السنة الخامسة ربيع الأنور 1447 هـ - سبتمبر 2025 م


د. مختار محسن الأزهري
أدلة أوراد الطريقة الصديقية من كتاب المنح العلية (5)
د. مختار محسن الأزهري

فائدة في عظيم فضل الوظيفة الزروقية:

والوظيفة الزروقية كلها مجموعة من أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أضاف لها الشيخ الخروبي[1] تلميذ سيدي أحمد زروق عبارات أخرى مأخوذة مما تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الميراث النبوي، على ما سيأتي تفصيله بعد ذلك.

وقد كُتب لهذه الوظيفة الزروقية القبول من سائر طرق الصوفية، ونشرها العلماء والصالحون والعباد؛ وقد ورد عن سيدي أحمد بن زروق في فضل هذه الوظيفة ما نقله عنه شراح الوظيفة ومن ذلك " هي وظيفة النجاة والسرور، وفتح الهداية والتيسير في الأمور؛ بل وظيفة الفوز والنجاة، وحزب البر والبركات، واتباع السنة في أذكار العشي والغداة"ا.هـ [2]، وقد قيل إن الشيخ رحمه الله لما جمعها رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقال له: "هذه وظيفتك ووظيفة أصحابك" [3] فهي رؤيا مبشرة بقبول الوظيفة الزروقية .

وأما ما اشتملت عليه من أذكار؛ فهي كما مر كلها مما ورد في نصوص الكتاب والسنة؛ ولذا قال فيها جامعها سيدي أحمد زروق: "وفائدة جمع الوظيفة ثلاثة أمور:

أحدها: جامعة لمعاني ما ورد في غيرها مع قربه.

الثاني: أنه غالبًا من مشهور الأحاديث ومذكورها، مع وضوح لفظه ومعناه.

الثالث: فيه بركة التلقي على الشيوخ زائد على ألفاظ النبوة.

ثم قال: ولا يشترط الصحة في الأذكار الواضحة، لأنها جنس ما يطلب الإكثار منه مطلقًا، وهو الذكر [4]"ا.هـ

وكذلك نقل عن الشيخ الخروبي تلميذ الشيخ زروق فقال عن الوظيفة: "اعلم أن هذه الوظيفة المباركة اشتملت على استعاذة وبسملة وصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقراءة وتسبيح وتهليل ودعاء واستغفار واعتصام بالله، واعتراف بنعمه، وإقرار بربوبيته، والشهادة والرضى به وبرسوله صلى الله عليه وآله وشرائعه، وإظهار أوصاف العبودية، من الذل والفقر والاحتياج إلى الله تعالى والاعتراف بالتقصير في حقوقه، والرهبة والخوف من سطوته وقهره والرغبة في بركاته وخيره، إلى غير ذلك مما لا نحيط بذكره، وكل واحد من هذه الأحوال له فضل عظيم، وثواب جسيم وحده، فما بالك بمجموعها."ا.هـ

ولنذكر الآن بعض منافع الأذكار وما احتوت عليه من المنافع والأسرار:

فمنها: ما هو لدفع العوارض الشيطانية، ومنها لتحسين البداية ودفع النقص وجلب الكمال، ومنها لتحسين النهاية وتمام الكمال؛ فمن ذكره ظهر توفيقه، وثبت كماله ونجاحه، وفيها آيات اشتملت على الاسم الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، وفيها آيات تحفظ قائلها من الشيطان وجنوده، وفيها ما يكفي قائلها عن قيام الليل، وفيها ما يكفي قائلها عن قيام الليل إذا ذكرها بل تكفيه عن كل شيء، وفيها ما يعدل القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، وفيها ما يحسن الهيأة، ويوسع الرزق حضرا وسفرا، وفيها ما يذهب بكبير الشر وصغيره، وفيها ما يذهب الهم، ويقضي الدين، وفيها ذكر من قاله غدوة ومات من يومه دخل الجنة، وإن قاله مساء ومات فكذلك، وفيها ذكر يتم الله به النعمة على قائله في الدنيا والآخرة، وفيها ذكر من قاله صباحًا أدى شكر ليلته، وفيها ذكر تتعب الملائكة في استيفاء كتاب ثوابه، وفيها ذكر يرجح بكثير من الأذكار على غيره، وفيها ذكر من قاله أخذه صلى الله عليه وآله وسلم بيده وأدخله الجنة، وفيها ما يحفظ قائله من الحيات والعقاريب وجميع ذوات السموم، وفيها ما يوكل الله لقائله وفي يومه سبعين ألف ملك يصلونه ويحفظونه إلى الليل، وإن قاله مساء فكذلك إلى الصباح، وإن مات في يومه أو ليلته مات شهيدًا، وفيها ما يغفر الله لقائله وإن كانت ذنوبه مثل زبد البحر، وفيها ما هو أمان لقائله من العمى والجنون والجذام والبرص والفالج، وفيها ما يذهب بالوحشة في الحضر والسفر، وفيها ذكر لا يقال في آخر مجلس باطل إلا كفى لقائله سوء ما قيل فيه ولا يقال في مجلس خير إلا طبع عليه كما يطبع على الصحيفة"[5] ا.هـ

  فصل في الوقت الذي تقال فيه الوظيفة:

1 - جاء في بعض نسخ الوظيفة أن الشيخ زروق رحمه الله قد عيَّن وقتها الذي تقال فيه؛ فقال: "وقتها: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بكرة، ومن بعد صلاة العصر إلى بعد صلاة العشاء عشية" [6]

2 – وجاء أيضا في شرح العارف ابن عجيبة على الوظيفة نقلا عن الإمام الخروبي (تلميذ الشيخ زروق) ما نصه: "وقتها من طلوع الفجر إلى الضحى الأعلى ومن بعد العصر إلى وقت النوم، ويتسع وقتها إلى آخر الليل"

قال الشيخ المؤلف رضي الله عنه: وفائدة توسيع وقتها ثلاثة أشياء أحدها: إيقاعها على سماح في النفس؛ إذ قد لا يتيسر أمرها إن كان لها وقت واحد.

الثاني: أن ذلك أحفظ لإقامتها وإلا مع ضيق الوقت فقد تتوالى الأشغال؛ فيؤدي إلى تركها.

الثالث: الاتباع للشارع في ذكر المساء والصباح في ألفاظها، وما عداها [7] فضيق الوقت لخفته" [8].

إذن تحصَّل من تلك النقول: أن وقت الوظيفة (صباحًا) يبدأ مع الفجر إلى ما قبل الظهر، وأجاز لنا مشايخنا أن تقرأ إلى العصر، وأما وقتها ( مساءً) فيمتد من العصر إلى آخر الليل

يتبع ...


[1] أبو عبدالله محمد بن علي الخروبي الطرابلسي الجزائري: عالمها الكبير وإمامها الشهير كان من أهل الحديث والفقه والتصوف جمع من التصوف والأذكار والأوراد كتباً منها شرح الحكم  وشرح الوظيفة الزروقية توفي بالجزائر سنة 963 هـ- 1555 م  ، انظر ترجمته في شجرة النور الزكية 1/ 411 ، معجم  أعلام  الجزائر  1/ 132 ط.مؤسسة نويهض للتأليف والنشر، بيروت لبنان .

[2] انظر اللوائح القدسية شرح الوظيفة الزروقية لابن عجيبة صـ 13 ،طبع ضمن كتاب الجواهر العجيبة من تآليف سيدي ابن عجيبة ، ط.دار الكتب العلمية

[3] انظر الأذكار السنية بالمدرسة الزروقية للأستاذ محمد إدريس طيب صـ 40 ط.دار الكتب العلمية 

[4] اللوائح القدسية شرح الوظيفة الزروقية لابن عجيبة صـ 13 ،طبع ضمن كتاب الجواهر العجيبة من تآليف سيدي ابن عجيبة .

[5] المرجع السابق صـ13، 14، وسيأتي تفصيل كل ذلك وأدلته، في أثناء بيان أدلة الوظيفة

[6] انظر: سفينة النجا لمن إلى التجا صــــ 7 للشيخ أحمد زروق بتحقيق نزار حمادي ط.دار ابن عرفة بتونس

[7] وما عداها: كالأذكار المقيدة بأحوال معينة كذكر الأكل وذكر ركوب الدابة وذكر النوم؛ فهذه أذكار مقيدة بأحوال معينة، فتقيد بوقتها.

[8] اللواقح القدسية صـ16