
عرض لكتاب مكونات العقل المسلم (5)
د. أحمد ريحانالعلم والتجرِبة عند المسلمين
المسلم مطالب أن يكون مدركًا لواقعه ومقبلًا على أمره كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولكي يتحقق هذا في الفكر الإسلامي يجب أن يتبع المنهج العلمي في فهم النص الإلهي.
وفي هذا المقال من عرض كتاب مكونات العقل المسلم نعرض بشكل بسيط نموذجًا من فكر مولانا لموضوع فلسفة العلوم وأنواعها.
يبدأ التفكير المستقيم بالبحث عن جملة تخبر عن واقع أي حقيقة ينطلق منها الفكر ويبنى عليها المنهج،
وهذه الحقائق تُحصل عن طريق:
1- الحس والتجريب مثل جملة "النار محرقة"
2- العقل مثل الرياضيات
3- النقل كأحكام اللغة والشريعة
و قد يخطئ البعض ويظن أن دور التجرِبة غير موجود في الفقه والثقافة الإسلامية وأنها مجرد أحكام تتناقل منذ أن أُنزلت. ولكن التجربة جزء أساسي في تطبيق شرع الله على الواقع الذي يتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص؛ فالفقيه مطالب أن يدرس الظواهر الحياتية ويلاحظ تغيراتها ثم يستنتج الحلول ليصدر الفتاوي الملائمة التي تجلب المنافع وتساعد على إعمار الكون.
ومما سبب الخلطَ عند المنبهرين بالحضارة الغربية أنهم اعتمدوا فقط على تعريف العلم المسمى (Science) والذي يمثل فقط الجانب التجريبي من العلم؛ فالعلم في حضارة المسلمين يتضمن العلم التجريبي ويتضمن أيضًا القدر التعييني من المعرفة الذي منها الوحي الإلهي.
فهذا الخلط بين القطعي والظني وبين ما مصدره العقل أو النقل أو التجرِبة يؤدي إلى التفكير المعوج المخالف للواقع مما شجع المهاجمين للفكر الإسلامي متهمينه خطأً بالبعد عن العلم، والغريب أنهم من شجعوا على الخرافة بعدم اتباع المنهجية العلمية المتبعة على مر عصور الحضارة الإسلامية.
ثم يستعرض مولانا بعض جهود علماء الحضارة الإسلامية - مثل الفارابي 339هـ في كتاب "إحصاء العلوم" وابن النديم 380هـ في كتاب "الفهرست" - في تصنيف العلوم على حسب التخصص محترمين كل علم وموضوعاته، موضحًا أهمية احترام الفقه بكونه تخصصًا علميًّا لا يستطيع تطبيقه وامتهانه إلا من اتبع العملية التعليمية والمنهجية العلمية المعترف بها.
يتبع…