السنة الرابعة جمادى الآخرة 1446 هـ - ديسمبر 2024 م


مولانا الإمام أ.د. علي جمعة
افتتاحية العدد - 16
مولانا الإمام أ.د. علي جمعة

الأصل في الشرع الستر

الستر في اللغة هو الحجب؛ وهو أن شيئا حجب شيئا آخر، والستر في الشرع هو عدم الفضيحة، وسيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرنا فقال : "الدين النصيحة" وليس الدين الفضيحة، ولذلك فرق العلماء بين النصيحة والفضيحة؛ النصيحة تكون بإخلاص وتكون في السر، في الستر، في الحجاب الذي لا يراه الناس , لأنها نصيحة تريد التغيير لا التعيير.

أما الفضيحة فتريد التعيير، فعندما أرى أحد الناس وقد ابتلي بذنب من الذنوب فلا يكون شهوتي أن أشهر به وأن أفضحه وأن أعيره « مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ » فلو عيرته بذنب إذًا أنا أتكبر عليه بطاعتي، وقد تتحول الطاعة التي من شأنها الأجر والثواب والمغفرة إلى لعنة، فلا أعير حتى العاصي لعله يتوب ويقبل الله توبته ويكون شأنه عند الله أعلى وأبر ممن عيره.

إذن هناك فرق بين النصيحة والفضيحة ، وبين التعيير والتغيير؛ وهو "الستر" فالستر هو النصيحة هو الخفاء والحكمة والإيجاب وإرادة التغيير؛ فأنا أنصح حتى يقلع عن هذا الذنب ويتوب إلى الله ويفعل عكس ذلك .

والأصل في الشريعة الستر على كل المستويات ، بمعنى أنني عملت ذنبا فلابد أن أستره على نفسي فلو لم أستر نفسي فأكون ممن يجهر بالسوء (( لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ )) وهذا فعل يغضب الله عزوجل واستهانه بالذنب، بعض أصحاب الأفكار التحررية يقول لك (كن شفافا وأخبرني بذنوبك التي فعلتها) وهذا كأنه لا يعبأ بالذنب ولا يؤلمه، لكن المؤمن يحاول أن يغير ويبدأ صفحة جديدة مع الله؛ بمعنى أنه يريد أن ينسى هذا الذنب الذي وقع فيه لكن ليس استهانة لأنه يريد صفحة جديدة مع الله ويعلم أن « كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ».

فمع نفسي شأني الستر، ومع غيري الستر أولى «ولو أن تستر أخاك بهدبة ثوبك» أي تمسك طرف ثوبك حتى لا يراه الناس ، « وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».