السنة الخامسة رمضان 1446 هـ - مارس 2025 م


مولانا الإمام أ.د. علي جمعة
افتتاحية العدد 17
مولانا الإمام أ.د. علي جمعة

ها قد تفلَّت رمضان منا ومرَّ كمرِّ السحاب كما هي عادته في كل عام، إلا أنه في هذا العام مرَّ أسرع، وأصبحنا في نهايته. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعتق رقابنا ببركة هذا الشهر العظيم من النار، وأن يتقبلنا عنده في الصالحين، وأن يتقبل منا صالح أعمالنا على ما كان منا من عمل، نلجأ إليه ونقول:

يا ربنا، حالُنا لا يخفى عليك، وأمرنا كله بين يديك، نحن في حاجة إليك، وأنت قيوم السماوات والأرض، لا تحتاج إلينا ونحن نحتاج إليك. فاللهم يا ربنا اغفر لنا، وعافنا واعفُ عنا، فإنك عفوٌّ تحب العفو، فتقبل منا صالح أعمالنا، وبارك لنا فيما يأتي من وقتٍ وزمان، وانقلنا من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك.

ماذا بعد رمضان، وبعدما صمنا نهاره وقمنا ليله، ونريد أن نعيش فيما منَّ الله به علينا من العبادة في رمضان؟ عندما نقرأ سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي جعله الله أسوةً حسنةً للعالمين: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ تجد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد منك أن تخرج من دائرة الإحباط إلى دائرة الهِمَّة والعمل، وألَّا تيأس من ذنبٍ قد أحاط بك، أو عدت إليه كثيرًا بعدما تُبت منه وأقلعت عنه.

يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كلُّ ابنِ آدم خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائين التوَّابون». "خطَّاءٌ" صيغة مبالغة، أي كثير الخطأ، و"توَّاب" صيغة مبالغة، أي كثير التوبة، وكأنه يُسلِّي قلبك من عودتك إلى ذنبٍ قد أقلعت عنه، يدعوك ألَّا تيأس، وأن تتركه وراءك ظهريًّا، وأن تبدأ حياةً جديدةً في كل يوم، وكلما استيقظت من نومك لصلاة الفجر.

كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «جدِّدوا إيمانكم»، قالوا: يا رسول الله، وكيف يُجدِّد أحدُنا إيمانه؟ قال: «قولوا لا إله إلا الله».

جعل الأمر سهلاً يسيرًا، ليس استهانةً بالمعصية، بل تعاملاً مع الله سبحانه وتعالى، ومع النفس التي تُكثِر علينا المخالفة، ومع هذا الكون الذي مبناه القلوب الضارعة لرب العالمين

فالهجوا بذكر الله تعالى بالليل والنهار فالذكر هو عبادة هذا العصر، لا يحتاج منا لترتيب ولا شيء، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يذكر الله على كل حال، ولا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله؛ فاجعلوا ألسنتكم رطبة بالذكر بالليل وبالنهار، وكل عام وأنتم بخير.