السنة الرابعة رمضان 1445 هـ - إبريل 2024 م


يارا عبيد
حكايات السيرة (3)
يارا عبيد

الحجر العجيب وهجرة الحبيب

في بيت صديق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيدنا أبي بكر الصديق، وفي داره  كنت، رأيت بعيني صداقتهما، ورأيت  كيف يحبان بعضهما، كبر في قلبي حب الحبيب حبيب سيدنا أبي بكر وحبيبي وحبيب كل المسلمين، وكم تمنيت أن أراه دائمًا فحبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم جميل، رحيم ، ورحمة للعالمين، حتى لي أنا أيضًا الحَجَر الصغير.

في بيت صديق رسول الله كنت أعيش، حجر صغير في ركن من أرض البيت، لكني كنت سعيدًا، لأني في بيت صديق وحبيب حبيبي، وكان أكثر وقت أسعد فيه، حينما يزورنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،  كنت أحب أن أذكر الله مع سيدنا أبي بكر وسيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكنت أحب الاستماع لحديثهما، وفي أحد الأيام ، وجدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزور الصديق ظهرًا فتعجبت من وقت الزيارة، فحبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يزور حبيبه في مثل هذا الوقت عادة، لكني عندما عرفت السبب تفهمت لمَ زاره الحبيب في موعد غير المعتاد.

فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون في مكة يتعرضون منذ إعلان إسلامهم لخطر شديد وأذى من المشركين والكفار، حتى إن الأذى قد اشتد عليهم لذلك جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للصديق وأخبره أنهما سيهاجران إلى يثرب، وأخذا يجهزان كل شيء ويوزعان الأدوار على كل أهل بيت أبي بكر، فالسيد عبد الله بن أبي بكر سيتابع طريق الهجرة، ويذهب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصديق يوميًّا في مخبئهما أثناء الهجرة بغار ثور، ويخبرهم  بأخبار المشركين، والسيدة أسماء بنت أبي بكر ستجهز الطعام وتذهب به إليهما يوميًّا، وهكذا لم يبق شيء ولا شخص في البيت إلا وله دور في الهجرة، حتى الجملان اللذان سيحملان الحبيبين ويسافران بهما إلى يثرب.

لحظتها وجدتني أبكي ، وأقول وأنا … يا ليتني ناقته القصواء فأحمله على ظهري، يا ليتني كنت الطعام الذي يأكله، ثم سكنت وأخذت أدعو الله أن يحفظ حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصديقه أبا بكر في هجرتهما، وأخذت أستمع وأتتبع أخبار الحبيب والصديق من أهل البيت يومًا بعد يومٍ.

فها هي السيدة أسماء تذهب إليهما بالطعام، وها هو سيدنا عبد الله يذهب إليهما سرًّا ويخبرهما بأخبار بحث المشركين عنهما، ولما تحركا من غار ثور، عرفت أنه قد قرب وصول سيدنا النبي والصديق إلى يثرب على خير … قالها عبد الله فإذا بي أقول: "الحمد لله .. الحمد لله اللهم تمم أمور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتمم هجرته ليثرب على خير".

وبينما أنا كذلك، إذا بالباب يطرق، ذهبت السيدة أسماء لتفتح متعجلة، فإذا بها ترى جدها أبي قحافة وهو غاضب حزين وهو يقول لها: لقد علمت أن أباكي أخذ كل ما لديكم من مال وهاجر مع صاحبه -يقصد رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم، فماذا ترك لكم؟

وبينما أنا أتفكر في ردها، وماذا ستقول له لتهدئ من خوفه، فإذ بي أجدها تلتقطني بيدها من مكاني في جانب الحجرة على الأرض، ووضعتني مع باقي الأحجار في مكان نقود أبي بكر، وجاءت بغطاء من قماش فغطتنا، فتعجبت، وتعجبنا من صنيعها ...

ووضعت السيدة أسماء يدَ جدها أبي قحافة علي أنا وباقي الأحجار وهي تقول لجدها مطمئنة له: "ترك لنا هذا، قال جدها: "إذن لقد ترك الكثير" ...

وبعد ذهاب أبي قحافة، وجدتني أنا وجميع الأحجار الصغيرة ترجعنا السيدة أسماء إلى مكاننا وهي تقول: "لم أرد أن أقلقه بشأن المال، فتركته يظن أن الحجارة  مالٌ ليطمئن علينا ولا يجزع"، فوجدتني أقول لنفسي: "نِعمَ الابنة أنتِ يا أسماء"، بفطنتها خرجت من موقف صعب وطمأنت قلبَ الجد، والله لقد ترك سيدنا أبو بكر لهما أعظم من كل مال، ترك لهما معية الله وحب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

في تلك الأثناء هتفت الأحجار: "لقد كان لنا دور، لقد كان لنا دور … فنحن من طمأنا أبا قحافة، واستخدمتنا السيدة أسماء لذلك"، لحظتها سعدت وحمدت الله كثيرًا، ولكني كنت قلقًا حقًّا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصديق وهل وصلا ليثرب؟

بعد عدة أيَّام والحمد لله وصلتنا الأخبار: لقد وصل الحبيبان إلى يثرب بعد أن كاد المشركون يصلون إليهما عندما كانا في غار ثور، فقال الرسول لسيدنا أبي بكر يطمئنه: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثُهما، وفعلًا نجَّى الله الحبيبَ والصديق ولم يدخل الكفار الغار ووصلا ليثرب بسلامة الله، واستقبلهما أهل يثرب بالحب والترحاب، مسرورين معلنين إسلامهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

شكرت اللهَ على سلامتهما ، وأخذت أنشد  سعيدًا النشيد الذي أنشده أهل يثرب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مثلما سمعته من  أهل بيت أبي بكر:

طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا  ... ما دعا لله داع

أيها المبعوث فينا  ... جئت بالأمر المطاع

جئت شرفت المدينة  … مرحبًا يا خير داع