
الحقيقة المحمديّة عند الصوفيّة - 2
الشيخ. محمد يحي عبد النعيمالحقيقة المحمدية ووظائفها في مفهوم الشيخ الأكبر ابن العربي رضى الله عنه
الشيخ الأكبر أصل من أصول الفهم العرفانى، ولا يمكن لباحث جاد يريد التعرف على أى حقيقة صوفية، إلا ويلزمه السبح فى بحر الشيخ أو على الأقل يقف على ساحله. وإذا أردنا أن نتعرف على مفهوم الشيخ الأكبر للحقيقة المحمدية وتصوره لها فسندع المجال للدكتورة سعاد الحكيم لتجلى لنا هذا المفهوم من خلال كتب الشيخ فتقول:
«الحقيقة المحمدية: هي أكمل مجلى خلقي ظهر فيه الحق ، بل هي الإنسان الكامل بأخص معانية. وإن كان كل موجود عند ابن عربي هو مجلىً خاصاً لاسم إلهي، فإن محمداً قد انفرد بأنه مجلى للاسم الجامع، وهو الاسم الأعظم (الله) ولذلك كانت له مرتبة الجمعية المطلقة، وللحقيقة المحمدية التي هي أول التعينات عدة وظائف ينسبها إليها الشيخ الأكبر :
1. من ناحية صلتها بالعالم: الحقيقة المحمدية هي مبدأ خلق العالم وأصله من حيث أنها النور الذي خلقه الله قبل كل شيء، وخلق منه كل شيء «حديث جابر»، وهي أول مرحلة من مراحل التنزل الإلهي في صور الوجود ، وهي من هذه الناحية صورة «حقيقة الحقائق».
2. من ناحية صلتها بالإنسان: يعتبر ابن عربي ، الحقيقة المحمدية: منتهى غايات الكمال الإنساني ، فهي الصورة الكاملة للإنسان الكامل الذي يجمع في نفسه حقائق الوجود.
3. من الناحية الصوفية: هي المشكاة التي يستقي منها جميع الأنبياء والأولياء العلم الباطن.
من حيث إن محمداً له حقيقة الختم «خاتم الأنبياء» ، فهو يقف بين الحق والخلق ، يقبل على الأول مستمداً للعلم منقلباً إلى الآخر ممداً له وسنثبت ما تقدم بنصوص ابن عربي كما تعودنا ذلك ، يقول:
« ... بدء الخلق الهباء، وأول موجود فيه الحقيقة المحمدية، ولا أين يحصرها لعدم التحيز
ومم وجد ؟ من الحقيقة المعلومة التي لا تتصف بالوجود ولا بالعدم (حقيقة الحقائق)
وفيم وجد ؟ في الهباء …
ولِمَ وجد ؟ لإظهار الحقائق الإلهية …».
ويقول الشيخ فى الفتوحات المكية:
«فلما أراد (الحق) وجود العالم وبدأه على حد ما علمه بعلمه بنفسه، انفعل عن تلك الإرادة المقدسة بضرب تجل، من تجليات التنزيه، إلى الحقيقة الكلية (حقيقة الحقائق) انفعل عنها حقيقة تسمى : الهباء … ليفتح فيها ما شاء من الأشكال والصور، وهذا هو أول موجود في العالم … ثم أنه سبحانه تجلى بنوره إلى ذلك الهباء ... والعالم فيه القوة والصلاحية، فقبل منه تعالى كل شيء في ذلك الهباء، على حسب قوته واستعداده كما تقبل زوايا البيت نور السراج … فلم يكن أقرب إليه قبولًا في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد المسماة بالعقل، فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود، فكان وجوده من ذلك النور الإلهي ومن الهباء ومن الحقيقة الكلية، وفي الهباء وجد عينه وعين العالم من تجليه».
يظهر من النص الأخير أن الحقيقة المحمدية أول ظاهر في الوجود، وإن كان وجودها عن الهباء وحقيقة الحقائق، فالأول: أي الهباء حقيقة معقولة غير موجودة في الظاهر.
والثانية: أي حقيقة الحقائق لا تتصف بالوجود ولا بالعدم.
إذن ، يتبقى أن (الحقيقة المحمدية) هي أول موجود ظهر في الكون، ومن تجليه ظهر العالم ا.هـ
الحقيقة المحمدية هى البرزخ الجامع
الحقيقة المحمدية بهذا المفهوم هى البرزخ الجامع بين الحق والخلق، وهذا يعنى أنه لا ينزل شئ إلا عليه ولا يصعد إلا إليه. فما من تجل من التجليات الالهية إلا وللحقيقة المحمدية منه حظ وافر، ومامن شئ من بر الخلق وخيرهم فى عباداتهم ومعاملاتهم إلا ويُعرض عليه ويكون له صلى الله عليه وآله وسلم نصيب من آثار هذا الخير لكونه الدال عليه والهادى إليه.
وهذا ما يؤكده أهل العلم؛ من أن العبد لا يعمل حسنة الا ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثلها فى ميزانه، لأنه الدال عليها والمرشد إليها، فإن فعل العبد سيئة كتبت له سيئة وكتبت فى ميزانه صلى الله عليه وآله وسلم حسنة لأنه نهى عنها وحذر منها.
وثبت فى الحديث الذى رواه البزار وغيره بسند رجاله رجال الصحيح «حياتى خير لكم تُحدثون ويُحدث لكم فإذا أنامت كانت وفاتى خيرا لكم تُعرض على أعمالكم فما وجدت من خير حمدت الله وما وجدت من شراستغفرت الله لكم.
إذن معاملة الخلق معه صلى الله عليه وآله وسلم فهو الواسطة فى حصول سائر السعادات الدنيوية والأخروية
فالحقيقة المحمدية تتلقى من الحق وتفيض على الخلق ، فهى لها وجهة حقيقة ووجهة خلقية
الحقيقة المحمدية عند الإمام الكتانى
يقول الإمام الختم الأحمدى السيد محمد بن عبد الكبير الكتانى المتوفى 1327 قدس سره فى حكمه القدسية متحدثا عن الحقيقة المحمدية
1. (الحقيقة المحمدية اسمٌ أعظم باعتبار؛ لأنها بوجهاتها الخَلْقية قائمةٌ مَقام العالَم كُله.
2. شاكلتْ الحقيقة المحمديةُ الأشياءَ من باب التنزُّلات، وباينتهُم في الحقيقة.
3. الذات المحمدية مواجهةٌ كل موجود، فالمغبون: مَن حُرِم مُحاضَرَتها ومُشاهدتها عند كل شيء.
4. الذات المحمدية وجهٌ بلا قفا.
5. ارتباطُ الأشياء بالمراتب المحمدية ارتباطُ العِلة بالمعلول؛ لا ينفكُّ عنها شيء.
الفرق بين الحقيقة المحمدية والحقيقة الأحمدية
وكما يكثر استعمال الصوفية لمصطلح الحقيقة المحمدية، كذلك يكثر استعمالهم لمصطلح الحقيقة الأحمدية، وقد كان للإمام الكتانى المهيع الواسع فى هذا باب فما الفرق بينهما؟
يتبع إن شاء الله تعالى