
لماذا تصوفتُ؟
إيمان فتح اللهلماذا تصوفت؟ كنت أعتقد أنني تصوفت، ليصفو ذهني وفكري من المتاهات والتساؤلات و التحيرات والتخبطات
كنت أظن أني تصوفت لأعوض ما فاتني في جهلٍ ولأصحح ما أعياني من عقائد مسمومة
ظننت أنني تصوفت لأفطم روحي من اليُتم والوَحشة والغُربة.
وهذا الذي ظننته على "عتبة الطريق" لم يكن سرابًا , إنما هو حقيقة جميلة واقعة مرصودة وأكيدة ..
وإنما ..
جوهر التصوف ومعايشته تتعدى كل تلك الظنون وتفوق التوقعات والتخيلات والمقالات؛ فإنني قد تيقنت أني في اللحظة التي كتب الله لي فيها أن أسلك الطريق وتطأ فيه قدمي أول خطوة أنه سبحانه قد منَّ عليَّ بدخول جنة الأرض وما أدراك ما جنة هذه الأرض! هذه الأرض التي كتب الله فيها الكبَد.
هي جنة والكلمة وحدها تحوي كل المعاني والشروح جنة: لأن فيها مقصود الكل هو الله الأعلى الأجل، ولأن تعطُش الذات لمعرفة رب السماوات يرتوي فيثمر ثمار المحبة والتحقق بالعبودية والأدب والمعية.
هي جنة، فلا ذلك الكبَد فيها ولا ألم ولا حزن، تدور الأحداث والنوازل والمصايب، وقلب السالك العارف يظل في سكون وسكينة في ثبات واتزان وأمان.
هي جنة، ففي كل معرفة بها نستزيد ومع كل حجاب يزول وبكل غمامة من على القلب تُزاح، نعيش ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
فجنة الآخرة ما أصبحت جنة: إلا لملازمة حبيب الفؤاد رسول الله ملازمة سرمدية، إلا برؤية ومعية رب العالمين في خلود وأبدية، فما أن تحدث تلك الملازمة والرؤية والوصل والشهود لأهل الله وهم ما زالوا من أهل الأرض على الأرض، فما تبقى من الجنة؟
لا شيء .. فقد تنعموا بها وعاشوها قبل أن يعيشوها
تسائلت لماذا نحتاج التصوف في حياتنا؟
لأننا نحتاج إلى رسول الله، كل ذرة في كياننا تتوق شوقًا واحتياجًا لـ رسول الله
وتعجبت من كل نَفَسٍ خرج مني كيف صار وتم قبل أن أتنفس حب رسول الله!
أدركت قبل الطريق أن ذلك العبد الذي اختاره الله رسولًا وصفيًّا وحبيبًا بجانب اسمه الأعظم في شهادة النجاة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) أنه سر الوصول وباب الدخول
حاولت أن أتعلق بصاحب السر وأزيد من تعلقي وحبي له ولكن لم أصل لما كنت أصبو إليه، كانت هناك دائمًا حلقة غامضة مفقودة
فبحثت كثيرًا في عبارات الخلق وأشعارهم وبكائهم وأنينهم لم أجد أصدق من كلمةٍ خرجت من محبٍ في طريق الله موصول به أو اتصل بمن اتصلوا به وهذا لم أجده سوى عند ساداتنا الصوفية الذي فني وجودهم وتشكلوا بذراتٍ من جمال أجمل خلقِ الله
تصوفت لأتصل وأتلمس وألتمس ممن اتصلوا ووصلوا، تصوفت حتى أجد الحلقة المفقودة: حلقة الوصل والسند الذي به محياي وفيه نجاتي.