
النبيُّ أوْلَى
عبد الله أبوذكريرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدره عظيم ومقامه رفيع عند مولاه الذي تولّاه، فهو صلى الله عليه وآله وسلم النموذج العملي الذي أراد الله لنا سبحانه وتعالى أن نتمثله في حركاتنا وسكناتنا وجميع شئون حياتنا، وجعله محور التعرف إليه سبحانه وتعالى، والطريق الوحيد إليه، وقطع الطُّرق التي لا تعتمد عليه، فأمرنا أن نأخذ منه كل شيء: (( وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُوا۟ ))، فلم يقل (( وما أمركم )) بل نصّ صراحة على أنّ كل ما منه صلى الله عليه وآله وسلم فهو عطيّة لنا واجبة الأخذ والقبول (( فخذوه ))، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( إنما أنا قاسم والله يُعطي )) فكل عطاء من المولى سُبحانه فهو بواسطته الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم، وعطاء الله لا ينفد، فدلّ على أنّ الاستمداد دائم منه سبحانه وتعالى بواسطته صلى الله عليه وآله وسلم، ونصّ على الرسالة في إشارة إلى جسده الشريف، فنبوّته سابقة على الأجساد وظهورها، وأشار إلى حياته الشريفة في برزخه الشريف حياة لا مثيل لها، إذ الآية مطلقة غير مقيَّدة بزمان ولا بمكان، فنحن في كنف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليل نهار، هذا هو كنف الله جل في عُلاه.
وجعل مبايعته صلى الله عليه وآله وسلم عين مبايعته سبحانه وتعالى: (( إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَـٰهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ))، ومبايعته صلى الله عليه وآله وسلم أمر لا ينقضي ولا يتقيد بزمان ولا بمكان، فمعلوم أنّ هذه الآيات نزلت بعد بيعة الرضوان في صُلح الحُديبية، فقد نزلت بعد المُبايعة، فلو كان المقصود بها أهل زمانه صلى الله عليه وآله وسلم لقال: (( إن الذين بايعوك ))، ولكنّه جل في عُلاه قال: (( إن الذين يبايعونك )) ففي كل زمان ومكان بيعات تتجدد له صلى الله عليه وآله وسلم ممن يريد أن يدخل في رضا الله ويعرفه سبحانه وتعالى حق المعرفة، ومن بايع ورثته من المشايخ الكُمَّل من أهل الإسناد فكأنّما بايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهي بيعة في بيعة، لأنّ كل وليّ يستمد نوره من نوره صلى الله عليه وآله وسلم، فهو فرع عن أصل، وغُصن من غُصن من جذع من شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ثم قال (( إنما يبايعون الله ))، هكذا بلا فاصل، حصرًا وقصرًا، أي أن بيعته صلى الله عليه وآله وسلم هي عين بيعة الله، ولم يقل (( كأنما يبايعون الله )) بل قالها صريحة (( إنما يبايعون الله )) فهذه حقيقة كالشمس في رابعة النهار، من بايع فقد بايع المولى سبحانه، ثم أكدها تأكيدًا فقال: (( يد الله فوق أيديهم ))، فتأييده سبحانه سارٍ لكل من بايع وأوفى، لهذا اهتمّ أهل الله من أهل التزكية بالبيعة والعهد إحياءًا لهذه السُنَّة وامتدادًا لها ببركة السند حتى يحدث الاتصال الحقيقي بالحضرة النبوية الشريفة.
وأبان لنا صلى الله عليه وآله وسلم عن وجوب محبّته وتقديمها على كل مخلوق فقال: (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ))، وفي رواية سيدنا عمر بن الخطاب: (( ونفسه التي بين جنبيه ))، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى بمحبتك من أبيك وأُمِّك وأبناءك، ومن محبتك لنفسك، حتى قالها سبحانه وتعالى مُطلقًا هكذا: (( ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ )) أولى من نفسك، أولى بماذا؟، بأي شيء وكل شيء، فهو أولى بك منك، فإذا أردت أن تتحقق برضا المولى سبحانه وتعالى فعليك بتقديمه صلى الله عليه وآله وسلم على كل أحد، على كل شيء، على نفسك، وهو أولى بها من وقت نبوّته، أولى بها من وقت عالَم الذرّ، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( كُنت نبيًّا وآدم منجدل في طينته )) فهو أولى بنا من قبل خلقتنا صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا استشعرت استمدادك منه صلى الله عليه وآله وسلم أبدًا في كل نَفَس استقبالًا لعطاياه المستمرة من مولاه جل وعلا، وتحققت ببيعته القلبيّة ومصافحته بالقبول والملازمة لورثته صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الإسناد، وقدّمته على نفسك في كل شيء، وجعلته حاكمًا على كل ما يعرض لك (( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا۟ فِىٓ أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًا ))، فقد تمّ لك المقصود وما بعده ففضل لا يتناهى وبركة لا تزول.