
العهد عند السادة الصوفية
الشيخ. أشرف سعد الأزهريالعهد في اللغة
يرجع العهدُ في اللُّغة إلى عدةِ معانٍ منها: الوصيَّة، والضَّمان، والأمر، والوفاء، والأمانُ.
والعهد: كلُّ ما عُوهِدَ عليه الله، وكلُّ ما أَمر به ونهى عنه، وكلُّ ما بين العباد من المواثيقِ والارتباطات فهي عهودٌ، وفي الحديث: «وأنا على عَهدِكَ ووَعدِكَ ما استَطَعتُ»([1]). أي: مقيمٌ وباقٍ على العهد الذي عاهدتُ عليه الله من الإيمانِ والتَّوحيد والتَّسليم([2]).
قال ابنُ فارسٍ: «أصلُ هذا الباب عندَنا دالٌّ على معنًى واحدٍ، وقد أومأ إليه الخليلُ قال: أصلُه الاحتفاظُ بالشَّيء وإحداثُ العَهدِ به، والذي ذكرَه من الاحتفاظِ هو المعنى الَّذي يرجعُ إليه فُروعُ البابِ»([3]).
العهد في الاصطلاحِ الصوفي بشكلٍ عامٍّ: هو صورةٌ من صُور الالتزامِ بين المريدِ والشيخِ على التَّوبة والاستقامة والإنابةِ والتَّوجُّه إلى الله تعالى، وما يتبعُ ذلك من الالتزامِ بالعباداتِ والفُروضِ والنَّوافل والمُجاهداتِ والذِّكرِ وعدمِ الغفلةِ عن ذلك، والبُعدِ عن الشَّهوات ومُحاسبةِ النَّفْس والإقبالِ على الله، فيتحقَّقُ بهذا الالتزامِ التأكيدُ على الانتقالِ من حالٍ إلى أخرَى، ومن مرحلةٍ إلى مرحلةٍ جَديدةٍ في حياةِ المريد السَّالك.
والعهدُ الصوفيُّ له صورتان؛ صورةٌ ظاهريَّةٌ وهي التي بين المريد والشَّيخ، وصورة باطنيَّة وهي بين العبدِ وربِّه سبحانه جرتْ ظاهريًّا على يدِ الشَّيخ، محاوِلًا المريدُ بذلك صحبةَ ومباركةَ أهل الخيرِ والصَّلاح والعبادة ومفارقةَ أهل السُّوء، فالعهد الحقيقي هو عهد الله سبحانه وتعالى، وأما العهد الظاهر بين الشيخ والمريد فما هو إلا صورة وتوثيق ورمز للعهد مع الله تبارك وتعالى، ولذلك جرت على ألسنة القوم عبارة العهد عهد الله، واليد يد الله: «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا» [الفتح: 10].
والعهدُ أو البيعةُ قد تتنوَّع فيها الكلماتُ والجملُ المستخدمة في صورتِها وهيئتها، ولكنَّها تتَّفق جميعًا في المضمون والحقيقة، والذي هو الاستقامة على طريق الله والتوجُّه إليه سبحانه، والتوبةُ والمداومةُ على التعاون على البِرِّ والتقوى، والتَّأكيدُ على رباط الأخوَّة في الله وفي الطَّريقِ وفي طاعة الشيخ المربِّي فيما يأمر به من مراتبِ السَّير والسلوكِ.
أدلَّةُ مشروعيَّة العهد من كتاب الله وسنَّة رسول الله ﷺ وعَمَلِ الأمَّة
يوجدُ كثير من الأدلَّة على مشروعيَّة العهدِ والبيعةِ والالتزام بالسَّيْر في طريقِ الله وتلقينِ الذِّكر والحثِّ على المُداومةِ عليه.
فمِن كتابِ الله قولُه تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا» [الفتح: 10]. وشيوخُ أهل التصوف هم ورثةُ المنهج المُحمَّدي في التَّزكية والإرشادِ والتَّربيةِ، فصورةُ العهد والبيعة ما هي إلَّا نوعُ تأسٍّ بالصُّورةِ المباركةِ التي كان رسولُ الله يفعلُها مع صحابتِه رضوانُ الله عليهِم.
قال صاحبُ تفسير روح البيان: «المبايَعون ثلاثةٌ: الرُّسل، والشُّيوخ الورثة، والسَّلاطينُ، والمُبايَعُ في هؤلاء الثَّلاثة على الحقيقة واحدٌ وهو الله تعالى، وهؤلاءِ الثَّلاثة شُهودُ الله تعالى على بَيعةِ هؤلاء الأتْباعِ، وعلى هؤلاء الثَّلاثةِ الذين بايعُوهم شروطٌ يَجمعُها المُتابعةُ فيما أُمرُوا به، فأمَّا الرُّسل والشُّيوخُ فلا يأمرُونَ بمعصيةٍ أصلًا، فإنَّ الرسل معصُومونَ من هذا، والشيوخَ محفوظونَ، وأمَّا السَّلاطينُ فمَنْ لَحِقَ منهم بالشيوخِ كان محفوظًا وإلَّا كان مخذولًا، ومع هذا فلا يُطاع في معصيةٍ، والبَيعةُ لازمةٌ حتَّى يلقوا الله تعالى»([4]).
وأدِلَّةُ مشرُوعيَّةِ العهدِ والبيعةِ من السُّنَّةِ العديدُ من المواقِفِ التي حدثَتْ للصَّحابةِ رِضوانُ الله عليْهم مع رسولِ الله ﷺ من التَّوبةِ وطلبِ النُّصح والذِّكرِ والأعمالِ الصَّالحةِ، وهذا هو جوهرُ وحقيقةُ العهد الصُّوفيِّ في الدلالةِ على طرق الخير والقربِ من الله والتَّحذيرِ من طرق الشَّر وما يبغضُه الله.
رَوى البُخاريُّ في صحيحِه عن عبادة بن الصَّامتِ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: «بَايعُونِي على أنْ لا تُشرِكُوا بالله شَيئًا، ولَا تَسرِقُوا، ولا تَزنُوا، ولا تَقتُلُوا أَولادَكُم، ولَا تَأتُوا ببُهتَانٍ تَفتَرُونَهُ بَينَ أَيدِيكُم وأَرجُلِكُم، ولَا تَعصُوا في مَعروفٍ، فمَن وفَّى مِنكُم فأَجرُهُ على الله، ومَن أَصَابَ مِن ذلكَ شَيئًا فعُوقِبَ في الدُّنيا فهو كفارةٌ له، ومَن أَصَابَ مِنْ ذلكَ شَيئًا ثُمَّ سَتَرَه الله فهُو إلى الله؛ إنْ شَاءَ عفَا عنه، وإنْ شاءَ عاقَبَه». فبايعناهُ على ذلكَ([5]).
وعن بشر بن الخصاصيَّة رضي الله عنه قال: أتيتُ النَّبيَّ ﷺ لأُبايعَه قال: فاشترط عليَّ: «تَشهدُ أنْ لا إلَه إلَّا الله وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، وتصلِّي الخَمْسَ، وتصومُ رمضانَ، وتؤدِّي الزكاةَ، وتحجُّ البيتَ، وتُجاهِدُ في سبيلِ الله»([6]).
هذا، وقد تعارَفَ المشايخُ أهلُ التَّصوفِ عند أخذِ العهدِ والبيعةِ من المريدِ أن يلقِّنه الذِّكر، ويلتزم المريدُ بالمُواظبةِ على هذه الأورادِ والأذكارِ؛ اقْتداءً بالنَّبيِّ ﷺ في بيعتِه وتَلقِينِه الصَّحابة رضوانُ الله عليهم أجمعينَ، ولهذا صورٌ كثيرةٌ في السنةِ النبويَّة المطهَّرة منها:
عن يعلى بن شدَّادٍ قال: حدثني أبي شدَّادُ بن أوسٍ رضي الله عنه وعبادةُ بن الصَّامت حاضرٌ يُصدِّقه قال: «كنَّا عندَ رسولِ الله ﷺ فقال: «ارفَعُوا أَيدِيَكُم وقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا الله». فرفعنا أيدينا ساعةً، ثُمَّ وضَعَ رسولُ الله ﷺ يدَه، ثُمَّ قال ﷺ: «الحمدُ لله، اللَّهمَّ إِنَّكَ بَعثتَنِي بهذِهِ الكَلِمَةِ وَأَمَرْتَنِي بِهَا، ووَعَدْتَنِي علَيْهَا الجنَّة وإِنَّكَ لَا تُخلِفُ المِيعَادَ». ثمَّ قال ﷺ: «ألَا أَبشِرُوا فإنَّ الله قَد غَفَرَ لَكُم»([7]).
ومن صور البيعة الفردية: رُوِيَ عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسولَ الله اشتَرِط عليَّ فأنتَ أعلم بالشَّرط قال: «أُبَايعكَ علَى أنْ تعبُدَ الله وحدَهُ ولا تُشرِكَ بِهِ شَيئًا، وتُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤتيَ الزكاةَ، وتَنصَحَ المُسلِمَ، وتَبرَأَ مِنَ الشِّرْكِ»([8]).
صُور البيعة والعهدِ في سلفِ الأمَّة وشيوخها الصَّالحينَ
وَرَدَ في كثيرٍ من تراجمِ الأئمَّة وشُيوخِ أهل الطَّريقِ من تلقِينهم الذِّكرَ للمريدينَ، وأخذِ العهودِ عليهم، وإقامةِ الأربطَة وأماكنِ الخلواتِ، والدَّعوة والإرشاد والدِّلالة على الخيرِ.
يقول الإمام الشيخ: أبو عبدالله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي الشهير بابن الحاج في كتابه: المدخل: «وكان سيدي أبو محمد بن أبي جمرة- رحمه الله- يقول: سنة الأحباب واحدة يعني أن مشربهم واحد، وهو الاتباع وترك الابتداع ولا يظن ظانٌّ أن ما تقدم ذكره فيه إنكار لأخذ العهد من أهله لأهله بشرطه المعتبر عندهم؛ إذْ إنه عليه درج السلف الصالح نفعنا الله بهم ولا ننكر أيضًا الانتماءَ إلى المشايخ بشرطه، وهو أن يكون عند المريد شيخه، وغير شيخه بالسواء بالنِّسبةِ إلى الاتباع وترك الابتداع ويكون إيثاره لشيخه بسبب أنه كان وصوله إلى الله تعالى على يديه فيرى له ذلك فبهذا الاعتبار يقع التفضل لشيخه والاختصاص به دون غيره.
والحاصل من أخذ العهد هو أن يأخذ الشيخ العهد على المريد بأنَّه لا يراه الله حيث نهاه، ولا يفقده حيث أمرَه، وهذا هو زبدته وأصله وبقيت تفاريعُه على هذا الأصل قل أن تتناهى، وهي الأمانة التي عرضها الله تعالى على السَّموات والأرض والجبال فأبينَ أن يحملنها وأشفقنَ منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا»([9]).
أهميَّة وفوائدُ العهد في السلوك الصوفيِّ
قد يتساءلُ بعضُ الناس: ما الهدف من العهد؟ ألَّا يكفي النُّصحُ والإرشادُ وقبولُ ذلك وانشراحُ الصَّدرِ له والسَّمعُ والطَّاعةُ والتَّوبة من المعاصِي والتزامُ الطَّاعاتِ؟
فنقولُ: إنَّ ذلك كلَّه مطلوبٌ وواجبٌ، ولكن وجود العهد مع الشيخ المربِّي يكونُ بمثابةِ الإلزامِ على ذلك المنهجِ، وهو عبارةٌ عن رابطةٍ قلبيَّةٍ وروحيَّةٍ بين المُريدِ والشَّيخِ، يقتبسُ منها المُريدُ الصُّوفيُّ النُّورَ الَّذي يُضيءُ له الطَّريقَ في السَّيرِ والسُّلوك إلى الله، فمع وُجودِ العهدِ يشعرُ الإنسانُ بضرورةِ الالتزام بالمنهجِ والطَّريق وأهميَّة المحافظة على التوبة والطاعة والقُربات، وإلَّا فسوف يتحوَّلُ الأمرُ في كثيرٍ من الأحيانِ إلى جلساتٍ أسبوعيَّةٍ من الوعظ والذِّكر قد يلتزمُ بها الشَّخص وقد لا يلتزمُ، وربما ألحَق ذلك غفلةً وانقطاعًا وتقصيرًا وإهمالًا. أمَّا مع وُجود العهدِ والبيعةِ مع الشَّيخ العارفِ المربِّي على الطَّاعة لله ورسولِه والالتزامِ بآدابِ الطَّريقِ من التَّحلِّي بالأخلاقِ والآدابِ والتخلِّي عن الرَّذائلِ والمحافظةِ على حُدودِ الشَّريعةِ ظاهرًا وباطنًا، والمداومةِ على الذِّكر تجعل كلَّ ذلك أمرًا واجبًا، وتصيرُ الأذكارُ والأورادُ من ذكر الله والصَّلاة على رسول الله ﷺ من الواجباتِ الَّتي يجب أن يلتزمَ بها كلُّ مَن سلَك طريقَ التَّصوفِ. وهناك أسرارٌ روحانيَّةٌ في العَهدِ والبَيعةِ في المنهج الصُّوفيِّ؛ منها: أن رُوحَ الشَّيخِ العارفِ تكونُ ممدة لروح المريدِ بفُيُوضاتٍ وأنوارٍ وأمدادٍ متَّصلةٍ روحانيًّا بسلسلةٍ مرتَّبة وسندٍ متينٍ شيخًا عن شيخٍ إلى رسولِ الله ﷺ.
أهميَّة الشَّيخ في سلوك طريق التصوُّف
لو نظرَ الإنسانُ إلى عُلومِه ومعارفِه وثقافتِه التي يمتلكُها لوجدَ أنَّ الغالبَ منها يأتي بطريقِ التعلُّمِ والاستفادةِ من علوم الآخرينَ بجانبِ ما يفتحُه الله عليه، وقد تأكَّد بالمشاهدة المحسوسة في الحياةِ أنَّ كلَّ علمٍ وسلوكٍ لابدَّ له من وُجود ملقِّنٍ ودليلٍ لهذا العِلم وهذا السُّلوك، وبدونه لا يحصُلُ النَّفع المرجو، وقد يحدثُ خللٌ في أصل العِلمِ ومعلوماتِه وعدمُ انضباطٍ في السُّلوك العمليِّ. ونضربُ لذلك مثالا:
الجنديُّ المقاتل باتِّصاله الدَّائم بقائده وتنفيذِ أوامرِه بحذافيرِها يحقِّق المطلوب منه، وبانفصالِه عنه لا يحقِّق الشَّيءَ المطلوبَ منه بالدِّقةِ المرجوَّة، بل ربَّما يكون الضَّررُ منه أكثرَ من نفعِه. فهذه فكرةٌ عامَّةٌ عن منزلةِ الشيخ ودَوْرِه في طريقِ أهل التصوفِ والسُّلوك، يحدِّدُ الطَّريق ويوضِّحُ معالمَه ويحذِّر من زلَّاته وحفرِه ومصاعبِه، فالشَّيخُ للمريدِ بمثابة الأستاذ للطَّالبِ والقائدِ للجنديِّ، فلا يستطيعُ الفردُ أن يسلكَ طريقَ التصوُّف بمفردِه؛ لأنَّه طريقٌ صعبٌ مُتشعِّب المسالك، يتربَّص بسالكه أعداءٌ كُثر، ومِن هؤلاءِ الأعداء الشَّيطانُ والنَّفسُ والهوى وأهلُ السُّوء؛ لذلك لابدَّ لمن يسلك هذا الطريق الصَّعب مِنْ مرشدٍ أو هادٍ يأخذُ بيدِه وهو الشَّيخ. ولابدَّ للمريدِ من شيخٍ مُرشدٍ إلى الحقِّ يرشُده ويلقِّنه الذِّكرَ ويُلقِي في رُوعِه النُّور، فإنَّ تلقينَ الشيخِ يلقِّح باطن المريدِ ويُسرِي فيه النُّور، كأنَّما يُلقَّح من سراجٍ، وعلى المريد اختيارُ الشيخ الصَّالحِ المشهودِ له بالعلمِ والمعارفِ واتِّقاءِ المحارم، فالشَّجرة إذا نبتَت من غير غارسٍ تورِق ولكنَّها لا تثمِر، وكذلك المريد إذا لم يكن له شيخٌ يأخذُ عنه طريقتَه قلَّ أن يفلحَ. فالشَّيخُ في طريق التَّصوفِ ركنٌ هامٌّ في السَّيرِ والسُّلوكِ، فكما أنَّ العلومَ الإسلاميَّةَ بدون العلماءِ والعارفينَ بها لن يكون لها كبير فائدةٍ وتصبح سطورًا جامدةً في الكتب فكذلك معارفُ وعلومُ التصوُّفِ لابدَّ لها من الشَّيخ الَّذي يعرِّف بها ويعلِّمها ويرشد إليها ويتعاهدُ طريقةَ تَطبيقِها. والشيخُ الصوفيُّ هو العالم الربانيُّ السَّائرُ في طريق الله، العارفُ بالشَّريعةِ الإسلاميَّة، المنضبطُ بحدودِها المُلزِم لنفسِه بالنَّوافلِ، المتمسِّكُ بسنَّة النَّبيِّ ﷺ، العالم العابد، الرَّحيمُ بخلقِ الله، الذي يكونُ هادِيًا ودليلًا إلى طُرُق تزكيةِ النُّفُوسِ والقلوبِ وسُلُوكِ طريق الله والاقتداءِ برسولِ الله ﷺ، فهو يحبِّبُ الله إلى عِبادِه، فهو ليس بصاحبِ بدعةٍ في دين الله، وإنَّما هو من الذين يَقتفونَ سنَّةَ وأفعالَ رسول الله ﷺ في تربيتِه لصحابتِه الكرام رِضوانُ الله عليهم، وإرشادِه لهم وتفقُّدِ أحوالهم وعباداتِهم، فالشيخ الصُّوفيُّ الكاملُ قائمٌ في الأمَّة مقامَ رسول الله ﷺ من حيث التربيةُ والإرشادُ والدَّلالة على طريق الله. والشَّيخُ المُتصدِّرُ لتربيةِ المريدينَ وإرشادِهم هو المتَّصفُ بالعلمِ والمعرفةِ بالعُلوم الشَّرعيَّة- فلا يجوزُ أن يتصدَّر الجاهل لإرشاد الخلق- وأن يكونَ عالمًا بعلومِ التَّصوف والطريقِ وأهل السُّلوك وأقوالِهم وعباراتِهم ومصطلحاتِهم؛ بحيث يكون جامعًا بين الحقيقةِ والشريعةِ، عالمًا بأحوال وأمور الخلق والمجتمع الذي يعيش فيه، ليس منعزلًا عن النَّاس، وهنا تأتي عبارة الإمام الجنيد رضي الله عنه: «مَن لم يحفظِ القرآنَ ولم يكتبِ الحديثَ لا يُقتدَى به في هذا الأمر؛ لأنَّ عِلْمَنا هذا مُقيَّدٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ»([10]).
[1]جزء من حديثٍ أخرجه البُخاريُّ كتاب الدعوات، باب أفضل الاستغفار (6306) من حديث شداد اابن أوس.
[2]انظر: لسان العرب (ع. هـ. د) تأليف: جمال الدين ابن منظور الأنصاري- دار صادر- بيروت.
[3]انظر: معجم مقاييس اللغة (ع. هـ.د) تأليف: أحمد بن فارس بن زكريا القزويني- تحقيق: عبدالسلام محمد هارون- دار الفكر-1979م.
[4]انظر: تفسير روح البيان (9/21) تأليف: إسماعيل حقي الحنفي- إستانبول- 1926م.
[5]متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب علاقة الإيمان حب الأنصار (18) ومسلم في كتاب الحدود، باب الحدود كفارات لأهلها (1709).
[6]أخرجَه الطَّبرانيُّ في المعجم الأوسطِ (1126)، والحاكمُ في المستدرك (2/79). وقال: صحيحُ الإسناد ووافقه الذَّهبيُّ.
[7]أخرجه الإمامُ أحمد في مسنده (4/124)، والطَّبراني في المعجم الكبيرِ (7163).
[8]أخرجه النَّسائيُّ (4177)، وأحمدُ في مسندِه (4/364)، والحاكمُ في المستدرك (3/505).
[9]المدخل(3/208) تأليف: أبي عبدالله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي الشهير بابن الحاج دار التراث القاهرة.
[10]انظر: الرسالة القشيرية (1/79).