
خواطر حول أسماء الله الحسنى (5)
د. مجدي عاشورلفظ الجلالة الله
ذكرنا في المقال السابق شيئًا من خصائص لفظ الجلالة (الله)، ونكمل في هذا المقال بعضًا من هذه الخصائص أيضًا:
• فمن خصائص لفظ الجلالة (الله):
أنه هو الاسم المتفرد الذى لا يُطلق إلا عليه سبحانه، فكل الصفات التي تُطلَق على الحق سبحانه من الممكن أن تُطلق على بعض الناس بدون (ال)، و(ال) هذه هي التى للاستغراق؛ أي حينما نقول: (النور) يعني كل النور الذي تعرفه والذي لا تعرفه، فاستغرقت كل أنواع النور، وحينما نقول: (البديع)؛ أي كل الإبداع الذى تعرفه والذى لا تعرفه وهكذا.
أمَّا لفظ الجلالة (الله) فهو الدال على العَلم الواجب الوجود لذاته سبحانه وتعالى، ولا يطلق هذا العلم على أحدٍ سواه، وستظل العقول والقلوب والأرواح تحوم حول الأنوار التي تغشى هذا الاسم المبارك والتي تنبثق من هذا الاسم.
• ومن خصائص هذا اللفظ العجيب أيضًا:
أنه بعد حذف الأحرف المكررة تجده مكوّنًا من ثلاثة أحرف؛ الألف واللام والهاء، وهكذا ستجد كلَّ ما هو متعلقٌ بالله عز وجل وترًا.
ومن خصائص هذه الأحرف أن ألفَ الوصل حرفُ حلق، واللام حرفٌ يخرج عن طريق تعليق طرف اللسان فى أعلى الفم – الحنك الأعلى-، إذن طرف اللسان يُحكِمُ غلق سقف الحلق بحيث لا يدخل ولا يخرج شيء؛ وكأن المعنى أن الأمرَ كلَّه محبوس لله وموقوف لله، حتى النفَس لا يدخل ولا يخرج؛ أي: أنا وأنفاسى لك وحدك سبحانك . أمّا حرف الهاء فهو حرف حلق أيضًا، كما قال صاحب تحفة الأطفال:
همزٌ فهاءٌ ثم عينٌ حاءٌ ... مهملتان ثم غينٌ خاء
إذن فالهاء والهمزة يخرجان من تحت، ثم اللام عن طريق رفع اللسان لأعلى الحنك، إذن فأنت تبدأ بالهمزة لتبدأ منه سبحانه وتعالى ثم ترفع لسانك فى سقف الحلق حتى تنتهى الى آخر النطق وتحبس كل شيء ثم تعود للهاء مرة أخرى وكأن المعنى المفهوم من نطق لفظ الجلالة هو: (( إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰٓ )) [العلق: 8]، وهو: (( وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ )) [النجم: 42]، حتى تظل ذاهبًا آيبًا على الله عز وجل.
• ومن خصائص هذا اللفظ أيضًا:
أن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) عدد حروفها اثنا عشر حرفًا (12 حرفًا)، وهذه الحروف كلها من جنس الأحرف الثلاثة المكونة للفظ الجلالة (الله) الألف واللام والهاء، لذا من لم يقل (لا إله إلا الله) فليقل: (الله) فكلاهما واحد، لأن الحروف الاثني عشر تجمعها الأحرف الثلاثة، هذا من حيث الدلالة بغض النظر عن أن (لا إله إلا الله) إثباتٌ بعد نفي، وأن الإنسان يدخل الإسلام بــ(لا إله إلا الله) ويخرج من الدنيا بها، لأن سيدنا النبي ﷺ قال:
"من كان آخرُ كلامهِ لا إلهَ إلَّا اللهُ دخل الجنَّةَ." رواه أبو داود والحاكم، فمن حَسُنَت بدايته حَسُنَت نهايته، أي من نشأ واستمر على قول (لا إله إلا الله) فإن الله عز وجل يمُن عليه بأن يكون آخر كلامه (لا إله إلا الله) فيدخل الجنة.
ولكن هبْ أن إنسانًا فى حال مرض الموت وهو يقول: (لا إله إلا الله) وقف عند (لا إله) بالنفي هكذا ولم يكمل، أو (لا إله إلا) ولم يكمل ومات فالناس لها الظاهر، لذا من الممكن أن نختصر ونقول: (الله)، فياخذ الله روح العبد وهو يقول (الله)، ولو أخذ الله روح العبد وهو يقول (الله)، فأول ما يُوضع فى قبره ويُسأَل: (من ربك)؟ فسيقول: (الله)، فآخر ما ذكره فى الدنيا سيذكره فى عالم البرزخ فما بالك لو كان آخرُك كأولك، وأولُك كآخرك؟! ففى القبر ستقول (الله)، ويوم القيامة ستقول (الله) أول ما تحيا إن شاء الله.
• ومن خصائص هذا اللفظ :
أنه ذِكرٌ في ذاته وأيُّ ذكر! ، ويأتى أحد أصحاب الفكر المتشدد فيقول معترضًا: كيف نقول (الله) اسم مطلق هكذا، أين الجملة الخبرية؟
أي: هو يريد أن نقول: ( الله الرحيم )، أو: (الله التواب) وهكذا.
فنقول له: الجملة الخبرية هذه عندك أنت، أما عندنا نحن لفظ الجلالة (الله) وحده يحمل كلَّ الأخبار الطيبة الحسنة، فأنت تقول (الله) مرة وفى عقلك وقلبك (الرحمن) أو (الرحيم)، وتفسر لفظ الجلالة (الله) بأسماء الله الحسنى جميعها.
ويقول سيدنا محمد ﷺ: "لا تُقام الساعة حتى لا يقال فى الأرض الله الله" (رواه الإمام أحمد والترمذي وأبو يعلى والحاكم وابن حبان عن أنس رضي الله عنه).
بمعنى أنها سوف تقوم على شرار القوم، وشر القوم أُناس لا يذكرون الله، ونلاحظ أن سيدنا محمدًا ﷺ قالها فى كلمة واحدة وهي (الله) إذن فهي ذكرٌ وحدها.
واعلم أن من خصائص ذاك اللفظ المبارك علوَّ أنواره بشدة، لذا من وظيفة الشيخ ترشيد وإرشاد المريد في الذكر خاصة بلفظ الجلالة (الله) لحمايته من شدة الأنوار التي قد لا يتحملها، نسأل الله عز وجل ألا يحرمنا أنوار وبركات هذا الاسم المبارك .. آمين .