السنة الرابعة رمضان 1445 هـ - إبريل 2024 م


د. أحمد ريحان
عرض لكتاب مكونات العقل المسلم (1)
د. أحمد ريحان

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.

في عصرنا الذي نعيش فيه نتعرض ونتعامل مع ثقافات مختلفة تظهر لنا في الإعلام والفن، ووسائل التواصل الاجتماعي. وبعض هذا الثقافات قد تكون مختلفة عن ثقافتنا الإسلامية وأحيانًا تتعارض معها. وبما أننا مأمورون بالتعارف على الآخر دون انغلاق كما قال الله تعالى في سورة الحجرات (( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا )) فمن المهم أن نرجع بعض الخطوات قبل الاحتكاك مع الآخر لنفهم ما يميز العقل المسلم عن غيره. وهذا الفهم يساعد في التعامل مع الواقع بشكل واع و يُنشئ عقلية ونفسية قوية، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف )).

ومما نجده في حاضرنا هذا خاصة بعض الناس من المتطرفين وأيضًا ممن انبهروا بحضارة الغرب يتكلمون كثيرًا عن العقل، فريق فرَّط في استخدامه بالطريقة السليمة وفريق جعله حاكمًا على كل أمور الدين حتى إذا كانت من الوحي. و حين نتناقش مع أحد من هؤلاء تبرز عبارة: "هذا أمر لا يقبله العقل"، أو "هذه مسألة منطقية بالعقل"، فما هو هذا العقل؟ ومم يتكون؟ وهل هناك تعريف له يضبطه؟

فهيا بنا في هذه السلسلة نتعرف على ما يميز العقل المسلم ومكوناته من خلال كلام مولانا الدكتور علي جمعة في كتابه الماتع البديع (( مكونات العقل المسلم )) ونبدأ بالتعريف.

تعريف العقل

يبدأ كتاب مكونات العقل المسلم بعرض عدة أمثلة من التراث البشري عن تعريف العقل، ويبين لنا مولانا أن أهل كل علم حاولوا تعريف العقل وَفق نظرتهم في علومهم. فنجد الفلاسفة تكلموا عنه بصفته موجودًا من الموجودات، والأطباء بصفته جزءًا من البدن والفقهاء بكونه مناطَ التكليف.

ثم ينتقل الشيخ رضي الله عنه ويعرض معنى العقل في اللغة وعند بعض العلماء الكبار من تاريخنا الإسلامي. فلغويًّا العقل هو المنع؛ فهو يمنع النفس من فعل الهوى. وصفه الإمام الشافعي بأنه: " آلة خلقها الله لعباده يميز بها بين الأشياء وضدها". والإمام أبو الحسن الأشعري بأنه: "العلم"، فجميع المعلومات ترجع إليه بخلق الله فيه الحُجَّة.

ومن التعريفات التي طرحت في الكتاب تعريف العقل بأنه: الإدراك؛ فهو "قوة طبيعية يفصل بها الإنسان بين حقائق المعلومات"؛ فإذا حدث خلل في إدراك الزمان أو المكان أو الأشخاص أو الأحوال كان الإنسان مجنونًا. وقد يحدث حالة من عدم الإدراك الجزئي في حالات الإغماء أو النوم ويخرج حينها الإنسان من دائرة التكليف.

وهذا التعريف قريب جدًّا مما يستخدمه الأطباء في محاولة تقييم حالة الإنسان العقلية بشكل مبسط وسريع في عملهم اليومي.

ينتقل مولانا رضي الله عنه ويستعرض المعاني المكونة لعملية التعقل أو التفكير وهي أربعة:

1) الدماغ، 2) الحواس، 3) الواقع المعيش،  4) المعلومات السابقة التي تحصل للإنسان شيئًا فشيئًا.

فالمصاب في المخ (الدماغ) لا يستطيع أن يفكر، والإنسان بدون حواس تكون عملية تفكيره محدودة لأنه لا مدخلات لدماغه، ولو تخيلنا إنسانًا عاش في الفضاء في عدم مطلق فلن يمكنه أن يفكر لأنه يفتقد الواقع الذي يتفاعل معه، وكذلك الطفل قليل المعلومات، الذي اقترن تكليفه شرعًا بالبلوغ وهو الاحتلام عند الذكر والحيض عند الأنثى، كأن البلوغ علّم الطفل معنى جديدًا وهو الشهوة الجنسية، ومعرفة تلك الشهوة لا تتأتى بوصف الواصفين لها ولكن لابد من الشعور بها حتى تُدرك.

وهذا المثال الأخير فيه معنى مهم أن هناك من المعاني ما يقذفه الله في عقل المخلوقات دون إرادة منهم وهذا - كما يقول مولانا - ينافي ما ادعته الملاحدة أن العقل هو انعكاس للواقع على الدماغ وينكرون على أثره العالم الغيبي وبالتالي ينكرون الوحي والخالق.

ومما سبق يمكن استنباط  تعريف العقل من كلام العلماء المسلمين بأنه : "ذلك المكَّوَن من المخ، والحواس، و إدراك الواقع (الزمان والمكان والأشخاص والأحوال)، والمعلومات السابقة"...يتبع