
الرد على أجنبية مصدر التصوف (2) ادعاء المصدر الفارسي
د. يوسف زهرانهذه المقالات مأخوذة من رسالة الدكتوراه للباحث في الموضوع نفسه
والقائلون بالرأي أن مصدر التصوف فارسي استندوا لأمرين: أولهما وجود مشايخ فرس أثروا في التصوف، وثانيهما: تأثير الثقافة الفارسية في التصوف .
من القائلين بهذا الرأي المستشرق لويس ماسينيون (توفي سنة 1962م) الذي يُرجع مصدر التصوف إلى أديان وحضارات عدة منها الحضارة الفارسية، والمستشرق رينولد ألين نيكلسون .
تحليل نظرية المصدر الفارسي:
ومرد هذه النظرية راجع إلى أمرين: وجود مشايخ صوفية من فارس، لهم أثر وتأثير في التصوف، ووجود صلات اجتماعية وثقافية وسياسية قديمة بين العرب والفرس، أثرت في التصوف، وهما أمران، لا يقطعان بتأثر التصوف بالثقافة الفارسية.
أما عن القول: بتأثير المشايخ الفارسيين؛ فالتصوف قد انتشر في بلاد الإسلام: العراق، وفارس، والجزيرة، ومصر، وإفريقيا، فلمَ التركيز على مشايخ فارس فقط؟!، أوليس كل المشايخ من كل البلاد لهم تأثير فيه؟!، فالقول بأن التصوف مستمد من أصل فارسي؛ لأن فريقًا كبيرًا من شيوخ الصوفية كان من أصل فارسي، فهذا ما يحتاج إلى بحث دقيق، يقول د/ طلعت غنام: لقد كان لكثير من صوفية الفرس آثار ومعالم واضحة في التصوف الإسلامي؛ مثل معروف الكرخي، وأبي يزيد البسطامي، غير أنه لا يمكن القول بأن تطوير الحركة الصوفية، وازدهار الحياة الروحية، يرجع إلى صوفية الفرس وحدهم، وإنما كان لغيرهم جهود قوية شاركت في هذا المضمار، أمثال أبي سليمان الداراني من العراق، وأمثال ذي النون المصري من مصر، كما أننا لا ننكر أنه كان هناك من صوفية العرب أنفسهم من كان له أثر كبير في صوفية الفرس، مثل محيي الدين بن عربي، وشرف الدين عمر بن الفارض، وكلاهما عربي أصيل، وقد كان لهما فضل كبير في إقامة التصوف الثيوزوفي (الثيوصوفية: معرفة الإله من خلال التأمل والمعرفة الإشراقية الكونية، ومعنى المصطلح: الحكمة الإلهية) على دعائم قوية، فيها طرافة روحية، وحِدَّة فلسفية، وقد أثر ابن عربي تأثيرا قويا في تصوف صوفية فرس، أمثال العراقي ، وأوحد الدين الكرماني، وعبدالرحمن الجامي، وقد اهتم صوفية الفرس بمؤلفاته خاصة "فصوص الحكم" .
وهذا كله ينتهي بنا إلى أن مصدر التصوف الإسلامي لم يكن فارسيا كله، وقد كان لصوفية الفرس دور وأثر فيه، كما كان للعرب دور فيه، حيث اختلط العرب والفرس وامتزجت عقائدهم، وتضافرت جهودهم، فقد كان للصوفية العرب دور وتأثير أكبر من تأثير مشايخ التصوف من الفرس .
وأما عن القول بوجود صلات اجتماعية، وثقافية، وسياسية قديمة بين العرب والفرس أثرت في التصوف، فـإن اتصال العرب بالفرس وإن كان صحيحا من الناحية التاريخية، فإننا وكما يقول د/محمد مصطفى حلمي: لا نستطيع أن نتبين في وضوح أن العقائد الدينية الفارسية، والأنظار الفلسفية قد انتقلت عن طريق هذا الاتصال، في صورة واضحة إلى العرب، وتغلغلت في نفوسهم تغلغلا قويا؛ يمكن أن يُقال معه: إن التصوف بصفة خاصة، كان أثرا من آثاره، وثمرة من ثماره .
كذلك فإن التشابه لا يدل دلالة قوية على أن المصدر الأول للتصوف الإسلامي كان فارسيا، ولعله إن دل على شيء فإنما يدل على أن الصلات الثقافية والدينية التي نشأت بين الفرس والعرب – وقد انضووا جميعا تحت لواء الإسلام – ترتب عليها أن اختلطت الأفكار والعقائد – وخاصة بعد عصر الترجمة (في بداية الخلافة العباسية عموما، وخصوصا خلافة المأمون، في أيامه ترجمت أغلب كتب اليونان العلمية والفلسفية، توفي سنة 218ه)– والمذاهب، وتفاهمت العقول والنفوس، وشارك العرب من ناحية، والفرس من ناحية أخرى في دعم الحياة الروحية في الإسلام، في مختلف صورها، التي وجدت بذورها الأولى في أرض الجزيرة العربية، والأثر الفارسي في الحياة العربية، لم يثبت تأثيره قبل الإسلام، كما أنه لم يثبت أن النظريات الفارسية انتشرت في بداية عصر الإسلام، أو تأثر المسلمون بها، وبهذا يتبين لنا أن الأثر الفارسي لم يوجد إلا بعد دخول الإسلام بلاد فارس، وحدث التأثير والتأثر الطبيعي بين المسلمين وبعضهم بثقافاتهم المختلفة، ولم يترتب على هذا الأثر نشأة التصوف، بل من تصوفوا أدخلوا في تصوفهم شيئا من ثقافاتهم السابقة.
وهكذا: يتبين لنا بطلان هذه النظرية، التي اعتمدت على أمرين: أولهما وجود مشايخ فرس أثروا في التصوف، وثانيهما: تأثير الثقافة الفارسية في التصوف؛ لأن مشايخ التصوف فيهم عرب، كما فيهم فرس، بل العرب أسبق من الفرس، وتأثيرهم ملموس وواضح، يؤكد الأصل العربي، أما عن دخول الثقافة الفارسية، فهي قد دخلت على الثقافة الأصلية لبلاد الإسلام، بعد فتح فارس، وبعد أن أصبحت بلدًا إسلاميًّا، من الطبيعي أن ينضوي تحت لواء العالم الإسلامي، ويكون بينه وبين باقي الأقطار تأثير، وتأثر؛ لكنه لا يرقى إلى درجة أن يكون مصدرًا للتصوف . يتبع .
المراجع:
دائرة المعارف الإسلامية (التصوف) لويس ماسينيون، د/مصطفى عبدالرازق، ترجمة/إبراهيم خورشيد .
تراث الإسلام، تأليف: جمهرة من المستشرقين بإشراف سير: توماس آرنولد، ترجمه: جرجيس فتح الله .
أضواء على التصوف د/طلعت غنام .
الحياة الروحية في الإسلام د/ محمد مصطفى حلمي .