
الروضة الزكية في بعض الأوصاف والخصائص المحمدية (3)
د. حسن عباس زكيسلسلة مقالات مقتطفة من كتابه بنفس العنوان
من أوصافه صلى الله عليه وآله وسلم الجسمية:
ومن أوصافه عن الحسن بن علي رضى الله عنه: (( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخمًا مفخمًا، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب عظيم الهامة، إن انفرقت عقيصته فرق وإلا فلا، يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره، وكان واسع الجبين ، أزج الحواجب، سوابغ فى غير قرن، وكان صلى الله عليه وآله وسلم بين حاجبه فرجة دقيقة، اقني العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله قبة، أشم، كث اللحية سهل الخدين، ضليع الفم، مفلَّج الأسنان، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة معتدل الخلق )).
البيان:
أي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عظيمًا في نفسه، وعظيمًا معظمًا فى صدور الصدور، وعيون العيون، لا يستطيع مكابر ألا يعظمه، ولم يرد بالفخامة فخامة الجسم وإن كان ضخمًا في الجملة لأنه لم يكن نحيفًا وزادت الضخامة في آخر عمره، لما آتاه الله جميع سؤله، وأراحه من غم أمته. قال بعض العارفين : كلما تذكرت كثرة أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وما اختصهم الله به، ازددت سمنًا، أما ما ورد من أن الله يبغض السمين، فمحمله؛ إذا نشأ عن غفلة وكثرة نعمة حسية.
المشذب: الطويل البائن، الهامة: وسط الرأس، العقيصة: العقيصة شعر الرأس، إن انفرق شعر رأسه، ألقاه إلى جانبي رأسه، أى إذا انفرقت عقيصته وانشقت بنفسها تركها على انفراقها، وإن لم تنفرق بنفسها فلا يفرقها، بل يتركها معقوصة.
يجاوز شعره شحمة أذنيه: إذا جعل شعره وافرًا وأعفاه عن الفرق وكان صلى الله عليه وآله وسلم يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رءوسهم، وكان أهل الكتاب يسدلون رءوسهم، وكان يحب موافقة أهل الكتاب، فيما لم يؤمر فيه بشيء ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسدل الشعر أي إرساله، على الجبين واتخاذه كالقصة، أما فرقه: فهو فرق بعض عن بعض.
وكان واسع الجبين أي واضحه، وممتده، طولًا وعرضًا، أزجّ الحواجب: أي مقوس الحواجب مع طول في طرفه. وكانت حواجبه سوابغ: أي أن حاجبيه قد سبغا حتى كادا يلتقيان ولم يلتقيا: وإلا كان أقرن الحاجبين، والقرن غير محمود عند العرب، وكان بين حاجبيه فرجة دقيقة، بل كان بينها عرق بدره الغضب أي يجعله الغضب ممتلئًا، أي ممتلىء العرق دمًا إذا غضب.
وكان أقنى العرنين أي طويل الأنف وهو إشارة إلى دقة أرنبته وحدب في وسطه، ولأنفه نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله قبة في وجهه صلى الله عليه و آله وسلم، وكان أشم الأنف أي مرتفع القصبة مع استواء أعلاها وإشراف الأرنبة قليلًا، وإنما كان كذلك لحسن قناه، ولنور علاه، بحيث يمنع الناظر من التفكر فيه، ولو أمعن النظر حكم بأنه ليس بأشم.
وكان صلى الله عليه وسلم كثَّ اللحية، أي غليظها، وقيل كان كث شعر الرأس واللحية وقد وصفه بعض الصحابة، بأن لحيته قد ملأت من ها هنا إلى هنا، ومد بعض الرواة يديه على عارضيه.
وكان صلى الله عليه و آله وسلم سهل الخدين، أي سائل الخدين غيرمرتفع الوجنتين، ضليع الفم أي عظيمه وقيل واسعه، وفيه إيماء إلى قوة فصاحته، وسَعة بلاغته، مفلج الأسنان منفرجها والمراد الثنايا أي مفتوحها.
كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة أي رقبته صورة مصورة من عاج ونحوه، والمقصود بيان أن طول عنقه في غاية الاعتدال، ويراد المبالغة في الحسن، فكأنه يقول: كأن عنقه عنق غزال أبيض في صفاء الفضة.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم معتدل الخلق، أي أعضاؤه متناسبة، غير متنافرة لأن الله جمله خلقًا وخُلُقًا، فلا إفراط ولا تفريط. (يتبع)