السنة الثالثة جمادى الآخرة 1445 هـ - يناير 2024 م


د. مجدي عاشور
خواطر حول أسماء الله الحسنى (4)
د. مجدي عاشور

لفظ الجلالة الله

إن لهذا اللفظ المبارك خصائصَ عجيبةً وعديدةً نذكر منها في هذا المقال أمورًا:

- فمن خصائص هذا اللفظ أن كلَّ أسماءِ الله الحسنى تستطيع أن تضع (يا) فى أولها للنداء، تقول: (يا مالك الملك)، (يا ذا الجلال والإكرام)، هذا إن كان الاسم غير مقترن بـ(ال)، أما إذا كان اسم الله مقترناً ب (ال) فيجب أولاً حذف (ال) قبل وضع (يا) النداء فتقول: (يا رحمن) فى اسم الله (الرحمن)، (يارحيم) فى اسم الله (الرحيم ).

أما فى لفظ الجلالة الله فتدخل (يا) للنداء دون حذف (ال)، تقول: (يا الله).

ولذا اختلف العلماء حول (ال) في لفظ الجلالة هل هى تعريفية أم زائدة؟

فعند كثير من العلماء – كالإمام الشافعي وغيره -: هى لازمة لا يمكن حذفها ولذا عند إضافة يا للنداء تقول: يا الله دون حذف (ال) بخلاف أسماء الله الحسنى كلها.

- ومن خصائص هذا اللفظ أننا لو تساءلنا: هل يجوز نداء أى اسم من أسماء الله الحسنى بغير أداة النداء (يا) ؟

نجد أنه لا يجوز ذلك إلا في لفظ الجلالة (الله) فقط؛ حيث يجوز حذف أداة النداء (يا) والتعويض عنها بـ(ميم) مشددة فى الآخر فتقول: (اللهمّ)، فالميم عِوضٌ عن أداة النداء (يا)، كما في قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَـٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الزمر ٤٦]

ولكن لماذا يُعوضُ بالميم تحديدا عند حذف (يا)؟

قال أهل الله: للمعية والجمعية والضم؛ أي كأنك بالنداء بها تدخل تحت مظلة الرحمن، أي تُضَمُّ وتُجْمَعُ بعد النطق بلفظ الله، فيستجيب دعاءك بعد ضمك وشمولك بالرحمة؛ إذ الميم تُضَمُ الشفتان عند النطق.

وقد حصر العلماء عدد مرات ورود (اللهم) فى القرآن الكريم فبلغت خمس مرات وهنّ قوله تعالى:

1 - ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَـٰلِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ﴾[سُورَةُ آلِ عِمران: ٢٦]

2 - ﴿ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّٰزِقِينَ﴾ [سُورَةُ المَائـِدَةِ: ١١٤]

3 - ﴿ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [سُورَةُ الأَنفَالِ: ٣٢]

4 - ﴿ دَعْوَىٰهُمْ فِيهَا سُبْحَـٰنَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَـٰمٌ وَءَاخِرُ دَعْوَىٰهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـٰلَمِينَ ﴾ [سُورَةُ يُونُسَ: ١٠]

5 - ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَـٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ عَـٰلِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَـٰدَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِى مَا كَانُوا۟ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [سُورَةُ الزُّمَرِ: ٤٦]

ومن الخصائص العجيبة لهذا اللفظ أيضًا: أنك إذا تتبَّعت ورود حروف اللفظ – اللام واللام والهاء - سواء أكانت بلفظ (الله) أو (بالله) أو (تالله) أو غير ذلك فى كتاب الله الكريم تجدها وردت بعدد 2699 مرة، ومن العجيب أن هذا الرقم لا يقبل القسمة إلا على نفسه أو على الواحد فقط.

وقد ذُكر لفظ الجلالة في (85) سورة من سور القرآن الكريم، والـ(29) سورة المتبقية لم يذكر فيها لفظ الجلالة، ومن العجيب أن سورة سيدنا (محمد) صلى الله عليه وآله وسلم لم يُذكَر فيها لفظ الجلالة سوى مرةٍ واحدةٍ فقط، وهذا لأن اسم (محمد) نفسَه دالٌّ على الله بكل أنواره وحروفه فلا داعٍ لتَكرار لفظ الجلالة الله.

قال صلى الله عليه وآله وسلم: "كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَقْطَعُ". [أورده السيوطي في الجامع الصغير]؛ لذا من خصائص لفظ الجلالة (الله) : أنه يُبدَأ به في كل شيء حتى في الاستئذان للدخول، فإننى أعرف أناسًا لا يدخلون على شيخهم إلا إذا استأذنوا أولًا بقولهم (الله) – بمد الصوت بها قليلًا - حتى ولو كان فى التليفون فقبل إلقاء السلام يقولون (الله)، وهذا لما فى لفظ الجلالة من خصوصية وكأن البسملة مجملةٌ فى لفظ الجلالة (الله) فكأنه يقول أبتدي باسم الله ولكنه أَجْمَلَ البسملةَ فى قوله (الله).

بسبب كل تلك الخصائص التى ذكرنا بعضًا منها صار لفظ الجلالة الله أعظم أسمائه سبحانه وتعالى، ولهذا يقول كثير من العارفين إنه اسم الله الأعظم، ولا يُعرَف قدرُه إلا بعد الموت، أمَّا هم فقد عرفوا ذلك لأنهم أماتوا أنفسهم حقيقة فيعرفون ذلك جيدًا.

- ويقول العلماء من أهل اللغة إن أعرف المعارف (الله)، وهذا يعنى أنه لا ينبغى لأحد أن يعرف شيئًا أَكثر من معرفته بالله فلا يعرف عمله أو حسابه فى البنك أكثر من الله، ومن لا يعرف ربه يدعوه فيقول: (اللهم عرِّفْنى بك عنك يا الله)

- ورشة العمل:

نريد حينما نذكر لفظ الجلالة (الله) في أي شيء أن نفتح قلوبنا حتى نستطيع أن نتلقى شيئاً من أنوار تجليات اسم الله عز وجل، وبهذا يكون فينا شيء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. آمين.