
افتتاحية العدد - 6
مولانا الإمام أ.د. علي جمعةبسم الله الرحمن الرحيم
سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيَّن لنا فقال: «إن في أيام ربكم نفحات فتعرضوا لنفحات الله» وهذه الأيام التي نعيش فيها من نفحات ربنا سبحانه وتعالى، فهي أيام عبادة، وهي أيام ذكر، وهي أيام فرحة، وهي أيام وحدة، وهي أيامٌ يعتز بها المسلم فهي من أيام الله.
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصانا بوظائف عدة في تلك الأيام نتعرض لها، حتى نتعرض لنفحات الله سبحانه وتعالى منها ما يأتي في قابل الأيام: يوم عرفة، الحجيج يقفون في عرفة، و«الحج عرفة» فهو ركنٌ يفوت الحج على الحاج إذا تركه، ركنٌ من أركان الحج، يذهبون هناك فيصلون الظهر والعصر جمعًا وقصرًا تقديمًا في عرفة، والإمام يخطب بهم في مسجد نَمِرة في وادي عُرَنة، ووادي عُرَنة ليس من عرفات، فلا يجوز الوقوف فيه، وبعدما ينتهي المسلمون ممن صلوا مع الإمام ينتقلون خطوةً واحدة فيكونون في عرفة، فبين نمرة وعرفة خطٌ واحد، يقفون من أجل الذكر، وقراءة القرآن، والدعاء، والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى، وتنقية القلوب، يقفون فتتباهى بهم الملائكة، وقد تجرّدوا من ثيابهم، يقفون لتتعلق قلوبهم الضارعة برب العالمين {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} رب العالمين، وما أدراك ما رب العالمين، الذي أحياك وهو يُميتك، والذي يرزقك، وهو يشفيك.
تتعلق القلوب ابتداءً من صلاة الظهر تعلقًا خاصًّا، ولذلك ونحن هنا فإننا نصوم هذا اليوم، ولا يُستحب الصيام للحاج حتى يتقوى على أعمال الحج، وعلى الذكر، ولكن يُستحب الصيام لنا هنا نشارك إخواننا التضرع إلى الله، فيوم عرفة من وظائفه أن تصومه، وللصائم دعوةٌ مستجابة، وللصائم فرحتان، وبعد ظهر يوم عرفة إن شاء الله نبدأ تكبير العيد، ولما دخل الشافعي مصر وجدهم يُكبّرون الله سبحانه وتعالى هذا التكبير البديع الذي نُكبّره إلى يوم الناس هذا «الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون»، ثم زادوا عليها الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلوا عليه، وعلى أهله، وعلى أزواجه، وعلى أنصاره، وعلى أتباعه، وعلى ذريته إلى يوم الدين استحسن الشافعي ذلك، وقال: «فإن كبّروا بما يُكبّر الناس عليه اليوم فحسن» فسار المصريون على هذه السنة وشاعت عنهم، وهكذا نكبّر بعد كل صلاة، ابتداءً من ظهر يوم عرفة، حيث ينتهي المسلمون من صلاة الظهر والعصر مع الإمام، ثم يدخلون عرفة ابتداءً من الظهر، وانتهاءً بالمغرب يجمعون بين لحظةٍ من النهار ولحظةٍ من الليل، ثم يدفعون إلى المزدلفة.
وفي هذه المدة وتلك الساعات فالوظيفة لهم الدعاء والذكر، والوظيفة عندنا أيضًا الدعاء والذكر، فنصوم إن شاء الله، ونذكر ابتداءً مما بعد صلاة الظهر بعد كل صلاة إلى عصر آخر يومٍ من أيام التشريق الثلاثة، أي بعد عصر رابع يومٍ من أيام العيد، ومن وظائف هذه الأيام أن نُفطر فيها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «هذه أيام أكلٍ وشرب» وحرّم فيها الصيام فنهى عن صيام خمسة أيام: عن يوم عيد الفطر، وعن يوم عيد الأضحى، وعن ثلاثة أيام التشريق، ونهيه هنا حُمل عند العلماء على الوجوب، فهو -الصيام- حرام في تلك الأيام، فهي أيام أكلٍ وشرب، أيام عبادة، وفي نفس الوقت يفرح المسلم بالعبادة، ويفرح بشيءٍ من اللهو البريء، لأن هذا يوم عيد، وتلك أيام أكلٍ وشرب.