السنة الثالثة رمضان 1444 هـ - إبريل 2023 م


د. عمر محمد شريف
الإمام الشعراني والشريف الحطابي
د. عمر محمد شريف

السيد الشريف، الفقيه النحوي، الشيخ شرف الدين المدرس بزاوية الحطاب، صحبته رضي الله عنه نحو خمس عشرة سنة، فما رأيت أكثر صمتًا منه ولا محبته لعزلته عن الناس، وكان وقته كله مشغولاً بالعلم والعبادة، وتلاوة القرآن، وأخبرني الشيخ بدر الدين الشهاوي الحنفي أنه أخبره أن ورده كل ليلة قبل النوم ربع القرآن، وقال له ما استحضر أني تركته صيفاً ولا شتاءً.

وكان يملي مجلسه الخشية والوقار والأدب، وكان يحبني أشد المحبة، وربما أبطأت عن زيارته فيأتيني في جامع الغمري، ويقول اشتغل سري عليك، وأوصافه الحسنة لا تحصى، توفى سنة أربعين وتسعمائة رضي الله عنه.

هكذا وصف العلامة الإمام عبد الوهاب الشعراني (ت973هـ) علاقته بالشريف الحطابي في الطبقات الوسطى[1]، فمن هو الشريف الحطابي؟.

هو الشيخ الإمام العلامة، عمدة المعقول والمنقول، كاشف معضلات الفروع والأصول، الحسيب النسيب، السيد شرف الدين موسى بن أحمد بن عبد الرحمن الشريف الحسني الأرميوني المالكي الشهير بالحطابي (ت 940هـ).

الأرميوني نسبة إلى مسقط رأسه "قرية أرميون" التي حُرف اسمها فأصبحت "أريمون"، إحدى قرى مركز كفر الشيخ حالياً. وهي قرية قديمة ذكرها الوزير الأيوبي الأسعد بن مماتي (ت606هـ) في كتابه "قوانين الدواوين" ضمن قرى الغربية باسمها الأصلي أرميون [2]. ووردت باسمها الجديد "أريمون" في التربيع الذي أجراه الوالي العثماني سليمان باشا الخادم في عصر السلطان العثماني سليمان القانوني ضمن قرى ولاية الغربية، وفي تاريخ 1228هـ/1813م الذي عدَّ قرى مصر بعد المسح الذي قام به محمد علي باشا باسم "أريمون" ضمن قرى مديرية الغربية.

عُرف بـ"الحطابي" لأنه كان يُدرس بزاوية الحطاب بالقاهرة، والتي تنسب لشيخه الزاهد الورع عثمان الحطاب (ت892هـ)، حيث جلس الشيخ عثمان بها لتربية مريديه. وكانت في الأصل زاوية شيخه أبي بكر الدقدوسي، وتقع حالياً بشارع الحطاب بالحمزاوي.

ينحدر الشريف الحطابي من أسرة علمية، حسنية النسب، من آل تركي بن قرشلة، يرتقي نسبها للإمام إدريس مؤسس دولة الأدارسة بالمغرب بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أعددت كتاباً عن هذه الأسرة الشريفة بعنوان "أعلام أسرة الأرميوني الأشراف في العصرين المملوكي والعثماني"، لم يطبع بعد.

كان الإمام الشعراني إذا استشكل عليه أمر في فقه المالكية يراجع فيه الشريف الحطابي، حيث قال في كتابه "المنن الكبرى": "وطالعت من كتب المالكية المدونة الكبرى، ثم اختصرتها وهي عشر مجلدات، وطالعت كتاب الموطأ، وشروح رسالة ابن أبي زيد، وشرح مختصر الشيخ خليل وكتب ابن عرفة، وابن فرحون، وكانت مطالعتي للمدونة بإشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت أراجع في مشكلات هذه الكتب الشيخ شمس الدين اللقاني، والشيخ شرف الدين الحطابي (صاحب الترجمة)، والأخ الصالح الشيخ عبد الرحمن الأجهوري، وغيرهم، رضي الله تعالى عنهم".[3]

كما ذكر الإمام الشعراني في "المنن الوسطى" أن من العلماء المحببين له ممن درج إلى رحمه الله تعالى السيد الشريف بزاوية الحطاب. وذكر في "العهود المحمدية" أن الشريف الحطابي كان رفيقاً لشيخ الإسلام نور الدين علي بن ياسين الطرابلسي الحنفي (ت942هـ)، شيخ الحنفية بمصر، وقاضي قضاتها. وكانا مواظبين على السنة النبوية الشريفة، قال الإمام الشعراني:

"(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نواظب على الأذان لكل صلاة ولو سمعنا المؤذن وإن احتاج الناس إلى الأذان برفع الصوت أذنا لهم، وليس لنا أن نتعلل بالحياء لأن الحياء في مثل ذلك حياء طبيعي نفسي وليس في فعل المأمورات الشرعية حياء، وإنما الحياء المطلوب أن يترك العبد ما نهاه الله عنه فافهم، وهذا العهد يخل به كثير من الناس أصحاب الطبع اليابس، فيقول له العامة أذن لنا يا سيدى الشيخ فيقول أستحى، وهذا ليس بعذر، فإن كان يا أخي ولابد لك من الحياء فاستح من الله أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك فهذا هو الحياء الشرعي الذي يثاب عليه العبد.

وكان من آخر من رأيته مواظباً على هذه السنة الشريفة مولانا شيخ الاسلام الشيخ نور الدين الطرابلسى الحنفى، ورفيقه السيد الشريف الحطابي، والشيخ محمد بن عنان، والشيخ أبو بكر الحديدي، والشيخ محمد بن داود وولده الشيخ شهاب الدين، والشيخ يوسف الحريتى رضى الله عنهم أجمعين، فاعلم ذلك والله يتولى هداك."[4]

ونقل عنه الإمام الشعراني الكثير من القصص والآثار منها ما أورده في "البحر المورود في المواثيق والعهود" حيث قال: "أخبرني السيد الشريف بزاوية الحطاب رحمه الله تعالى قال: ضرب كاشف البحيرة شريفًا فرأى رسول الله تلك الليلة في منامه، وهو يعرض عنه فقال: يا رسول الله، ما ذنبي؟.

قال: تضربني وأنا شفيعك يوم القيامة؟.

فقال: يا رسول الله، ما أتذكر أني ضربتك، فقال: أما ضربت ولدي؟ فقال: نعم، فقال: ما وقعت ضربتك إلا على ذراعي هذا، ثم أخرج ﷺ ذراعه متورمًا كخلابة النحل نسأل الله العافية".[5]

اعتقاده في الصوفية:

ذكر نجم الدين الغزي في "الكواكب السائرة"، وكذلك ابن العماد الحنبلي في شذراته، في ترجمة الشريف الحطابي، أن كان على مجلسه الهيبة والوقار، وكان له صحة اعتقاد في الصوفية يتواجد عند سماع كلامهم.[6]

ومما نقله الإمام الشعراني عن اعتقاد الشريف الحطابي في الصوفية ما ذكره في "الطبقات الكبرى" و"الجواهر والدرر الكبرى"[7] عن "القطب"، فقال: حكى لي السيد الشريف الشيخ شرف الدين العالم الصالح بزاوية الحطاب بمصر المحروسة قال: حكى لي سيدي الشيخ عثمان الحطاب:

أنه لما حج مع شيخه العارف بالله تعالى أبي بكر الدقدوسي رحمه الله سأله أن يجمعه على القطب بمكة فقال: يا عثمان، لا تطيق رؤيته، فقال: لابد، وأقسم على شيخه، فأجلسه شيخه بين زمزم والمقام، وقال لا تقم من هنا حتى يحضر، فصارت رأسي سيدي عثمان تثقل إلى أن وصلت لحيته إلى بين أفخاذه قهراً عليه، فجاء القطب وجلس، وصار يتحدث مع الشيخ أبي بكر زماناً.

ثم قال له القطب: استوص بعثمان خيراً فإنه إن عاش صار رجلاً من رجال الله. انتهى.

أخذ الشريف الحطابي عن جماعة من أعلام عصره من أبرزهم:

1-الشيخ عثمان الحطاب (ت892هـ).

عثمان بن محمد بن أحمد بن محمد بن عطية: السراجي نسبة لمنية سراج بالمحلة ثم المحلي الشافعي نزيل القاهرة ويعرف بالحطاب. العابد الزاهد الورع، ولد سنة 820هـ، حفظ القرآن وجوده وقرأ على الشيخ أحمد الخواص ونور الدين البكتوشي. كان شديد التقشف، جلس بزاوية شيخه الدقدوسي لتربية المريدين. زار بيت المقدس ثم الخليل، ثم القدس، وتوفي بالقدس سنة 892هـ. [8]

2-الحافظ فخر الدين عثمان الديمي.

الشيخ الإمام، العلامة المحدث المسند الحافظ، شيخ السنة أبو عمرو فخر الدين عثمان بن محمد بن عثمان الديمي، الأزهري، المصري، الشافعي. ولد سنة 819هــ، وكان من كبار تلامذة أمير المؤمنين في الحديث شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني.

وعُين لإسماع الحديث بالمقام الأحمدي بطنطا، واشتهر صيته بمعرفة الرجال، فكان يحفظ عشرين ألف حديث، وهو الذي عناه الحافظ جلال الدين السيوطي بقوله:

الحافظ الديمي غيث السحاب فَخُذْ

غرفًا من البحر أو رشفًا من الدِّيَمِ

توفي سنة 908هـ وذكر ابن طولون أن صلي عليه غائبة بدمشق بالجامع الأموي بعد صلاة الجمعة في 2 رجب من تلك السنة.[9]

أما من تتلمذ على يد الشريف الحطابي، نذكر منهم:

1-أبو المكارم بن وفا برهان الدين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، الخليفة التاسع للوفائية.

ذكر العلامة محمد مرتضى الزبيدي في كتابه "مزيل نقاب الخفا عن ساداتنا بني الوفا"، أنه أبو المكارم بن وفا برهان الدين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، الخليفة التاسع للوفائية، المولود في حدود 920هـ، قد قرأ الورقات في الأصول والأجرومية في النحو على السيد الأرميوني بزاوية حطاب، وكتب له إجازة بهما.

2- محمد بدر الدين الشهاوي الحنفي المصري.

كان حيًّا سنة 961 هـ. من تصانيفه "الطراز المذهب في ترجيح الصحيح من المذهب". ذكر نجم الدين الغزي في "الكواكب السائرة" أنه ممن تتلمذ على يد الشريف الحطابي وأخذ عنه، حيث قال في ترجمته: الشيخ الإمام العلامة الورع، صدر الدين الشهاوي، كان فقيهاً صوفياً مؤثراً للعزلة لا يخرج إلا للتدريس، أو لصلاة الجماعة صواماً، قواماً، متحملاً. أخذ الفقه عن الشيخ نور الدين الطرابلسي، والشيخ شهاب الدين الحلبي، وزوجه بنته، وأجازه بالإفتاء والتدريس، وأخذ عن الشيخ شرف الدين المالكي المقيم بزاوية الحطاب بالقاهرة، وأخد التصوف عن سيدي أبي السعود الجارحي، وأثنى عليه الإمام الشعراني في طبقاته الصغرى، وتأخرت وفاته عن وفاته رحمه الله تعالى.[10]

3- عبد القادر بن محمد الجزيري (المتوفى نحو سنة 977هـ).

كما تتلمذ على يديه الفقيه الشيخ عبد القادر بن محمد بن عبد القادر الأنصاري الجزيري الحنبلي. المولود سنة 911هـ. كان والده فقيهاً من فقهاء مصر، وصاحبه في حجاته، كانت الحجة الأولى سنة 926هـ، وهو في الخامسة عشرة من عمره، شاباً في أول البلوغ. من مؤلفاته: "درر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة" و"خلاصة الذهب في فضل العرب" و"عمدة الصفوة في حل القهوة".

يقول الجزيري في كتابه "الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة":

من أجل مشايخي في المعقولات الشيخ الإمام العلامة عمدة المعقول والمنقول، كاشف معضلات الفروع والأصول السيد شرف الدين الشريف موسى بن أحمد بن عبدالرحمن الحسني الأرميوني المالكي الشهير بالحطابي، قرأت عليه كثيراً من كتب النحو كالمكودي، ومن شروح "الألفية" ابن عقيل وابن المصنف و"التوضيح" وشرحه للشيخ خالد الوقاد، و"المغني" لابن هشام، وغير ذلك من كتب التصريف والمنطق والمعقولات ما يزيد على عشرين مُؤلفاً، وأروي عنه "صحيح البخاري" قراءة لبعضه، وإجازة لباقيه بحق قراءته على الشيخ عثمان الديمي، و"الشفا" للقاضي عياض وغير ذلك، وبالجملة فلازمته قراءة إلى حين وفاته.[11]

قال الجزيري في موضع آخر: أنشدني شيخنا علامة العصر شرف الدين موسى الأرميوني الحطابي المالكي من لفظه لنفسه في سنة ثلاث وثلاثين وتسع مئة قال: قلت بمكة في حال الطواف:

رُجوعاً إلى المولى فهذا زمَانهُ ... وَطرْحاً عَلَى الْأبَوَاب هذا مَكَانُه

وطف حَوْلَ بَيْتِ الله للعفو راجياً ... وتَب واسأل الغفران هذا أَوَانه

فَمَن جَاء هَذَا الْبَيت يُرجى قَبُولُه ... ومَن خَافَ مَكُروهاً فَفيه أمانه

لما أنّهُ بَيْنَ الكريم ومَن أتي...  فناء كريم لم يفته حنانه[12]

وقال أيضاً: أنشدني شيخنا السيد الشريف موسى الحطابي الأرميوني المالكي من لفظه لنفسه حالة طوافه بالبيت الحرام:

ظفرت من الطواف ببيت ربي ... بأوقات لها في القلب حظوة

فمن لي بالخلوص ولو لشرط ...  ومن لي بالقبول ولو لخطوة 

وأيضاً لنفسه:

بالورد من منهلكم ... ما ازددت إلا عطشا

وحبكم أقلقني ... وقد حشا مني الحشا

وما تشاؤوا فافعلوا ... في عبدكم لا ما يشا

لا ينثني عن حبكم ... كما عليه قد تَشَا

يا رب صل دائماً ... على أجل من مشى

مُحمد وصحبه ... ما دام صُبح وعِشا

وقال في موضع آخر: أنشدني شيخنا الإمام العلامة، ترجمان الأدب، لسان المنقول والمعقول والعرب، السيد الشريف شرف الدين موسى الحطابي الأرميوني المالكي أسكنه الله تعالى الفردوس الأعلى من لفظه في سنة نيف وثلاثين وتسع مئة: أنشدني شيخنا العلامة الحافظ عثمان الديمي المحدث من لفظه بسنده، قال: أنشد حسان بن ثابت الأنصاري لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، والصحابة جلوس وأرادوا القيام فنهاهم عنه:

لك التعظيم والتبجيل فرضٌ ... وتركُ الفرض ما لا يستقيم

أيرضى من له عقل ودين ... ومعرفةٌ يراك ولا يقومُ

قال: فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم.[13]

4- بدر الدين محمد بن يوسف المنهاجي

نعته في كتابه "بسط الأعذار عن حب العذار" بقوله: "شيخنا العلامة شرف الدين موسى الشريف الحطاب". وفي "التذكرة المنهاجية" نعته بقوله: "شيخي". وأثبت له شعراً أنشده إياه.

وهو بدر الدين محمد بن يوسف بن عبدالعزيز الأقفهسي المنهاجي الشافعي، عمل خطيباً لجامع السيدة نفيسة رضي الله عنها بالقاهرة، توفي في حدود سنة 993 هـ. من مؤلفاته: الزين في العين، البدور السافرة فيمن ولي القاهرة، جامع المفرد، الفتح في السبح.[14]


[1] -مخطوط الطبقات الوسطى، مكتبة فيض الله بتركيا تحت رقم (1479).

[2] - ابن مماتي، قوانين الدواوين، جمعه وحققه عزيز سوريال عطية، مكتبة مدبولي القاهرة، ص90.

[3]عبد الوهاب الشعراني، المنن الكبرى أو لطائف المنن والأخلاق في وجوب التحدث بنعمة الله على الإطلاق، وضع حواشيه: سالم مصطفى البدري، دار الكتب العلمية، ص71.

[4] لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية، تقديم محمد علي الأدلبي، دار القلم العربي بحلب، ص46.

[5]ط مكتبة الثقافة الدينية، 2004م، ص293.

[6] ترجمة رقم (984).

[7]تحقيق أحمد فريد المزيدي، كتاب - ناشرون، بيروت – لبنان،2018،  ص150.

[8] - انظر ترجمته: عبدالرحمن السخاوي، الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (5/137). وعبدالوهاب الشعراني، الطبقات الكبرى (2/93).

[9] انظر ترجمته: عبدالرحمن السخاوي، الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (5/126). نجم الدين الغزي، الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة، (1/ 260).

[10]الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة، (3/ 127).

[11] - عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن محمد الأنصاري الجزيري الحنبلي، الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحج وطريق مكة المعظمة، تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل، دار الكتب العلمية، ج1، ص173.

[12] - المصدر السابق، ج2، ص203.

[13] المصدر السابق، ج2، ص317.

[14] انظر: بسط الأعذار عن حب العذار، تحقيق وتقديم محمد يوسف بنات وحسن محمد عبدالهادي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 2017م.