
بين الدعاء والإجابة
أسامة محسنمن أكثر الأشياء التي يقوم بها الناس ويكثرون من فعلها عند حصول الأزمات ونزول المصائب هي الدعاء، ثم تنشغل أذهان الناس ويزداد اهتمامهم أكثر بتحقق المدعو به وهي إجابة الدعاء خصوصًا لوجود الموعود الإلهي بإجابة السائلين حيث قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِىٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[غافر: ٦٠] ، لكن الأمر في الدعاء أوسع من تحقيق المراد فلما غاب عن الكثير حقيقة الدعاء كما غاب عنهم مفهوم وحقيقة الإجابة راح الناس يتعاملون مع الدعاء بقلق وشك وربما لم يقم به بعضهم لجهله بهذه العبادة وظنًا منه أنه ليس لها فائدة من وجهة نظره؛ لأنه بالدعاء أو من غير دعاء لن تنال إلا ما كُتب لك من رزقك، وهذا حق لكن ما ترتب عليه من السلوك وهو عدم الدعاء باطل.
فالحقيقة أنك لن تنال في هذه الحياة سوى رزقك المكتوب لك، لكن لا يترتب على ذلك إيقاف عبادة مستقلة وهى الدعاء، كما أننا لن ندخل الجنة الإ برحمة الله، وهذا ليس تعطيلًا للفرائض، وراح بعض ممن تغيب عنه حقيقة العلاقة مع الله تبارك وتعالى ، بأن يتهم بعضهم نفسه بأنه ليس أهلًا للعطاء، أو أنه ليس صاحب حظوة عند الله، وأن الله لا يحبه أو لا يريده في طريقه، وأن عدم التحقق الفوري للمدعو به دليل على ذلك وراح آخرون لجهلهم بصفات الله تعالى وأسمائه يتهمون الرب تبارك وتعالى ويصفونه بالعجز لعدم إجابتهم أو راحوا يدَّعون دعوى فاسدة كاسدة بأن عدم تحقق الإجابة دليل على أنَّ الله غير موجود في الحقيقة؛ لكونه لو كان موجودا ما تركنا على هذه الحالة التي نزلت بنا أو أخرجنا منها إجابةً لدعائنا برهانًا منه على صدق وجوده، وجميع هذه الأفكار غير موفقة للصواب نشأت من قلة العلم وقلة المعرفة بالله.
فالدعاء في الشريعة الإسلامية له شأن عظيم فهو عبادة بل هو أصل العبادة وروحها فقد روى النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «الدعاء هو العبادة» ثم قرأ: ﴿ادْعُونِىٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[غافر: ٦٠]، بل الدعاء من أكرم الأمور على الله تبارك وتعالى فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ليس شيءٌ أكرم على الله من الدعاء».
وأحب أن أقول:
1. أن الدعاء في الحقيقة أوسع وأشمل من قضية تحقق المدعو به فقط لا غير إذ هو يشمل التحقق للمدعو به وينطوي على ما هو أعظم من ذلك، فهو في ذاته عبادة بل أصل العبادة وأرفعها كما قال صلى الله عليه وآله وسلم «الدعاء مخ العبادة».
2. كما أن الدعاء عبودية لله فبه ينكسر العبد لسيده متذللًا على أعتابه متحققا بعجزه راجيًا النوال من مولاه يقول سيدي تاج العارفين أحمد بن عطاء الله السكندري قدس الله سره: «لا يَكُنْ طَلَبُكَ تَسَبُّباً للعَطاءِ مِنْهُ، فَيَقِلَّ فَهْمُكَ عَنْهُ، وَليَكُنْ طَلَبُكَ لإظْهارِ العُبودِيَّةِ وَقِياماً بِحُقوقِ الرُبوبِيَّةِ».
3. كما أن الدعاء وصال مع المحبوب حيث إنك تخاطبه وتطلب منه فتتدلل عليه تدلل المحب لحبيبه وكان سيدي محمد عوض المنقوش يقول: «الدعاء فن الأحبة حتى مع تحقق الطلبات لاتتوقف عن الدعاء ولذلك ظل النبي يدعو بالنصر وكأنه لم يعلمه الله بشيء، وكأن لسان حاله الشريف يقول وإن فعلت ما يليق بك بنصرنا على قريش في بدر، فلا ينبغي ان نتوقف عما يليق بنا من الطلب والعوز والحاجة والتذلل والافتقار إليك».
4. والدعاء أيضًا دليل على المعرفة بالله ولذلك تجد أن الدعاء قد يكون مطلق الثناء على الله، والثناء لاينشأ إلا عن علم كما أنه وسيلة العطاء المحققة على اليقين يستجيب ويجيب المجيب سبحانه وتعالى، لكن المسألة تتعلق بالقوانين التي يخضع لها البشر والتي لا يخضع لها الإله وهي الزمان والمكان والأسباب، غير أن المسألة مسألة وقت، كما أن الإنسان يحتاج إلي أن يفهم حقيقة الإجابة ومعانيها فتأتي الأجابة بمعنى الرد أجابك: بمعنى رد عليك «لبيك يا عبدي»، وذلك شرف عظيم أن يجيب الملك على العبيد وهو صورة من صور الوصال مع الملك العلام.
وتأتي الإجابة بمعنى تحقيق المراد والعطاء أجابك: أعطاك وحقق مرادك ولذلك يقول سيدي أحمد بن عطاء الله السكندري: «متى أطْلَقَ لسانَكَ بالطَّلبِ؛ فاعْلَمْ أنَّه يُريدُ أنْ يُعطيَكَ» وذلك التحقيق إما أن يكون في الحال أو بعد الدعاء أو في البرزخ أو في الآخرة أو في الجنة لأن الدنيا ليست مؤهلة لكل صور العطاء كما أنها ليست نهاية الحياة.
1. وتكون الإجابة بمعنى عطاء ما يصلح لا ما تطلب، فتكون إجابتك: أعطاك ما يصلحك لا ما تطلبه وفي الوقت الذي ينفعك لا قبله ولا بعده يقول سيدي ابن عطاء الله السكندري: «لا يَكُنْ تأَخُّرُ أَمَدِ العَطاءِ مَعَ الإلْحاحِ في الدُّعاءِ مُوْجِباً لِيأْسِكَ. فَهُوَ ضَمِنَ لَكَ الإِجابةَ فيما يَخْتارُهُ لَكَ لا فيما تَخْتارُهُ لِنَفْسِكَ. وَفي الوَقْتِ الَّذي يُريدُ لا فِي الوَقْتِ الَّذي تُرْيدُ».
2. من عرف الله علم أنه سبحانه يعطي عبده بدون سؤال أو طلب ويعطي إذا طلب منه عبده لكن في الوقت الأنسب ويعطي ما يصلح به حال عبده ويمنع لحكمة ويعجل العطاء لحكمة ويؤخره لحكمة فنحن ندعوا ربًا كريمًا جوادًا حكيمًا، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.