السنة الخامسة ربيع الأنور 1447 هـ - سبتمبر 2025 م


د. أحمد ريحان
عرض لكتاب مكونات العقل المسلم (7)
د. أحمد ريحان

من الملاحظ كثرة الأزمات النفسية والوجودية في زمننا هذا ويتساءل الناس كثيرًا، "لماذا نحن هنا"؟ وما الجدوى من هذه الحياة التي كلها معاناة ومليئة بالمنغصات؟ تتكاثر علينا المصائب والجائحات والصراعات ولا نعرف إلى أين المفر.  فما ما هو الهدف الحقيقي من وجودنا في هذا الكون؟

يصف ربنا حالة نفسية مشابهة مر بها الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم تبوك فيقول: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (118) التوبة

فهؤلاء الصحابة عرفوا أن ليس لنا غير الله نفر ونلجأ إليه في كل نائبة وضائقة تحدث من حولنا، فنجد إجابة السؤال الوجودي "لماذا نحن هنا؟" في قول الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) الذاريات

ويقول أيضا عز وجل: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (30) البقرة

ومن الآيتين السابقتين يتبين أن الهدف الأسمى لوجودنا في هذا الكون هو العبادة ونكون خلفاء لله في كونه.

يشرح مولانا في كتابه مكونات العقل المسلم أن مفهوم العبادة لا يقتصر على ظاهر العبادة من صلاة وصيام وزكاة فهذه أركان الدين وليست الدين كله.

تنقسم العبادة إلى ثلاثة محاور رئيسية:

1- علاقة الإنسان مع ربه وهي تتضمن العبادات الظاهرية من صلاة وصوم وما شابهها

2- علاقة الإنسان مع نفسه تزكيتها وإصلاح ما فيها من عيوب مثل الحقد والكبر والحسد

3- علاقة الإنسان مع الكون المحيط به من مخلوقات في معاملاته مع الآخرين من إنسان وحيوان وجماد ومنها يأتي مفهوم خلافة الإنسان في الأرض فقد كرم الله الإنسان بالعقل والأمانة التي لم تستطع السماء والجبال حملها ثم طلب الله من الإنسان عمارة الأرض وجعله خليفة فيها.

وعمارة الكون تعني فعل كل ما هو يأتي بالنفع على الإنسان والحيوان والجماد من محافظة على نعم الله في هذا الكون وعدم إهدارها والسعي في زيادتها ونموها. وهذا مفهوم دقيق يحول الإنسان من شخص يهتم بنفسه وعلاقته معها فحسب إلى شخص يعرف قيمة عمله وعلاقته مع الناس من حوله وعلاقته حتى مع الجماد ثم يضع كل هذه العلاقات في دائرة أكبر وهي علاقته مع الله فتصبح حياته ومعاملاته وعباداته كلها لله ومن فاز بهذه الدرجة فقد حقق ما ذكره الله في سورة الأنعام (162): {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.