السنة الأولى ربيع الأنور 1443 هـ - أكتوبر 2021 م


عبد الله أبوذكري
لماذا نحتفل بالمولد النبوي في يوم 12 ربيع الأول؟
عبد الله أبوذكري

الرّاجح تاريخيًا -بالحساب الفلكي- أن المولد الشريف وافق الاثنين 9 ربيع الأوّل 53 ق.هـ [انظر: تاريخ الخميس للديار بكري ونتائج الأفهام في تقويم العرب قبل الإسلام لمحمود باشا الفلكي]، ويدّعي بعض المعترضين أن 12 ربيع الأوّل هو يوم الانتقال الشريف، والتحقيق التاريخي أنّ يوم الانتقال الشريف وافق الاثنين 14 ربيع الأوّل 11 هـ، فكلامهم عن جهل وضيق أفُق كما هو معتاد من أصحاب هذا المنهج المعوج، فمن أين إذًا أتى الاحتفال بيوم الثاني عشر ربيع الأول، ولماذا صار عنونًا للاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟

وصل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قُباء آتيًا من مكّة المكرمة في رحلة الهجرة الشريفة يوم الاثنين 8 ربيع الأوّل 1 هـ، فأقام بها الثلاثاء والأربعاء والخميس فبنى مسجد قُباء الذي أُسِّسَ على التّقوى من أوّل يوم، ثم سار ضُحى يوم الجُمعة 12 ربيع الأوّل 1 هـ فصلّى الجُمعة ببني عمرو بن عوف (وما زال الموضع معروفًا لليوم بمسجد الجُمعة)، وهي أوّل جُمعة يُصلّيها النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم بالنّاس، ثم دخل المدينة المنوَّرَة بعد صلاة الجُمعة، وكان صلى الله عليه وآله وسلَّم قد أتمّ 53 عامًا هجريًا في اليوم التالي لدخوله قُباء واشتهر أنّه دخل في يوم مولده الشريف.

وخرجت المدينة عن بكرة أبيها لاستقبال حضرته بالمواكب وهم يحملون سعف النخل وينشدون المدائح ويستشرفون قدومه الشريف يقولون: "قدم رسول الله، قدم رسول الله..."، فاستقبلوه عند قُباء، وعلى مشارف المدينة المنوَّرَة عند دخول حضرته إليها بالمواكب والمدائح، واحتفلوا بحضرته الاحتفالات العظيمة في يوم الدخول الميمون للمدينة المنورة، ولم يُحفظ تاريخ المولد واشتهر يوم الثّاني عشر هذا لأنّه يوم دخول المدينة المنوَّرَة فحفظه كل أحد على الراجح، فهو يوم عيدين، عيد دخول حضرته للمدينة فنوَّرَها وأضاء منها كل شيء، وعيد الجُمعة، وهي الجمعة الأولى لحضرته بالمدينة المنوَّرَة، وكلها أيّام شريفة. [انظر السيرة النبوية لابن هشام المعافري، تاريخ الخميس للدياربكري].

والحقُّ أنّ هذا الشهر كله مُبارك أيّما بركة، وإنما يوم 12 هو رمز ليس إلّا للاحتفال بالنّبي صلى الله عليه وآله وسلم في شهر ربيع الأنور كلّه، ففيه المولد ودخول قباء ودخول المدينة في الهجرة وغيرها من الأيّام الشريفة في حياته صلى الله عليه وآله وسلم، وقد منّ الله على أمّة الإسلام بأن جعل جميع أهل العلم والولاية فيها يكثرون الاحتفال بحضرته طوال الشهر لفهمهم هذه المعاني الشريفة فتجد الاحتفالات طوال الشهر المبارك ومجالس الصلاة على حضرته والمدائح والإطعام وغير ذلك، وأنّ هذا شهر المنن الكُبرى والنعم العُظمى وفيه من البركة والفضل ما لا يخفى على صاحب عقل، فضلًا عن أهل المحبة.

وهذا دليل تاريخي عجيب على مشروعيّة الاحتفال بذات يوم 12 ربيع الأوّل وخصّه بذلك دون غيره وجعله يوم فرح وسرور!، حيث احتفل به جميع أهل المدينة وخرجوا وتركوا أعمالهم لاستقبال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان يوم عيد، وأنشدوا المدائح يومها وهو مسطور منصوص عليه في كتب السيرة، بل وأعدّوا الولائم وكان كل ساعة يأتيه أهل المدينة بقصعة طعام يأكل منها صلى الله عليه وآله وسلم وجلساؤه في دار أبي أيوب رضي الله عنه واستمر ذلك مُدّة!!، بل وسارت المواكب لاستقباله الشريف!، وهو من معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم ودلائل نبوّته أن وفّق الله الأمّة لمثل هذا فجعلت أكثر دول العالم الإسلامي هذا اليوم يوم احتفال واتّفق المسلمين على ذلك!، فكيف يأتي مختل عقليًا يقول هذا شيء لم يفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا الصحب الكرام وإذ بنا نتوصل الآن إلى ذلك بالأدلّة العلميّة التاريخيّة!، وأنهم قد فعلوا عين ما تُنكر يا مسكين!؟، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وسلم.