علوم الطاقة
خالد محمد غزظهرت المبادئ العلمية لعلوم الطاقة الحديثة خلال القرن الماضي، ولاقت تلك العلوم قَبُولاً وتأييداً من بعضهم بغير حيطة أو شرط، واعتراضاً وتوجساً من آخرين دون تحرٍّ أو درس.
ونحن ولله الحمد لنا مرجعيتنا المستندة إلى سادتنا ومشايخنا العلماء الذين غرسوا فينا منهج العقلية الفارقة، وشيخنا رضي الله عنه له مقولة لطيفة في ذلك، فيقول لنا:
"إن مشايخنا علمونا أن العلم يكون بالقطارة وليس بالكوم، وذلك تأكيداً على أهمية وضرورة التدقيق والتمحيص، مما جعل الباحثين يتوقفون عند كل حرف يبحثون شبكة علاقاته بالكامل مع ما قبله وما بعده" .
ونحن على درب سادتنا العلماء إن شاء الله تعالى لا نقبل من العلوم إلا ما كان متفقاً مع مبادئ الشريعة وأصول العقيدة وكان مؤيداً بالنظريات العلمية وبالنتائج التجريبية، فما تحقق من العلوم بذلك فلا حرج علينا من أن ندرسه ونستفيد من ثمراته، أما ما خالف الشرع أو صادم العقيدة فلا نرجو منه نفعاً ولا نوصي به أحداً .
موضوعات الطاقة بين الفلسفة والعلم
ونحن حين نتحدث عن موضوعات الطاقة فحديثنا غير منصب على موضوعات الطاقة التي تعتمد الفلسفات البوذية والعقائد الوثنية والطقوس العبثية كاليوجا وغيرها أساساً لها بدعوى التأمل للوصول إلى الصفاء الذهني أو النيرفانا وما شابه ذلك من ممارسات، والتي ننبه على أنها أمور مختلطة بعقائد وفلسفات وثنية لا يمكن فصلها عن بعض، حتى وإن ادعى من يمارسونها إنهم إنما يمارسونها من قبيل الرياضة أو على سبيل الاسترخاء والتأمل بعيداً عن فلسفاتها وأصول نشأتها، فنرد على هؤلاء ونقول لهم إن فعلكم هذا يعد ضرباً من العبث الذي لا مبرر له ولا طائل منه، كما أن في ديننا الحنيف الغنية عن ذلك كله.
أما حديثنا أساساً منصب على علوم الطاقة المستندة على القواعد والنظريات العلمية ووفقاً للمنهج العلمي الرصين القائم على التجريب ورصد النتائج، وعبر التأمل والتفكر في آيات الله في كتابه المنظور وهو الكون، وفي آياته الحكيمة التي أنزلت في كتابه المسطور وهو القرآن الكريم.
تعريف الطاقة
ولكي نبدأ في تأصيل وفهم العلوم المتعلقة بالطاقة فلابد أن نستوعب مفهوم الطّاقة فهي إحدى خصائص المادّة، والتي يُمكن تحويلها إلى أشكال عديدة فمنها الإشعاعية والحرارية والنووية والمغناطيسية والصوتية والكهربية وأنواع أخرى، والطاقة كما عرّفها العلماء هي إحدى صور الوجود، والوجود يتكون من مادة وطاقة وهما صنوان أو وجهان لعملة واحدة يمكن أن يتحول كلٌّ منهما إلى الآخر، فالطاقة يمكن أن تتحول إلى مادة والمادة يمكن أن تتحول إلى طاقة.
والنظريات العلمية الحديثة مثل نظريات أينشتاين ونظريات الكم تثبت أن المادة ما هي إلا طاقة مكثفة وأن كل شيء حولنا حتى الإنسان ذاته مكون من طاقة بترددات معينة وكما نرى في قانون تحول الطاقة لأينشتاين كيف أن المادة يمكنها أن تتحول إلى طاقة، والعكس صحيح ويحاول العلماء أن يصلوا إليه وحققوا في ذلك خطوات وإن كانت بطيئة.
الطاقة = ك × س² أو E=mc²
وهذه الرؤية لا تخالف الحقائق العلمية لأن كل شيء مكون من جزيئات والجزيئات مكونة من ذرات والذرات مكونة من جسيمات وهذه الجسيمات لها طبيعة موجية والموجات ما هي إلا طاقة، ولو نظرنا لوجدنا أن هذه الجسيمات كالإلكترون مثلاً له خصائص مزدوجة قد تبدو متعارضة فتارة يتصرف كأنه موجة وتارة يتصرف وكأنه جسيم وهذا إن دل فإنما يدل على أن فوق إدراك الإنسان مدركات أخرى لم ترصد بعد حقيقتها ولم يُعلم بعد جوهرها، فلقد تمكنا بالكاد من رصد بعض آثارها بما أتيح لنا من إمكانيات وأجهزة مخبرية ومعملية.
أصل الخلق من طاقة النور المحمدي
يقول الله تعالى في محكم كتابه:
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ) المائدة 15
وقد أوردت العديد من تفاسير القرآن الكريم كالطبري والبغوي والقرطبي أن المقصود بالنور هنا هو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ومن حصر نور النبي في الجانب المعنوي فقط فقد ضيّق وتعسف، فنور سيدنا صلى الله عليه وسلم يشمل النور المعنوي والحسي كذلك هذا من جانب، أما على الجانب الآخر فالنور المحمدي هو أصل الخلق وجوهره ومعدنه يقول تعالى في كتابه الكريم:
(قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) الزخرف 81
فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول الخلق خلقاً وعبادة لله تعالى ومن نوره خُلق باقي الخَلق، يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما ورد في رواية التي أوردها الطبري، قال قتادة : وذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:
"كُنْتُ أوَّلَ الأنْبِياءِ فِي الخَلْقِ، وآخِرَهُمْ فِي البَعْثِ"
وفي رواية ابن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كنت أوّل النّاس في الخلق وآخرَهم في البعث"
وقد ذكر العلامة الدردير المالكي في الشرح الصغير بشأن إقراره لمعنى حديث "أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر" رأياً يقول فيه: (ونوره) صلى الله عليه وسلم (أصل الأنوار) والأجسام كما قال صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه: « أول ما خلق الله نور نبيك من نوره » الحديث، فهو الواسطة في جميع المخلوقات.
الإنسان والكون كله طاقة
والعلم يؤيد يا سادة ذلك ولا ينفيه، فكما أسلفنا أن أصل الأشياء طاقة سمها طاقة نورانية أو نبوية أو محمدية سمها ما شئت أن تسميها إلا أن كل ما يحيط بنا من كائنات وأجرام وعوالم أصله واحد، أصله النور.
وكما أثبت العلم فكل شيء أصله الطاقة حتى الإنسان فهو مكون من خلايا والخلايا مكونة من جزيئات والجزيئات مكونة من ذرات والذرات تعمل عبر ترددات ويمسك ذلك كله قوى كهرومغناطيسية وأخرى، والخلايا تعمل عبر الموجات الكهرومغناطيسية كما سنبين لاحقاً، حيث تنتقل جميع الوظائف والأوامر بين الخلايا بعضها البعض بواسطة موجات الكهرومغناطيسية .
وهذه القوى الكهرومغناطيسية تعمل بترددات معينة وتنتقل في الجسد عبر مسارات مخصوصة عبر الجهاز العصبي للإنسان الذي يتحكم في جميع وظائف الإنسان الفسيولوجية والروحية عبر مسارات محددة ومن خلال مراكز عصبية، أضف إلى ذلك أن الكون من حولنا عبارة عن طاقات كونية عديدة ذات ترددات ينفعل بها الإنسان وتنفعل به فسبحان من خلق فسوى وقدر فهدى.
أهل الله يقرون بمبادئ علوم الطاقة الحديثة
ونذكر هنا قولاً لفضيلة الشيخ الدكتور حسن عباس زكي أورده في كتابه (مشاهدات في عالم الملك والملكوت) ما نصه:
"حيث إن جسد الإنسان يتأثر بالأمواج التي ترد إليه سواء كانت تلك الأمواج من فكره أو من الكون المحيط به بصفة عامة وقد أوضحنا أن الإنسان يعيش في مجالات مغناطيسية كلها طاقات مشعة وفي هذه المجالات يحدث فعل ورد فعل بين الإنسان ونظيره وبين الإنسان والبيئة التي يعيش فيها وبين الإنسان والكون وكل فكرة أو إحساس أو مشاعر تنتاب الإنسان تنطلق منه وتظل سابحة في المجال الكوني وتؤثر على الإنسان و تتأثر به".
فالإنسان بهذا المعنى يؤثر ويتأثر بالأمواج الكهرومغناطيسية وبالطاقات الأخرى ذات الترددات المختلفة التي تنبعث منه إلى ما حوله والواردة إليه من كل ما يحيط به بالكون وهذه التأثيرات لها أنماط وصور وآثار مختلفة ومتعددة أدركناها أم لم ندركها سوف نتعرف عليها لاحقاً بمشيئة الله تعالى. وللحديث بقية ... والله تعالى من وراء القصد وهو يهدي السبيل.