
عرض لكتاب مكونات العقل المسلم (3)
د. أحمد ريحانالعقل والمنهج العلمي
في هذا المقال من سلسلة عرض كتاب من أهم كتب مولانا الشيخ علي جمعة كتاب مكونات العقل المسلم؛ يطرح مولانا في هذا الفصل من الكتاب أهمية استخدام العقل كما أمرنا الله في كتابه العزيز (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل: 44).
فقد وهب الله الإنسان نعمة العقل وأمره أن يستخدمه في التفكر في آيات الله وأحكامه، وربط الله بين الأوامر والنواهي وبين التفكر الذي هو أساس الفهم.
والفكر: هو"ترتيب أمور معلومة، يتوصل الإنسان بها إلى مجهول". فالمفكر يضم المعلومات السابقة ويربط بينها ثم يستنتج منها معلوماتٍ جديدةً مفيدة، وهذه عملية تحصيل العلم والسير على منهجه. ثم ينقل مولانا نظمًا جميلًا يتخيل فيه حوارًا بين العقل(التفكر) والعلم(المعلومات السابقة)، ونصه:
علمُ العليم وعقلُ العاقل اختلفا ** من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا؟
فالعلم قال: أنا أحرزت غايته ** والعقل قال: أنا الرحمن بي عُرفا
فأومأ العلم إيماءً وقال له ** بأينا الله في فرقانه اتصفا؟
فبان للعقل أن العلم سيده ** فقبل العقل رأسَ العلم وانصرفا
و يتضح هنا كيف شرَّف الله العلمَ حين وصف به نفسه باسمه "العليم"، فالله هو هدفنا الأسمى في الدنيا والآخرة، وللوصول إليه من المهم أن نستخدم عقولنا حتى نتحصل على بعض من العلم الذي يستحيل الإحاطة بكله.
ولكن ظهر بعض الناس في مجتمعاتنا استعصى عليهم العلم فلم يتبعوا منهجه واتبعوا أهواءهم فيه، فأفسدوه، متجاهلين أركان العملية التعليمية، وهي:
- الطالب
- الأستاذ
- المنهج
- الكتاب
- الجو العلمي
و إذا حدث خلل في هذه الأركان تصبح المعلومات منفصلة في الذهن و تُفقَد القدرة على فهم الحقائق وراء المعلومات أو إسقاطها على الواقع والاستفادة منها في مجال التجديد العلمي، الذي كان من المهام الأساسية للجامعات الاكاديمية حين نشأت.
و للأسف تقلص هذا النشاط في القرون الأخيرة، مما دفع بعض الباحثين من خارج المجال الأكاديمي إلى الخروج من دائرة الجمود، ولكن لم تنجح هذه المحاولات بسبب عدم الالتزام بالمنهج التعليمي المعتمد.
ومن دعاوى هؤلاء غير المتخصصين، تقديم العقل على العلم، فتجدهم ينكرون العلوم المساعدة المعتمدة (مثل اللغة وأصول الفقه والبلاغة والمنطق)، وينفون حاجتهم لها لمعرفة الحلال والحرام، ويريدون أن يأخذوا الأحكام من النصوص المقدسة مباشرة ، مما أدى إلى ضلال الكثير منهم، واتباعهم مبادئ العنف و التطرف و تكوين الجماعات.
وعلى النقيض من يقدم عقله على المنهج للتشكيك في النصوص المقدسة والتراث الإسلامي، فتجده يحرم الحلال وينكر الأخلاق الفاضلة بدعوى النسبية المطلقة؛ مما أدى إلى انبهار بعض الناس بهذا الخرف للوهلة الأولى بدعوى التقدم، ثم تبين لهم أنه يؤدي إلى هدم المجتمعات والأديان. فهذه الفقاعات الفكرية مصيرها التبخر والنسيان، أما ما أُسس على المنهج العلمي يبقى وينفع؛ (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) (الرعد: 17).