السنة الثالثة جمادى الآخرة 1445 هـ - يناير 2024 م


يارا عبيد
حكايات السيرة (2)
يارا عبيد

دثار الحبيب

في بيت خديجة، كنت أعيش، لحافًا جميلًا طرزته إحدي النساء بيديها واشترته منها سيدة جميلة من شريفات قومها وأغناهم وأعزهم حسبًا ونسبًا، عندما كانت السيدة تطرزني، وتعمل علي خياطتي كانت تقول لسيدة أخرى بجوارها، إنه لسيدة قومها ولها شأن في مكة كلها، إنه للسيدة خديجة بنت خويلد، عندما سمعت من سيتدثر بي، فرحت ووقع حب هذه السيدة العظيمة في قلبي.

ذهبت بي السيدة التي خاطتني إليها، واشترتني السيدة خديجة، وانصرفت مسروروة بي، قائلة: لنتدثر به أنا وزوجي، وكانت سعادتي كبيرة لأن عندما ذهبت لبيت السيدة الجليلة، رأيته وعندها كدت أطير من السعادة إنه هو: من غيره حبيب الله ونبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فأنا أعرفه أنا وكل الجمادات والأشجار والأحجار حتى، نعرفه جميعًا من قبل البعثة ونعلم أنه رسول الله وخاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم.

رأيته يتلطف بزوجته ويسلم عليها بحب ويسألها عن أخبارها ويقول إنه كان في قافلة للتجارة ورجع لتوه، أخذت أصلي وأسلم عليه، وأنا فرح سعيد أن أعطاني الله هذا الشرف، شرف أن أكون دثاره صلى الله عليه وآله وسلم، لكن كانت المفاجأة أني لثقلي لا يتدثر بي في الصيف ولم يأت الشتاء بعد.

كنت في صندوق الثياب، وتدثر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وزوجته السيدة خديجة بدثار آخر، مرت أيام وأيام وأنا أدعو الله أن يأتي الشتاء سريعًا ليتدثر بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي أحد الأيام في الصيف: وجدت سيدنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم، يغادر البيت وقبل المغادرة سمعته يقول: إنه سيعتزل ويختلي في غار حراء عدة أيام، وأخذ معه بعض الطعام والشراب، ودَّعته زوجته الحبيبة السيدة خديجة، وقبّل أطفاله وغادر، مر عدة أيّام وإذ بي أسمع الباب يطرق عدة مرات، يا ترى من؟ لم يأت موعد قدوم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الغار والخلوة بعد، أسرعت زوجته خديجة تفتح الباب، وإذ بها تجد سيدنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم يرتعش ويتصبب عرقًا، وأسرع إلى فِرَاشِه وهو يقول: دثّروني ... دثّروني، فلم تجد السيدة خديجة غطاء أثقل مني، لتدثره به كان الحبيب يتصبب عرقًا، ومع ذلك يرتعش، تعجبت من الموقف، وخشيت عليه.

أخذ سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يقص لها أنه رأى من يقول له اقرأ، فقال له: ما أنا بقارئ، فقال له للمرة الثانية: اقرأ، فأجابه: ما أنا بقارئ، ثم قال: ماذا أقرأ؟، فقيل له: ((  اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علَّم بالقلم )).

قال يا خديجة: لقد خشيتُ على نفسي -يعني من تحمل أعباء الرسالة-، فإذ بالسيدة خديجة الذكية الفطنة تطمئنه وتقول، كلا والله لا يخزيك الله أبدًا: إنك لتصل الرحم، وترحم الضعيف، وتحمل الكَلَّ، وجدتني أقول: وأنا أشهد يا رسول الله.

بعد قليل وقد اطمئن الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهدأ، ذهبت معه السيدة خديجة إلى قريب لها سمعتُها تقول اسمه: ورقة بن نوفل، كان على علم بالنبوات السابقة وقد قرأ التوراة والإنجيل، قلق جميع من في البيت على الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ  الجميع ينتظر رجوعه  هو والسيدة خديجة من عند قريبها ورقة بن نوفل،  وكنت أقول لهم  أنا لست بقلق على حيببي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف يخُاف أو يخُشى عليه وهورسول الله وخاتم أنبيائه.

قال الباب وهو يفتح سريعًا: (( جاءت السيدة خديجة ))، وأخذنا نستمع لحديثها وهي فرحة تقول: لا تخف إن ورقة يقول إن الذي جاءك وقال لك اقرأ هو أمين الوحي جبريل عليه السلام وسيأتيك مرارًا وإنك لرسول الله وخاتم النبيين، أخذنا جميعًا نقول: الله الله يا رسول الله، والله لقد صدق ورقة وصدقت السيدة خديجة فنحن الجمادات  أعلمنا الله أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم  آخر الأنبياء وخاتمهم  صلى الله عليه وآله وسلم، أسلم كل من في البيت، وكانت أولهم إسلامًا: السيدة خديجة، ثم أسلمت بناته صلى الله عليه وآله وسلم وعلي بن أبي طالب وكان يعيش في كنفه وكذلك زيد بن حارثة، ثم أسلم أبو بكر الصديق، صديق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصدِّيقه، كنا نشاهدهم  يتعلمون مما أوحى الله على رسوله وهم مسرورون بهذا الدين، وكانوا يشهدون بين يديه قائلين:  أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك يا محمد رسول الله، سعدنا معهم نحن الجمادات، وسعدنا بالعيش في رحابهم  وفي معيتهم  ومرت الأيام وأمر الله عز وجل رسوله أن يدعو قومه صراحة، وسمعنا بعض من في البيت يتحدث قائلًا إن الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم صعد جبلًا مرتفعًا وقال لأهل مكة: يا أهل مكة لو قلت لكم  إن خلف هذا الجبل جيشًا يريد أن يغير عليكم أكنتم مصدقيّ؟، قالوا ما عهدناك إلا الصادق الأمين، فقال لهم إني والله رسول الله إليكم، فلم يؤمن كثير منهم، وتعرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأذى شديد منهم، هو ومن آمن معه من المسلمين، ولكن زوجته الحبيبة السيدة خديجة كانت تطمئنه وكنا نراها تسانده، وتقف معه، فزادت والله مكانتها في قلوبنا أضعافًا، فاللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل بيت سيدنا محمد.