السنة الثانية ربيع الأنور 1444 هـ - أكتوبر 2022 م


خالد محمد غز
النور المحمدي وأثره المعنوي والمادي
خالد محمد غز

  بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله على حضرته وآله وسلم. نور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له أثر حسي مادي فضلاً على أثره المعنوي الروحي، وآثار ذلك النور ممتدة وموجودة حتى يومنا هذا وإلى ما شاء الله تعالى، وذلك النور الفريد المميز الذي لا يوجد له شبيه له من الآثار المادية على الكون كله ظهر عياناً بياناً وأثبتته الروايات رغم أنف من أنكر أو استبعد، وتلك الآثار منطبعة إلى يومنا هذا على الكائنات التي صادفها حظها السعيد والتصقت بالحبيب أو تعرضت لنوره الباهر، فمنها من كان من عالم النبات ومنها من كان من عالم الجماد.

  وشجرة البيقعاوية بالأردن خير شاهد ودليل وهي لا تزال موجودة وباقية إلى زماننا منذ مر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجلس في ظلها الوافر فتأثرت بنوره الغامر فبقيت مورقة إلى الآن ببركة ذلك النور وذلك بسبب امتصاص أوراقها للنور المحمدي واندماج أثر ذلك النور في تكوينها المادي أثناء جلوس حضرته في ظلها.

نور الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من واقع الكتاب والسنة

نور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أثبته المولى عز وجل في كتابه العزيز في عدة مواقع نورد منها موقعين مباركين يقول المولى تعالى في أحدهما:

﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾ [المائدة:15]

وقد ورد القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾، قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لهؤلاء الذين خاطبهم من أهل الكتاب: "قد جاءكم"، يا أهل التوراة والإنجيل "من الله نور"، يعني بالنور محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم الذي أنار الله به الحقَّ، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به يبيِّن الحق. ومن إنارته الحق، تبيينُه لليهود كثيرًا مما كانوا يخفون من الكتاب. 

و يقول المولى تعالى في موضع آخر :

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾ [الأحزاب:45-46]٠

وقد ورد في العديد من التفاسير في هذه الآية ﴿وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ يقول: وضياء لخلقه يستضيء بالنور الذي أتيتهم به من عند الله عباده ﴿مُنِيرًا﴾ يقول: ضياء ينير لمن استضاء بضوئه، وعمل بما أمره، وإنما يعني بذلك: أنه يهدي به من اتبعه من أمته .

أما في السنة المشرفة فقد ورد العديد من الأحاديث الشريفة التي تثبت ذلك النور بل وتؤكد على أن ذلك النور له طبيعة حسية وليس معنوية فقط ومن قبيل ذلك ما ورد بالحديث الشريف الذي روته السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها :

فَقَدْ جَاءَ في كَنْزِ العُمَّالِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: اسْتَعْرتُ مِنْ حَفْصَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ إِبْرَةً كُنْتُ أَخِيطُ بِهَا ثَوْبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَسَقَطَتْ عَنِّي الإِبْرَةُ، فَطَلَبْتُهَا فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهَا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَتَبَيَّنْتُ الإِبْرَةَ بِشُعَاعِ نُورِ وَجْهِهِ، فَضَحِكْتُ.

فَقَالَ: «يَا حُمَيْرَاءُ! لِمَ ضَحِكْتِ؟».

قُلْتُ: كَانَ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: «يَا عَائِشَةُ، الوَيْلُ ثُمَّ الوَيْلُ لِمَنْ حُرِمَ النَّظَرَ إلى هَذَا الوَجْهِ، مَا مِنْ مُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ إِلَّا وَيَشْتَهِي أَنْ يَنْظُرَ إلى وَجْهِي» رواه الديلمي وابن عساكر.

نور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يظهر عياناً حين مولده:

"عن عثمانَ بنِ أبي العاصِ الثَّقفيِّ عن أمِّهِ أنَّها حضرَت آمنةَ أمِّ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فلمَّا ضربَها المخاضُ قالت فجعلتُ أنظرُ إلى النُّجومِ تدلَّى حتَّى أقولَ لتقعنَ عليَّ فلمَّا ولدَتْ خرجَ منْها نورٌ أضاءَ لَهُ البيتُ والدَّارُ"  .

رأي شيخنا "فضيلة أ د. علي جمعة رضي الله عنه":

وقد أكد العلماء على حقيقة وجود الخاصية الحسية لنور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونورد هنا رأي شيخنا فضيلة الشيخ الدكتور علي جمعة في سياق كتاب حضرته المسمى "البيان لما يشغل الأذهان" إذ يقول فضيلته في معرض رده على سؤال نصه:

هل النبي صلى الله عليه و سلم نور، و هل هذا يعارض بشريته صلى الله عليه وآله وسلم؟

فأجاب فضيلته : النبي صلى الله عليه وآله وسلم نور هذا صحيح قال تعالى :

﴿يا أهل الكتاب قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين﴾، وقال تعالى : ﴿وداعياً إلى الله بإذنه و سراجاً منيراً ﴾، فهو صلى الله عليه وآله وسلم نور ومنير، ولا شيء في أن تقول إن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان نوراً طالما أن الله عز وجل قد وصفه بذلك وسماه نوراً، ولقد ثبت في السنة أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون: «إن وجهه صلى الله عليه و سلم كالقمر»، وقد أخبر صلى الله عليه و سلم أنه عندما حملت فيه أمه: «رأت نوراً أضاء لها قصور بصرى من أرض الشام».

وقد أخبر أصحابه رضوان الله عليهم أن: «النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما دخل المدينة أضاء منها كل شيء، وعندما مات أظلم منها كل شيء». إلى غير ذلك من آثار وأحاديث تبين أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان نوراً، ولا ينبغي أن ننفي أن ذلك النور كان حسياً، فليس هناك ما يتعارض مع كونه كان منيراً وأنه صلى الله عليه وآله وسلم له نور حسي مع أصل العقيدة، كما أنه لا يعارض طبيعته البشرية التي أخبر بها القرآن .

إن المحظور هو نفي البشرية عنه صلى الله عليه وآله وسلم، لأن هذا مخالف لصريح القرآن فقد قال الله تعالى: ﴿قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي﴾.

فالسلامة في ذلك أن نثبت كل ما أثبت الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فنثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان نوراً ومنيراً ولا يزال، وأنه بشر مثلنا، دون تفصيل وتنظير، وإثبات النور الحسي له صلى الله عليه وآله وسلم لا يتعارض مع كونه بشراً، فالقمر طبيعته صخرية، ومع ذلك هو نور وله نور حسي، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم خير من القمر، وخير من الخلق كلهم، نسأل الله أن يهدينا الطريق المستقيم، فهذا بيان لقضية نورانية النبي صلى الله عليه و سلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والله تعالى أعلى وأعلم.