السنة الأولى ذو الحجة 1442 هـ - يولية 2021 م


د. موسى شومان
القواعد العلـيّة في الشّمائل الـمحمدية - 1
د. موسى شومان

بِسْم الله، وَالْحَمْدُ للهِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالاه، وَرَضِىَ اللهُ عَنْ أشْيَاخِنَا وإخْوَانِنَا وَأبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا وَأوْلِيَاءِ اللهِ أجْمَعِينَ، أمَّا بَعْدُ...

كُلَّمَا قَرَأَتَ أيها المريدُ في  الشَّمَائِلِ المحمديةِ كنتَ كأنك شَاهِدٌ حاضرٌ تُنْبِئ عن قُرْبِ الْعَهْدِ مِنْ مَشْهَدِ الْحُسْنِ الْكُلِّىّ، فكأنك من رِجَالِ الصَّدْرِ الأوَّلِ، بَلْ مِنْ رِجَالِ الْقُرْبِ يَومَ «ألَسْتُ»، فإنَ شَوَاهِدَ الْحُسْنِ بعضُها أقْوَى من بَعْضٍ، وبعضُها أظْهَرُ من بَعْضٍ، فهو صلى الله عليه وآله وسلم أحْلَى وَأحْسَنُ مِن كُلِّ شيء مِن الْبَشَرِ ومن غيرِ الْبَشَرِ، عند كُلِّ ذِي ذّوْقٍ سَلِيمٍ، وَطَبْعٍ قَوِيمٍ، فهو صلى الله عليه وآله وسلم أحْسَنُ من الشَّمْسِ والْقَمَرِ، وأحْسَنُ حتى من الْكُرْسِىّ وَالْعَرْشِ، فإنه وإن كان صلى الله عليه وآله وسلم من البشر، ولكنه ياقوتة بين الحجر، فلا تقف عند خصائصه البشرية المجردة فحسب، بل اسأل المولى تبارك وتعالى أن يرزقك النظر إلى سر الخصوصية في نبيه المصطفى، وحبيبه المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾[الكهف:110]، ولذلك جَعَلَ اللهُ تعالى جَمِيلَ حِكْمَتِه فِي أقْوَالِ وَأفْعَالِ وأحْوَالِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وآله وسلم، فَطُوبَى لِمَن عَرَفَ قَدْرَه وَاقْتَفَى أثَرَه، ولا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلاَّ بِطَلَبِ سِيرَتِه وَالتَّعَرُّفِ عَلَى شَمَائِلِه صلى الله عليه وآله وسلم، في خلاصة مفادها: كُنْ خِطَابَ النَّبِىِّ للأكْوَانِ، كَمَا كَانَ هُوَ صلى الله عليه وآله وسلم خِطَابَ اللهِ تَعَالَى للأكْوَانِ، بِأنْ تَحْفَظَ أوْصَافَ النَّبِىِّ الْعَدْنَانِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَتَكُنَ كِتَابًا مَفْتُوحًا للأكْوَانِ، يُقْرَأُ فَيهِ صِفَاتُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم رَحْمَةِ اللهِ لِلْعَالَمِينَ، فَيُنْهَلُ مِنْكَ نَهْلَةً مُبَارَكَةً مُيَسَّرَة، وَهَذَا مِنْ عَلامَةِ سَعَادَتِك، وكما قال شيخنا الإمام العلامة رضي الله عنه «من علامة سعادة المؤمن أن يحفظ أوصاف النبى صلى الله عليه وآله وسلم».

وبداية لابد وأن يعلم كل محب أنه:

1. لا يَعْلَمُ حَقِيقَةَ وَصْفِه صلى الله عليه وآله وسلم إلا خَالِقُه، وأنه لا يَقْتَرِب مِنْ حَقَائِقِ أوْصَافِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إلا أهْلُ الْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ، وَكُلُّ بِقَدْرِه،

2.  أنك كُلَّمَا قَرَأتُ شَمَائِلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم تَغَيَّرَت ذَرَّاتُ جَسَدِك  ورُوحِك، لأنك كُلَّمَا قَرَأتُ شَمَائِلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ازْدَدتُ به تَشَبُّعًا، وازْدَدتُ له تَعَرُّفًا، وازددتُ له شَوْقًا وَطَلَبًا، بَل ازْدَدتُ له عِشْقًا وَحُبًّا، وأنه كُلَّمَا تَعَرَّفْتُ عليه اقْتَرَبْتُ منه فَأحْبَبْتُه أكثرَ، والقريبُ من القريبِ قريبٌ، فإذا كان هو القريبُ من المولَى عز وجل، فكُلَّمَا اقتربتُ منه اقتربتُ من مَوْلانا وخَالِقِنا، فكنتُ فى الْجِوَارِ الْحَقِّ.

أما القواعد الْعَلِيَّة، فخلاصتها عشرون جَلِيَّة، تختمها قاعدة أخرى ذهبية، ونتممها بفائدة بهية، وسأبدأ في مقالي هذا بذكر قاعدة وشرحها وأتبع باقي المقالات بباقي القواعد وشرحها بعون الملك الوهاب:

القاعدة الأولى

«فى حب النبى صلى الله عليه وآله وسلم وأن حُبَّه لا يقتضى تأليهه»، وهي الإجابة عن سؤال: هل حُب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أمْرٌ تَعَبُّدِىّ، أم وِجْدَانِىّ، وهل تُمْلِيه شَخْصِيَّتُه صلى الله عليه وآله وسلم والإفِاضَةُ الرَّبَّانِيَّة غير المحدودة فيه وحده والتى لم تُمْنَح لغيره؟ إلى غير ذلك من الأمور؟ وحقيقة الأمر أنه كل هذا وأكثر، فهو حب هابط على القلوب، يزرعه الإله، ويَرْوِيه الإنسان، وينمِّيه الدين، وتفرضه كل المناسبات والاعتبارات. إن حبنا لسيدنا صلى الله عليه وآله وسلم حب معانى، إلهى ربانى، لا حب صور، ومبانى، ولكنه لا ينفى ما فيه من حب لشكله وصورته صلى الله عليه وآله وسلم. وانتبه فمحبته صلى الله عليه وآله وسلم هى الأساس فى المحبة الإلهية، فهي التي أوصلتك إلى محبة الله لك: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ﴾[آل عمران:31]. ومن فضائل المحبة أن الله تعالى سَمَّى بها أحبَّ خلقِه إليه محمدا حبيبا لله، فصار الحبيب المحبوب، وكل ما يفعله المحبوب محبوب. وهذا الحب الإلهى هو السُّلَّم الذى يرقى بالعارفين، والحب سر الكمال، والحب عطاء، ولا عطاء من نقص ولا من ناقص، والحب فيض، والحب لا من محتاج. وفي الصحيحين: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا»، ولم يقل الله وحده أحب إليه مما سواه، بل قال «سِوَاهُمَا». فالسِّوَى والأغيار فى أمور العقيدة تختلف عنها فى أمور المحبة والتوجه، والمعاملات والسلوك والتطبيق، والطريق إلى الله، فالله تعالى هو الذى أوجب محبة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم. وهنا نتذكر قول شيخنا الإمام العلامة رضي الله عنه: «إن قِيَم الحب الأصيلة هى التى كانت تحكم أحداث عصر النبوة، ولن نستطيع أبدا أن نستوعب مثل هذه الحوادث والدلائل إلا إذا لبسنا نظارة الحب حتى نرى ونتذوق ونستمتع، حينئذ فقط يمكن فهم الأسباب والدوافع والحالة الشعورية والوجدانية التى عاشها الإنسان فى هذا المكان وفى هذا الزمان، نعم كان الصحابة يعيشون حالة حب دائمة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طاقة حب ورحمة وحنان ورأفة وَرِقَّة تسرى روحها فى كل شئ حتى الجماد .. فإن أردتم أن تُحَاكِمُوا أحدا فحاكموا الحب، واعدموه، هذا إن وجدتموه بينكم أو عرفتموه .. فالعاطفة هى الشئ الوحيد القادر على تحريك النفس بهذا الشكل .. وإن حبهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعلهم أحرص الناس على الاجتماع به وأخوف الناس من الافتراق عنه» .. والسؤال المهم: ما هى الوسيلة الناجحة والسبيل الواضح القريب للتشبع بهذا الحب وجنى ثماره اليانعة؟ والجواب: الصلاة على النبى صلى الله عليه وآله وسلم، فهى الوسيلة الدائمة التى يعبر بها المسلم عن حبه لرسوله فى كل وقت وحين. ومن ثم كان الحب هو النواة الأولى والركيزة الأساسية التى ينطلق منها الطريق إلى الله، ولما أدرك الفاروق رضي الله عنه ذلك قال: «فَلأَنْتَ الآنَ وَاللَّهِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِى»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «الآنَ يَا عُمَرُ»، والتطبيق نلمحه من توجيه شيخنا الإمام العلامة رضي الله عنه: «وَاجِهُوا الأكْوَانَ بِالْحُبِّ، وَاحْتَووهم بِالْحُبِّ، حتى ولو اختلفوا معكم».