السنة الخامسة ذو الحجة 1446 هـ - يونية 2025 م


د. أحمد ريحان
عرض لكتاب مكونات العقل المسلم (6)
د. أحمد ريحان

مستويات التفكير

كما تم ذكره في المقالات السابقة أن التفكير هو عملية ترتيب المعلومات السابقة للوصول إلى معلومات جديدة في صورة استنتاج أو تحليل. وللتفكير أنماط مختلفة تختلف على حسب طريقة تعامل كل عقل مع المعلومات السابقة، كما أن للتفكير مستويات مختلفة تختلف بدرجة عمق العملية العقلية.

تبدأ مستويات التفكير بمستوى التعامل مع الفكرة ثم التعامل مع المفاهيم ثم التعامل مع شعور الأعماق.

المستوى الأول: التعامل مع الفكرة

و هو أول مستوى يتعامل به العقل مع أي فكرة جديدة لم ترسخ في الذهن لفترة طويلة وتتميز بكونها يسهل تبديلها إذا وجد العقل أن هذه الفكرة نشأت عن معلومات غير سليمة. أما إذا استقرت هذه الفكرة في العقل لزمن طويل فتصبح ما يسمى بالمفهوم وتنتقل إلى المستوى الثاني في العمق.

المستوى الثاني: التعامل مع المفاهيم

المفهوم هو فكرة استقرت في العقل لزمن طويل وارتبطت بتصرفات حياتية فلذلك يصعب تغييرها بنقاش سطحي بل تحتاج إلى أدلة وبراهين عقلية حتى يقتنع العقل ويتقبل الفكرة الجديدة. ويعتبر الدين من أقوى المفاهيم العقلية الراسخة.

المستوى الثالث: التعامل مع شعور الأعماق

هو أعمق درجات التفكير التي لا تتغير حتى إذا اقتنع العقل بعكسها مثل صعوبة إقناع شخص مثلا أن يمشي عُريانًا، ففكرة الستر قد تأصلت في تكوينه منذ صغره وفعل عكسها يخالف الطبيعة.

 وتنقسم  أنماط التفكير الى ثلاثة أقسام؛ وهي: التفكير السطحي والتفكير العميق والتفكير المستنير.

التفكير السطحي هو الفهم السريع والشكلي للظواهر دون التعمق في أسبابها أو نتائجها، حيث يكتفي الشخص بملاحظات بسيطة ويعجز عن التفكير في خلفياتها. على سبيل المثال، يلاحظ الشخص الندى على ورقة الشجر دون التساؤل عن سبب وجوده. هذا النوع من التفكير لا يؤدي إلى معرفة حقيقية أو تأثير في الواقع، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذم هذا النوع من التفكير؛ "يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم ۗ مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)" الروم

  أما التفكير العميق فيتجاوز الظواهر إلى فهم أعمق لعللها ونتائجها، ويشمل التأمل في كيفية حدوث الأشياء وكيفية الاستفادة منها.

 التفكير المستنير، وهو المرحلة المتقدمة بعد التفكير العميق، يجمع بين العقل والقلب ويربط ما يتوصل إليه العقل بالله، مما يثمر إيماناً عميقاً وفهماً أوسع للحياة. هذا النوع من التفكير يؤدي إلى زيادة الإيمان والعمران معاً، ويعكس تكامل العقل مع الروح في فهم الكون.

 يتبع…