خصائص الشاذلية - 3
محمد عوض المنقوشومما خصهم الله به: كثرة أَتْبَاعهم
وهذا ميراث كبير وَرِثَه قُطب الأقطاب رضي الله عنه من سيد السادات صلى الله عليه وآله وسلم.
فقد جاء في صحيح مسلم : (أنا أكثرُ الأنبياءِ تبعًا يومَ القيامةِ)
وفى الصحيحين: (فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القِيَامَةِ)
وفي مسلم (لَمْ يُصَدَّقْ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَا صُدِّقْتُ)
وأخرج البخاري عن (ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ العَشَرَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الخَمْسَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، هَؤُلاَءِ أُمَّتِي؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قَالَ: هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ، وَهَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ، لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلاَ عَذَابَ)
وليست هذه هي الكثرة المذمومة في قوله تعالى ذكره: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}، و{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّه} لأن هذه كثرة غير المؤمنين برب العالمين المطلقة التي أشار اليها الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيحين (مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ)، فالكثرة المذمومة في القرآن هي كثرة غير المؤمنين بالنسبة لمن آمنوا.
أما الكثرةُ التي أشار اليها المعصومُ صلى الله عليه وآله وسلم بأنه أكثر الناس تبعًا وأن أمته أكثر أهل الجنة فيقصد بها بالنسبة لبقية المؤمنين من الأمم السابقة، وهذا هو معنى قول الصادق المصدوق صلوات الله عليه وعلى آله وسلم عند الترمذي من حديث ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَهْلُ الجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ)
وهذا يمثل ثلثي سكان الجنة والثلث الباقي من أتباع بقية الأنبياء البالغ عددهم 124000 نبي، وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لسيدنا سعد كما في الصحيحين، عندما أراد أن يتصدق بثلث ثروته: (وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ)، فكيف بالثلثين، فنحن ثلثا أهل الجنة، فنحن كثير.
وإذا نظرنا اليوم إلى عدد السالكين طريق أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه لوجدت عددهم كثيرًا جدًّا، حتى إن بعض المهتمين منذ أكثر من عشر سنين يحكي أن عدد أتباع الطرق الصوفية يتجاوز نصف مليار وأن عدد الشاذلية أكثر من النصف، وهذا ليس بغريب على طريق أصله اليسر، كما أن فروع الشاذلية كثيرة جدًّا وتسمى بأسماء لا يكون منها لفظ الشاذلية، ومع ذلك فإن من يبحث في أصول كثير من الطرق سيجدها تنتمي إلى الشاذلية وقد سمعت في احتفال الطريقة الدسوقية بدسوق عند مقام سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه أهل المسيرة يهتفون ويقولون: (يا أصل الأصول يا أبا الحسن) يقصدون بذلك الشاذلي؛ لأن سيدي الإمام ابراهيم الدسوقي أخذ الطريق من قطب الاقطاب أبي الحسن الشاذلي ونص على ذلك الإمام الزبيدي –رضي الله عنه- في كتابه عقد الجوهر الثمين، وهو مخطوط سيخرج للنور قريبا تحت إشراف سيدي نور الدين علي جمعة -رضي الله عنه-، وكذلك نص على أن الطريقة الأحمدية البدوية لسيدي الإمام أحمد البدوي هي شعبة من الشاذلية، مع أنك إذا ذكرت الأحمدية لا تجد اسم الشاذلية فيها، فكم وكم من طريق هو فرع للشاذلية وأصله شاذلي، وفي هذا إشارة إلى أن الكثير من الطرق الأخرى عند التحقيق في أسانيدها تجدها شاذلية، فصدق قول من قال (يا أصل الأصول يا أبا الحسن)، وهذه الكثرة تعود لسبب آخر وهي خاصية أُعطيها شيخ الشاذلية (أبو الحسن الشاذلي) من مولاه الوهاب سبحانه وتعالى فيما حكاه عن نفسه، وفيما شاهده الناس من حوله، حتى وصفوه بـ (قطب الأقطاب)، وفى المقالة القادمة بيان لهذا السبب العظيم والذي يعد خاصية من خصائص الشاذلية.
وأختم بقول السادة الدسوقية البرهانية: "يا أصل الأصول يا أبا الحسن"، فاللهم أمدنا بمدده، ومدد سيدي نور الدين.