيخ. عبد الخالق عطيفي

الجمال طريق إلى معرفة الله سبحانه حيث إنه يربي في الإنسان سمو الذوق الذي يتجسد في أنماط السلوك والعلاقات الاجتماعية، وله تأثيره الرائق في شعور المسلم فيجعله مفعمًا بالرقة والإحساس والتذوق ، ومع ذلك فهو مصطلح ظلمه الاستعمال العرفي فجعله قاصرًا على الصورة الظاهرية بغض النظر عما تنطوي عليه الصورة من جمال المعاني، والأخلاقيات، والسلوكيات.

ومظاهر الجمال وصوره تملأ الكون وتحيط بالإنسان إحاطة السوار بالمعصم ، وصدق الله سبحانه حيث يقول :

" ‌ذلِكُمُ ‌اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَاّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ‌ذلِكُمُ ‌اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ "[1]

والجمال مبثوث في جنبات كتاب الله المنظور حيث أضحى الجمال سر الوجود ولم لا، وقد دبجته يد الخالق البديع سبحانه، واقرأ إن شئت قوله تعالى :

" ‌صُنْعَ ‌اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ "[2]

وقوله : " الَّذِي ‌أَحْسَنَ ‌كُلَّ ‌شَيْءٍ خَلَقَهُ "[3]

وقد ذاعت وتناثرت مظاهر الجمال ومعانيه وصوره بين ثنايا كتاب الله المسطور سواء في الذكر الحكيم ، أم في السنة المطهرة والسيرة العطرة ، أو تشريعات الإسلام ، وقيمه وأخلاقياته فإذا ذهبت لتحصي ما هنالك من ملامح الجمال أعيتك الحيل فلا تملك إلا أن تقول : " ‌ذلِكُمُ ‌اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ "

وهنا يطرأ على الذهن سؤال: لم لا نلجأ إلى نظرية ( توليد العلوم ) فننشئ علمًا نسميه (علم الجمال الإسلامي) تلك النظرية التي تحدث عنها شيخنا الأستاذ الدكتور العلامة علي جمعة حفظه الله ورضي عنه في عدد من المقالات نشرتها مجلة روز اليوسف عام 2014 م حيث قال رضي الله عنه : (...فتوليد العلوم كان سمة أصحاب ذلك الدين حتى القرن الرابع الهجري، بل امتد ذلك التوليد إلى القرن السادس؛ حيث وضع عضد الدين الإيجي علمًا جديدًا أسماه بعلم (الوضع) استله من علم اللغة، والنحو والأصول والمنطق عالج فيه ـ أهم ما عالج ـ قضية المصطلح التي تعد من أهم القضايا العلمية حتى يومنا هذا، حيث تعد ضابطًا علميًّا للحفاظ على لغة العلم والتفاهم بين الجماعة العلمية بما يضمن أمرين مهمين : أولهما : هو نقل العلم لمن بعدنا. وثانيهما : هو تطوير العلم بصورة مطردة ومستمرة ومنضبطة في نفس الوقت، ثم خبا هذا التوليد وانشغل العلماء بتكرار الموروث والحفاظ عليه من الضياع كرد فعل لما حدث في القرن السابع من غزو التتار وسقوط بغداد 656 هـ.

ودعا محمد رشيد رضا في مجلة (المنار) [في العدد 26 من السنة الثانية يوم السبت 3 جمادى الأولى سنة 1317 هـ الموافق 9 سبتمبر 1899 في مقالة بعنوان كرامات الأولياء] إلى إحداث علم جديد يَدرُس السنن الإلهية التي وردت بالقرآن الكريم، ولم يتم ذلك حتى بعد مضي أكثر من مائة عام على تلك الدعوة، فلا بد علينا أن ندرك أن توليد العلوم نوع من أنواع مظاهر حياة الفكر، وأنه لم يمت وهو أيضًا مظهر من مظاهر التفاعل مع العصر الذي نعيشه، وهو ثالثًا الجسر الذي يصل بين الشرع وبين الواقع المحيط...) ا.هـ

وحيث إن كل علم يحتاج في إنشائه إلى وضع تصور لمبادئه العشرة التي نظمها بعضهم في قوله :

مَنْ رَامَ عِلْمًا فَلْيُقْدِّمْ أَوَّلا ...… عِلْمًا بِحَدِّهِ وَمَوْضُوعٍ تَلا

وَوَاضِعٍ وَنِسْبَةٍ وَمُسْتَمِدّ ...… مِنْهُ وَفَضْلِهِ، وَحكْمٍ يُعْتَمَدْ

وَاسْمٍ وَمَا أَفَادَ وَالْمَسَائِلْ ...… فَتِلْكَ عَشْرٌ لِلْمُنَى وَسَائِلْ

وَبَعْضُهُمْ مِنْهَا عَلَى البَعْضِ اقْتَصَرْ … وَمَنْ يَكُنْ يَدْرِي جَمِيعَهَا انْتَصَرْ

فقد شرعت في بيانها فيما يلي :

مبادئ علم الجمال الإسلامي

تعريفه :

 هو علم يبحث عن الجمال في الأشخاص والأشياء ظاهرًا وباطنًا من حيث ارتباطُها بمقاصد الإسلام.

موضوعه :

مظاهر الحسن وسمات الجمال في الكون المنظور والمسطور، والعلاقة بينهما .

ثمرته :

إدراك الجمال الكامن في ثنايا التشريع الإسلامي ، والذي قامت عليه الحضارة الإسلامية عبر التاريخ مما يجعل من الجمال معيارًا للالتزام بالشرع الشريف .

نسبته :

هو من علوم الشريعة عامة ومن علوم الآلة خاصة ، وله ارتباط وثيق ظاهر بعلم المقاصد ، وعلاقته بعلم الجمال المعروف عند الفلاسفة هي علاقة العموم والخصوص، وربما التباين في بعض الأحوال .

فضله :

بيان الوجه الصحيح لهذا الدين المتفق مع الفطرة السليمة التي تميل لكل جميل وتنفر من كل قبيح ، مما يفند دعاوى المتطرفين ويبطل حججهم ، ويظهر زيغهم وانحرافهم عن جادة الإسلام.

اسمه :

علم الجمال الإسلامي ، وتقييده بالإسلامي احترازًا من علم الجمال عند الفلاسفة – الاستطيقا-

استمداده :

من الكتاب والسنة بالإضافة إلى علوم الواقع المرتبطة بالكون المنظور.

حكمه:

فرض كفاية لارتباطه ببيان محاسن الإسلام وجمال تشريعاته ، قال تعالى : " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين .... الآية .

مسائله :

مظان الجمال في آي الذكر الحكيم ، وثنايا السنة المطهرة والسيرة العطرة ، والتشريعات الإسلامية ، والمسائل الفقهية ، والقيم الأخلاقية الحاكمة على سلوكيات الفرد والجماعة.

والمأمول أن يلفت هذا المنحى أنظار الباحثين صوب هذا العلم ووضعه موضع الاهتمام وهو لعمري واجب الوقت لبيان الصورة الحقيقية لهذا الدين الحنيف الذي عانى من تشويه المتشددين والمتفلتين على حد سواء.


[1] سورة غافر

[2] سورة النمل آية 88

[3] سورة السجدة آية 7