السنة الأولى رمضان 1442 هـ - إبريل 2021 م


مولانا الإمام أ.د. علي جمعة
افتتاحية العدد - 1
مولانا الإمام أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد، فاللهم اشرح صدورنا وأعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واجعل اللهم القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همومنا وأحزننا ونور أبصارنا وصدورنا، واجعله حجة لنا لا حجة علينا، يا ربِّ علِّمنا منه ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وانصرنا بالحق، وانصر الحق بنا.

اللهم أنزل علينا السكينة، اللهم افتح علينا فتوح العارفين بك، واسلك بنا الطريق إليك، سهل أمورنا ويسر غيوبنا واشرح صدورنا ونور قلوبنا، واحشرنا تحت لواء نبيك يوم القيامة، واسقنا من يده الشريفة شربةَ ماءً لا نظمأ بعدها أبدا.

اللهم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب، كن لنا ولا تكن علينا، وارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا واهدنا واهد بنا واجعلنا على سنة نبيك إلى أن نلقاك.

اللهم جاز عنا سيدنا النبي خير ما جازيت نبيا عن أمته ورسولا عن قومه، آمين آمين.

هذا أول عدد من أعداد المجلة الصديقية، وأردنا بهذه المجلة أن تكون شعاع ضوء للسالكين، تبين لهم ما يتعلق بالتصوف من مفاهيم وقضايا ولن تكون الكتابة فيها أكاديمية صرفة، بل سيكون الغرض الأساسي منها التقريب والتيسير، وأحبب أن أفتتح هذا العدد ببعض المعالم المهمة.

المعلم الأول:مفهوم السواد الأعظم، وفرقة الأشاعرة، وأهل السنة والجماعة، وطريق التصوف

مما من اللهُ به علينا أن جعلنا من أمة المصطفى، ومن الله به علينا أن فهمنا بعض مراده في تزكية النفس وفي عمارة الدنيا من خلال عبادة الله، ومن الله علينا بأن نتبع أهل السنة والجماعة، وهم ما عليهم السواد الأعظم من أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ اخْتِلَافًا فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ»1.

وفي رواية من حديث ابن عمر رضي الله عنهما:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي-أَوْ قَالَ:أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عَلَى ضَلَالَةٍ، وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ"2.

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم حددَ لنا الأمر، فقال في كلامٍ لسيدنا جابر رضي الله عنه في معرض الوصية:"الثلث والثلث كثير"3.

فلما كان الثلث كثير أصبح الثلثان الأكثر، والثلثان67%والثلث33%، وهذا الثلث ثلثه كثير؛ أي11%، فنصل إلى11+76 = 78%، وهذا هو السواد الأعظم، فإذا صار80%كان سوادا أعظم، ولو أصبح90%لصار أعظم، وإذا وصل إلى95%أعظم والحمد لله.

وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة حيث يمثلون أكثر من95%من أمة سيدنا محمد عبر القرون ، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

إذا ذكرت الإمام الغزالي(أو القشيري أو الشافعي أو مالك، وإذا ذكرت أمام الناس عبد القادر الجيلاني أو الإمام أحمد، والأوزاعي، والشاذِلي، الرفاعي، فجمهور الأمة على اتباع هؤلاء الأفاضل، ومن هؤلاء كان إمامنا الشافعي صاحب مصر، وقد منَّ الله على هذه البلاد أن أتى إلى هذه البلاد؛ لدراسة مذهب الإمام الليث بن سعد فقيه مصر، والذي كان الشافعي يقول فيه:الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به"4، أي:لم يخدموا مذهبه، لكنه كان يدك إدراك مالك ويزيد.

والإمام مالك هو: "مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر بن عمرو الأصبحى الحميرى ، أبو عبد الله المدنى الفقيه، المتوفى سنة179هـ"5، إمام أهل المدينة، وقال: "ما تصدرت حتى شهد لي سبعون من أهل المدينة، من علمائها"6.

المعلم الثاني:طريقنا مقيد بالكتاب والسنة، وأصله حديث جبريل:

فطريقنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، فطريقنا إلى الله يرجع إلى كتاب الله لا يعرف سواه، وإلى سنة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بفهم الأكابر عن الأكابر عن الأكابر إلى منتهاه، ومنتهاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولما أراد مسلم أن يجمع صحيحه صدره بحديث جبريل يرويه عمر بن الخطاب يقول فيه:بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا قَالَ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ.7.

وفي قول راوي الحديث:"لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ فتعجبوا، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ"هذه هيئة تسمى عند العلماء هيئة المتأدب المتعلم، فجلس بين يدي النبي يتلقى العلم.وفي بعض الروايات أنه كان أشبه ما يكون بدحية الكلبي، وكان دحية يعمل في دولة سيدنا رسول الله سفيرا، أي دبلوماسيا حيث أرسله إلى المقوقس في مصر، وكان دحية جميلا.

وكانت الصحابة تستحي وتهاب رسول الله أن تسأله، فلم يسألوه كفاحا(لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)، فكانوا ينتظرون الأعرابي العاقل يأتي من الخارج كي يسأل سيدنا وهم يستمعون فيتعلمون، فإنها فرصة لهم.

فلما وجدوا هذا الغريب يسأل جلسوا يستمعون لما يقوله، وبماذا سوف يرد عليه سيدنا رسول الله فسأله الأسئلة الموجودة في الحديث.

وقوله: "فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ"فكأنه يراقب أيضا، وكأن الصحابة يقولون أمر عجيب فهو ليس من هنا.

فأنشأ المسلون من هذا الحديث العلوم، وعرف العلماء أن هذا الحديث حديث جامع، وأنه يشتمل على تعليم الله لنا علوما، منها الإسلام، فقام طائفة من العلماء يحمون الإسلام، ويتكلمون في الأصول والفروع والفقه والأحكام حفظا للعبادات والمعاملات وسائر الأشياء.ومنهم من اختص بالدفاع عن العقيدة في الإلهيات والنبوات والسمعيات.

المعلم الثالث:توليد علم التصوف من حديث جبريل، ومنه خرج برنامج الصوفي اليومي

ومنهم من اختص في رسم طريق إلى الله سبحانه وتعالى على مقتضى الكتاب والسنة، فنظروا كيف المسير إلى الله، فوجدوا أن السير إلى الله إنما هوبالذكر والفكر، قال تعال: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)فاهتموا بالتخلية للقلب من كل قبيح وبالتحلية بكل صحيح واهتموا ببناء الإنسان واهتموا بما اهتم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول(إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وبدأوا يتدبرون القرآن من داخل هذه الأمر، فوجدوا أن الله تعالى يصفه بقوله تعالى(وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وبحثوا في السنة فوجدوا أن تراث النبي الذي تركه لنا في أغلبه يتكلم عن هذا، لأن هذا هو غرض الدين الأهم(أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)وقسَّمُوا الناس على هذا بعد ما أدركوا الواقع وأدركوا الكتاب والسنة إلى خواص وعوام، وخواص الخواص(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)، فما من همسة أو لمسة كتبها أهل هذا الفن الشريف المنيف إلا ولها دليل في الكتاب أو السنة أو فعل الصحابة أو الأئمة الأعلام، وساروا تحت مظلة الكتاب والسنة لا يحيدون عنها ويدركونها ويضعون البرامج لتنفيذها في حياة الناس.

كان في بادئ الأمر يعيش الإنسان في هذا الجانب حياة روحية عالية، وظل في القرون الثلاثة الأولى شائعا في الناس جميعا حيث قال فيهم رسول الله(خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)8ففي هذه الأجيال الثلاثة والقرون الثلاثة ظهر من ظهر من الأئمة الأعلام، وكانوا زاهدين في الدنيا، وكانوا يدعون ربهم(اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا)ووضعوا تلك العبارات وأشاروا إلى تلك الإشارات..

وضعوا تفسيرا للقرآن والسنة ولكيف يتحول البرنامج اليومي للإنسان إلى ذكر وفكر، فألفوا عمل اليوم والليلة، وألَّفُوا اذكار الصباح والمساء، وسُمي هذا الجانب في عهدهم بالزهد، ولم يكن الزهد هو الفقر بل كان أن الدنيا في يدك فلا تتركها، ولا تحزن على المفقود ولا تفرح بالموجود وربك رب قلوب علام الغيوب.

ساروا هكذا حتى نضجت العلوم ودُوِّنَت، فدون الفقه والتوحيد والأصول وعلوم للحفظ والنقل في التفسير والحديث دراية ورواية، فدونوا هذا العلم على يد أبي طالب المكي صاحب قوت القلوب، وأبي نعيم الأصبهاني صاحب حلية الأولياء، وعلى يد عبد الكريم القشيري صاحب الرسالة القشيرية، وعلى يد الإمام الغزالي حجة الإسلام صاحب إحياء علوم الدين، وأخذوا في التدوين فدخلوا فيما يسمى بالتصوف السني، فأصلوا الأصول، وقعدوا القواعد ووضعوا المصطلحات، وانتشر الإسلام من الأندلس إلى الصين، ودخل الناس في دين الله أفواجا، ومن ديانات سابقة لهم فيها تجربة روحية مع الإنسان ومع الأكوان ومع الرحمن، وأرادوا بعد ما دخلوا أن يكون ذلك منضبطا بمصدري الوجود: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2)اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3)الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4)عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)رأيناهم وهم يتكلمون عن كتاب الله الأكبر وكتاب الله الأصغر.. "كتاب الله المسطور وكتاب الله المنظور"، رأيناهم وهم يعرضون تجاربهم وعلومهم ومعارفهم على الكتاب والسنة، وقال شيخ الطريقة الجنيد: "علمنا مقيد بالكتاب والسنة".

وكل هذا حتى يكون هناك مرجعية، فيحدث الانضباط والاستقامة.

المعلم الرابع:انتشر الإسلام بأخلاق أهل الله ومعاملاتهم مع الناس

كان الإسلام ينتشر عندما كان فيه تطبيق عملي بعيدا عن ألاعيب السياسة، فانتشر في مصر عن طريق السيدة نفيسة العلم حيث كانت متوجهة إلى الله مخلصة لله، وجاءت جارتها اليهودية ولها ابن مصاب بشلل أطفال، فتركته عندها حتى تذهب إلى الأسواق تقضي حوائجها، فقامت السيدة نفيسة عليها السلام تتوضأ، فلما توضأت انثال الماء على الأرض حتى وصل إلى البنت، فداعبت الماء بقدميها، فحدث ما أراد الله به أن ينتشر الإسلام حيث قامت السيدة تصلي والبنت من فرحها جرت على بيت أمها، وعند عودة الأم، وجدت البنت تستقبلها فلم تعرفها، حيث كان تجري، فلما تأكدت من أنها ابنتها ذهبت إلى السيدة نفيسة فوجدتها قد انتهت من صلاتها، وهي فرحة ببنتها التي شفت على يد السيدة نفيسة، فدعت لها، ولم تقل لها شيء فيه إساءة أو اتهاما بالكفر وخلافه، بل قامت بالدعاء لها.وكانت هذه المرأة زوجة رأس الديانة اليهودية في مصر ، فلما جاء حكت له، فقال لها إن هذا هو ما ننتظره، فهناك علاقة مع الله، ومن ثم كان الله راضيا عن هذه السيدة أن جعل البركة في ماء وضوئها وأن جعل البركة تحل علينا، فهذه إشارة، فاسلم وأسلم معه يومئذ سبعون ألف من اليهود.

ولا غرابة في ذلك لأن الإسلام انتشر لما رأى الناس أهل الله وعاش أهل الله وسطهم، فهل رأى الناس اليوم هذا الصدق وهذا التأييد، وهذه المعونة الربانية الإلهية وتجليات الله لهم في عصور التقوى أو أن الناس منشغلة بالدنيا وما فيها وبحطامها، ولم يصلوا إلى حطامها، ولا إلى تركها فخسروا الدين والدنيا معا.

حدث مثل هذه المواقف مرارا وتكرارا، فكان هناك أحد العلماء الحافظين لكتاب الله تعالى إلا أن صوته لم يكن جميلا، وكان اسمه ابن خياط، وكان من إتقان التجويد إذا قرأ بالناس في الصلاة تسَمَّع عليه غير المسلمين بالرغم من عدم حلاوة صوته، لكن القرآن يخرج حلوا من الإتقان، فأسلم على قراءته سبعون ألفا.

كل هذه الأمور موجودة في الكتب، والناس لا تريد أن تصدق فهي بالطبع مبالغات، ولكنها حقائق، فتراهم يكذبون ويشككون، ويقول لك لم نحضر مثل هذه الأمور فكيف نصدقها، فيعيشون بالشك.

هذا هو الذي حدث بالفعل، أن الإسلام انتشر بالأخلاق والدعاء والمعاملة الطيبة والعلم، والحكم، والعائلة وبوسائل كثيرة حتى دخل الناس في دين الله أفواجا(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).

المعلم الخامس:التصوف مبني على الإسناد والتلقي

أول من بدأ هذا الطريق تلقينا من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيدنا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، ومنهم سيدنا جابر الأنصاري ومنهم سيدنا أبو بكر الصديق.

وسيدنا علي هو الذي قام بتربية الحسن البصري لأن الحسن البصري تربى في بيت السيدة أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، لأن أمه كانت تخدم السيدة أم المؤمنين.وتعلم الحسن عند سيدنا علي، وروى الحسن عن سيدنا علي، والبعض يظن أنه سيدنا الحسن الكبير أصل السادة(وأولاد سيدنا الحسين نقول عنهم الأشراف، وأولاد السيدة نقول عنهم الأسباط)وهذا خطأ لأن المقصود هنا في السند هو الحسن البصري(البَصْرِيّ، وكذلك البِصْرِيّ).

فالحسن البصري تعلم على سيدنا علي، وألبسه سيدنا علي الخرقة، وروى الحسن البصري عن سيدنا علي سند التصوف، وهذا هو الذي وصلنا كابرا عن كابر إلى عصرنا هذا.9

هذا بالنسبة لبعض المعالم التي أحببت أن أنبه عليها في هذه الافتتاحية.اللهم صل أفضل صلاة على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم عدد معلوماتك ومداد كلماتك كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون..اللهم آمين آمين رب العالمين.

  1. 1أخرجه ابن ماجه3950.
  2. 2أخرجه الترمذي2167.
  3. 3أخرجه البخاري1295، ومسلم1628.
  4. 4انظر:سير أعلام النبلاء8/156.
  5. 5انظر ترجمته في:ترتيب المدارك، وتقريب المسالك للقاضي عياض،1/104.
  6. 6المرجع السابق: 1/142.
  7. 7أخرجه مسلم1.
  8. 8أخرجه الترمذي 2303.
  9. 9للحافظ السيوطي بحثا جيدا حول الخرقة في كتابه:"تأييد الحقيقة العلية، في تشييد الطريقة الشاذلية.