السنة الثانية ربيع الأنور 1444 هـ - أكتوبر 2022 م


محمد عوض المنقوش
خصائص الشاذلية - 1
محمد عوض المنقوش

الحمد لله الذي جعل الطريق إليه عليه نورٌ، والصلاة والسلام على أصلِ الطرقِ إلى الله؛ سيدنا محمد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ورضي الله عن صحابته الأكارم الذين حملوا لنا ما تعلَّموه من سيد الخلق صلوات الله عليه وعلى آله، وتناقل كل أهل جيلٍ ما ورثه الجيل الأول من النَّور، حتى وصل لنا نورٌ عظيمٌ على يد نور الدين والدنيا سيدي الإمام علي جمعة شيخ طريقتنا العليِّة الصِّدِّيقيِّة الشَّاذليَّة، فعرفنا به قدر الشَّاذليَّة، وعرفنا به عيانًا ما كنَّا نسمعه ونقرأه عن أكابرها من خصائص ميزهم مولاهم بها.

وهذه الخصائص التي أتلوها ليست منقولة من كتاب، وإن كان قد ألَّف فيها وتناولها علماء أكابر، بل أُدوِّنها مشاهدةً من واقع عايشته ورأيته من شيخ الشيوخ شيخ طريقتنا العليَّة، ومريديها المنسوبين إليها، وبقيَّة منسوبي الشَّاذليَّة رضي الله عن صاحبها سيدي الإمام أبي الحسن علي بن عبد الجبار، الذي جبر به الجبَّار قلوب عبادٍ تعثَّروا من صعوبة السير فى الطريق، فأخذ بأيديهم وأدخلهم حضرة القدس؛ فرأوا ما لا عين رأت، وسمعوا ما لا أذن سمعت، وتغيَّر حالهم بما لم يخطر ببالهم، مما يُنبِئ بخصوصيَّة طريقه وتميزه بما فتح الله عليه، فهذه الخصائص التي انفرد بها طريق إمامنا الشَّاذلي الفرد تجدها على صفحات أحوال مريديه، وتراها في نِتاج سيرهم في طريق الشَّاذليَّة التي رفع الله رايتها، وأدام مدَّتها، وكثَّر منسوبيها الرافلون في مباهج خصائصها، حتى أنَّك إذا رأيتهم تعرفهم بسيماهم: "لين في قوةٍ، وسهولة في حزمٍ وجِدٍ من غير كدٍ، وذكر بلا حد"، فالشَّاذليَّة دُرةٌ في تاج أهل الله، خصائصهم فى الكون منشورة، وليست سطورًا فى الكتب مهجورة، لذلك في هذه السلسلة (خَصَائصُ الشَّاذُليَّة) سنرى ما أباحه واقعهم ورآه النَّاظر لهم في ساحتهم البهيَّة وحضرتهم غير المحظورة، وهذه سِمَةُ خصائصهم كلها، فهي واقعيَّة ملحوظة، يجدها السالك في طريقهم موجودة، وهذه صفة أقوى أدلة الإثبات؛ وهو "الواقع" -الذي يعجز المُنكِر عن إنكاره-، فإنَّ الأدلة عقليَّة، ونقليَّة، وإلهاميَّة، وواقعيَّة، فأقدسها النَّقليَّة والإلهاميَّة؛ لتعلُّقها بالوحي الشريف عن الربِّ المجيد، لكن ينازع في إثبات ما جاء عن طريقه من لم يُسلِّم للوحي، والعقل أضعف الأدلة لأنَّ أوجهه ستٌّ فما أدركتَ منه نقضه غيرك بوجهٍ لم تَرَهُ، فلم يبقَ إلَّا الحُجَّة الدامغة؛ وهي الواقع الذي لا ينكره إلّا مكابرٌ جاحدٌ أو فاقدٌ عقله مجنون، ومن جنس أدلة الواقع (معجزات الأنبياء) عليهم السلام؛ فهي واقعٌ يشاهده النَّاس فينقاد له المؤمن وينكره الجاحد المكابر بعد أن رآه ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل:14]، ولأنَّ الواقع المشاهد الملموس المحسوس المعيش دليل لا يرده أحدٌ جعل الله معجزات أنبيائه من جنسه، وهنا بيت القصيد؛ فخَصَائصُ الشَّاذُليَّة ليست كلمات نمدحهم بها بل واقع مشاهد محسوس ملموس لكل ذي عينٍ وعقلٍ ولبٍّ وتجربة. ونبدأ المسيرة مع (خَصَائصُ الشَّاذُليَّة)  فى مقالة العدد القادم بما شاهدنا وجربنا لا بما سمعنا وقرأنا.