السنة الرابعة جمادى الآخرة 1446 هـ - ديسمبر 2024 م


الشيخ. أيمن حمدي الأكبري
في الإحسان
الشيخ. أيمن حمدي الأكبري

خليليَّ إنى قد سئمتُ مِن الهوى

ومِن نفس مَن لم يدرِ هل ظنّ أم نوى

 وكل أماني المرء لا بد لو يرى

مواقعةٌ.. إن سدد السير أو غوى

 فلا تنظرن للشيء قبل حدوثهِ

وإن شئتَ فانظر في الفؤاد وما حوى

 فذلك سرٌّ إن تحققته ترى

عجائبَ ما أبدى الزمانُ وما طوى.

 قال رسولُ الله صلى الله عليهِ و آلهِ و سلَّم ( النيَّة روح العمل ) و النيةُ محلُّها القلب؛ فللنياتِ صوَرٌ محلُّها القلب ثمَّ تصدر الأعمال عنها بواسطة الجوارح؛ و إنما يكون ذلك بحسب الحاجات والأماني؛ ولا تكون الأماني إلا بالتمني، وهو توهّم صورة المطلوب؛ وقد قيل الوهمُ خيالٌ كاذب؛ مِن حيث وقوع صور الأماني في الخيال المتصل وهو خيال الشخص منَّا الذي هو قوةٌ مِن القوى الدماغية أيضاً؛ أما الخيال الصادق فعبارة عما يقع في خيال الإنسان الكبير؛ حيث العالم عبارة عن إنسانٍ كبير ذي عقل وفكر وذاكرة ووهم وخيال إلى غير ذلك من القوى الملكية والأجزاء كالأرض والسماء.

و لمَّا كان تعالى قد أودع في الإنسان دقائق ما في العالم مِن الحقائق لكونه على الصورة؛ أو بعبارة أخرى لكونه مختصراً شريفاً للعالم؛ و في العالم الرفيع والوضيع؛ كانت الرفعة والضعة في الإنسان بحسب تصريفه لقواه وجوارحه في الأعمال والأقوال. وكلٌّ مُيسَّر لِما خُلق له.

وقد اشتركت التربية مع الترقية في أسرار؛ ومِن جملة هذه الأسرار تصريف القوة الوهمية فيما هو عالٍ، وصرفها عن كلِّ دونٍ مِن شئون الدنيا- والدون مِن شئون الدنيا عبارة عن كل ما لا يعين العبدَ على طاعة الله تعالى وموافقة إرادته صلاح العالم – و لذا قال أشياخُنا إن مدار أهل هذه الطريقة المثلى في فلك الإحسان، ولطالما نبهنا عليه الأحبة والإخوان.

والتوهم عبارة عن استحضار صورة الشيء وانطباعها في نفس المتوهِّم؛ ويكون انطباعها بحسب موافقة الصورة لهوى النفس؛ وقد يرسم المتوهّم تلك الصورة في لوح خياله مهما كانت الصورة شريفةً أو وضيعةً؛ أما القلبُ فلا يقبل مِن الصوَر إلا اللطيفَ الشريف. فمن توهم شيئاً تمنَّاه، ثم نظرَ إلى قلبه فوجد صورته منطبعةً فيه، علِم توجّه قلبه وإن كان إدراك ذلك عسيرًا إلا على أرباب القلوب؛ إذ الغالب النظر إلى لوح النفس.

وثمَّ من يحمل صورة ما توهم إلى لوح خيال الإنسان الكبير متى علمه.

و قد يستعمل أصحاب الهمم والعزائم هذه القوة الوهمية في التأثير على الغير بطبع الصورة المتوهمة عندهم في وهم من أرادوا. و كذلك يكون سحرهم لأعين الناس؛ إذ يُسرِّحون بصر المقصود لهم في عالم وهمه، فيرى ما انطبع فيه مما تسلطوا به عليه؛ فمن صرّف وهمه في اللطائف لا تنطبع فيه صور ما أرادوا.

وهكذا يرتد مكر السحرة عليهم متى أراد أهل الحضور مع الحق.

فالاستحضار مِن أدق الأسرار إذ يصرف وهم الشخص منا إلى عالم اللطائف عن عالم الكثائف، وقد علمنا جميعا ما يصيب المرأ من العلل بتعلق وهمه بما هو دون، والاهتمام بما لا يتحقق وما يزول.

كما أن من علل نفس صاحب الوهم كثرة المطالب والهموم؛ فمن جمع وهمه على همٍّ واحد فهو صاحب الهمة لا الوهم، جمعنا الله وإياكم على أشرف مطلوبٍ بمحض فضله.