
اعتقاد الصوفية في الصحابة الكرام (1)
د. مختار محسن الأزهريدفع شبهة "التشيع"
يمثل التصوف صورة مشرقة لعقائد الإسلام وأخلاقه وأحكامه وآدابه، ولا يشوش على هذه الصورة سوى ما يقوم به النابتة والمتمسلفة من نشر للأكاذيب عن التصوف بكل ما أوتوه من قوة؛ نظرا لعلمهم أن وجود التصوف وبقاءه يهدد وجودهم، وأن حقائق التصوف تصفع أكاذيبهم وتفضح شبهاتهم، وأن الناس لو تركوا لعقولهم وقلوبهم لاختاروا طريق التصوف، ولم يعيروا هؤلاء الدجالين انتباههم ولا قلوبهم.
ومما نشره هؤلاء المتمسلفة في كتبهم من أكاذيب حول التصوف ما ادعوه من أن التصوف هو بوابة "التشيع" وأن الصوفية تحمل عقائد الشيعة، وإذا فتشنا عن دليل واحد يستند له هؤلاء الدجالون عن صلة التصوف بالتشيع لا نجد سوى كتابات بعض المستشرقين من غير المسلمين الذين قرأوا علوم الإسلام دون تذوق لحقائقه الكبرى، ولا معرفة باللغة العربية تؤهلهم لفهم نصوصه فضلا عن فهم الأنساق المعرفية التي نشأت في ظل الإسلام ومعارفه ومنها التصوف، وقد سار خلف هؤلاء المستشرقين أولئك الذين ينسبون أنفسهم للسلف تارة! وللسنة تارة أخرى! وهم أبعد الناس عن السلف والسنة المشرفة([1]).
- واستدلال هؤلاء الأعاجم على هذه الفرية المضحكة مبناه في الحقيقة اتصال معظم أسانيد أئمة الصوفية بأئمة آل البيت عليهم السلام- وأخذ كثير منهم عن أئمة آل البيت كما حصل مع سيدنا معروف الكرخي الذي تلقى عن سيدنا على الرضا وغيره وصولًا إلى سيدنا علي بن أبي طالب الذي صح في حقه حديث " أنا مدينة العلم، وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب"([2])
- لكن البحث العلمي والمنهج المنضبط يأبى هذه المغالطات التي لا تنطلي إلا على ساذج لا يعرف من العلم إلا معلومات سطحية، فليس كل من أخذ عن سيدنا علي وهو أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين، ولا عن أي من أولاده وذريته هم من الشيعة؛ فهذا لم يقله أحد من العلماء، فأئمة آل البيت هم أئمة لأهل السنة والجماعة ايضًا، فإذا تلقى الصوفية إسنادَ الطريق من جهة آل البيت الكرام لأنهم أحد أكابر من نقلوا لنا علوم الإسلام، وليس لأن الصوفية لهم صلة بالتشيع([3]).
- الأمر الآخر الذي يدحض هذه الأفكار المتهافتة هو أن المميز الحقيقي للتشيع المرفوض عند أهل السنة ليس مجرد محبة آل البيت عليهم السلام والأخذ عنهم، لما قررناه من أنه من جملة ما حافظ عليه أهل السنة والجماعة، ولكن المميز الحقيقي للتشيع مما ينكره أهل السنة والجماعة ويرفضونه هو الطعن في الصحابة الكرامة خاصة الصاحبين الكريمين سيدنا أبي بكر الصديق وسيدنا عمر الفاروق رضي الله عنهما.
وبناء على ذلك فتعالوا بنا نستعرض ما سطرته يد أئمة الصوفية في كتبهم ورسائلهم عن اعتقادهم في الصحابة الكرام وعن مكانتهم عندهم، لنعلم كذب هذه الفرية على ساداتنا الصوفية.
1- وأول ما نطالعه من كتب السادة الصوفية الرسالة القشيرية للإمام القشيري المتوفى سنة 465 هـ وهو يتكلم عن عقائد الصوفية ممن سبقوه وأخذ عنهم فقال: " اعلموا رحمكم الله تعالى أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسمَ أفاضلُهم في عصرهم بتسمية علم سوى صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ لا فضيلة فوقها، فقيل لهم: الصحابة." ([4])
2- وهذا نقل آخر ورد في كتاب "المكتوبات" وهو للإمام السرهندي النقشبندي مجدد الألف الثانية المتوفى 1034هـ وفيه ما يلي: "ومن ذلك كان تربية النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة (رضي الله عنهم) فكانوا يستغنون برؤية طلعته السعيدة وينتفعون بها عن كل رياضة ومجاهدة أكثر مما ينتفعون بالأذكار في مدة مديدة ولهذا كانت درجة الصحابة لا تضاهى"([5]).
3- وجاء في مقدمة كتاب "طبقات الصوفية الكبرى" للإمام الشعراني المتوفى 973هـ ما يلي:" فهذا كتاب لخصت فيه طبقات جماعة من الأولياء الذي يقتدي بهم في طريق الله عز وجل من الصحابة والتابعين إلى آخر القرن التاسع وبعض العاشر، ومقصودي بتأليفه فقه طريق القوم في التصوف من آداب المقامات والأحوال لا غير، ولم أذكر من كلامهم إلا عيونه وجواهره دون ما شاركهم غيرهم فيه مما هو مسطور في كتب أئمة الشريعة"([6]).
4- ومن "البحر المديد" للعارف ابن عجيبة المتوفى 1224 هـ في تفسير قول الله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾[الحشر: 9] فقال: " بعد أن وَصَفَهم بقطع الطمع والحرص، والزهد فيما لم يملكوا بقوله: {ولا يجدون في صدورهم حاجة} وَصَفَهم بالإيثار فيما ملكوا، وبذلك يتم تحقيق خروج الدنيا من قلوبهم، بحيث لا يتعلق القلب بما فات منها، ولا يُمسك ما وجد منها، بل يُؤثر به مع الحاجة إليه، فالآية تشير إلى سلامة الصدور، وسخاوة الأنفس، وهذا كان وصف الصحابة - رضي الله عنهم - وبهذين الخصلتين فاقوا جميعَ الناس، وهي أخلاق الصوفية"([7])
إذن هذه النصوص التي تعمدت أن تكون من تواريخ متفاوتة من بين القرن الخامس الهجري والثالث عشر الهجري كلها تشير إلى تعظيم الصوفية للصحابة وأنهم يعتقدون فيهم أنهم الجيل الأجل الذي لا يأتي بعده مثله.
وأن ما يقال ويثار على ألسنة هؤلاء الدجالين من تخويف الناس من الصوفية على أساس أنهم ينشرون التشيع فهو كذب وبهتان، فكتب الصوفية وأسانيدهم وأحوالهم وأقوالهم كلها نابعة من علوم ومعارف أهل السنة والجماعة، وليس في علومهم وسلوكهم ما ينسب لأي فرقة من الفرق الأخرى.
[1] من هذه الكتابات ينظر: صلة التصوف بالتشيع كامل مصطفى الشيبي ط.دار المعارف، والتصوف: المنشأ والمصادرإحسان إلهي ظهير، ط. إدارة ترجمان السنة - باكستان
[2] الحديث أخرجه الحاكم في مستدركه وصححه، والطبراني في المعجم الكبير عن ابن عباس، وقد أفرد له الحافظ السيد أحمد الغماري جزءا في بيان صحته سماه: "فتح الملك العلى بصحة حديث باب مدينة العلم على" فراجعه.
[3] موضوع أسانيد التصوف وصلتها بالشيعة هو باب آخر ويمكن أن نفرد له بحثًا آخر بإذن الله تعالى.
[4] الرسالة القشيرية للإمام القشيري 1/ 34 ط.دار المعارف
[5] المكتوبات للإمام السرهندي 1/546 ط.النيل القاهرة
[6] الطبقات الكبرى للشعراني 1/3 ط.المليجي
[7] البحر المديد لابن عجيبة 7/12 ط.د.حسن عباس زكي