
افتتاحية العدد - 10
مولانا الإمام أ.د. علي جمعةشهر ذي الحجة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم، قد أظلنا شهر ذي الحجة الحرام، الذي مع بدايته تبدأ الأيام المعلومات، وهي خير أيام السنة، كما أن ليلة القدر خير ليالي العام، في هذه الأيام أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشرع لنا ورغَّبَ الصَّيامَ، وإلى الذكر، وإلى تلاوة القرآن، وإلى الالتجاء إلى ربنا سبحانه وتعالى بصالح الأعمال، وإلى الدعاء، وإلى الصلاة على النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى كثرة الصدقات، وإلى سائر الأعمال الصالحات.
ففي هذه الأيام المباركات يغفر الله الذنوب، ويستجيب للدُّعاء، ويَأمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نتذكر الحجيج الذين قصدوا بيت الله العتيق؛ بيت الله الحرام، نتذكر هذا المنسك العظيم، نتذكر الدروس التي يمكن أن نستفيد بها في حياتنا الدنيا حتى عند من لم يحج، ومن هذه الدروس:
1- يذكرنا الحج إحرام الحاجِّ وهو ذاهب إلى بيت الله الحرام بالموت، وأن هذه الدنيا فانية وأنها مرتبطة بالآخرة، وكان من دعاء الصالحين (( اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا ))، وأنه ينبغي عليك أن تعدها وسيلة للآخرة، يظهر المحرم وكأنه في أكفانه.
2- يذكرنا الحاج في إحرامه بالمساواة الرشيدة التي لا تعنى التساوي أبدًا؛ فهناك فرق بين الرجل في إحرامه والمرأة في إحرامها؛ ولكن ليس هناك فرق بين عربي وأعجمي ولا بين أبيض ولا أحمر إلا بالتقوى، الكل سواسية كأسنان المشط، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصف الناس أجمعين لا فرق بين الحاكم والمحكوم، ولا بين الغنى والفقير، ولا بين القوى والضعيف، ولا بين العالم والجاهل.
3- يذكرنا الحاج في إحرامه بأن هذه الدنيا في قيامها لا تحتاج إلا القليل، فالإنسان عندما ارتدى هذا الإحرام اكتفى به في ستر عورته، اكتفى به في حاجة جسده، يمكن للإنسان أن يكتفى بالقليل، وما زاد على ذلك فهو فضل لا يتعلق به شأن الحياة وتستمر الحياة بدونه، إذًا هذا الحال من الاكتفاء يساعد على أن تكون أيها المؤمن قويًّا.
وأما أولئك الذين تهفوا قلوبهم للزيارة ولم يتمكنوا من الخروج لرحلة الحجّ خلال السنوات الماضية وحتى اليوم لأي سبب كان، ندعو الله سبحانه وتعالى أن يحاسبهم بنياتهم، وأن يحسب لهم حجًا كاملًا وأن يستجيب دعاءهم وأن يغفر ذنوبهم، وأن يبدأ بهم الطريق إليه وأن يعلمهم الأدب معه، ومن اشتاق هذا الاشتياق العظيم فله أجره عند الله وندعو الله أن ينزل عليه السكينة، وأن تحفه الرحمة، وأن تتنزل عليه الملائكة وأن يؤيده الله بمدد من عنده، كل عام وأنتم بخير، تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.