السنة الخامسة رمضان 1446 هـ - مارس 2025 م


د. حسن عباس زكي
الروضة الزكية في بعض الأوصاف والخصائص المحمديَّة (6)
د. حسن عباس زكي

استكمالًا لخصائص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

سأل رجل البراء بن عازب، أكان وجه رسول الله مثل السيف؟ قال البراء :«لا، بل مثل القمر، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض كأنما صيغ من فضة».

البيان

سأل رجل البراء بن عازب هل كان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف في الحسن واللمعان أو في الامتداد والطول ؟ فقال البراء لا ، أي لم يكن مثل السيف بل مثل القمر في نورانيته ثم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض كأنما صيغ من فضة، أي سبك وصنع من فضة حيث يعلو بياضه نور وإضاءة وفي هذا التعبير إيماء إلى حسن خلقه وتماسك أجزائه، وتناسب أعضائه، ونورانية وجهه وسائر بدنه فكان أبيض مقبولًا غاية القَبُول.

روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : «عرض علي الأنبياء، فإذا موسى عليه السلام ضرب من الرجال، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى بن مريم عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهًا عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم عليه السلام ، فإذا أقرب من رأيت فيه شبها صاحبكم (يعني نفسَه) ورأيت جبريل فإذا أقرب من رأيت به شبها «دحية».

 البيان

قوله « عُرِضَ علي الأنبياء، فيه إيماء إلى أفضليته صلى الله عليه وسلم إذ لم يعرض هو عليهم فإنهم كالحشم له والعسكر تعرض على السلطان، وذلك العرض ليلة الإسراء كشف له عن صور أبدانهم، وقيل رآهم فى المنام على صورتهم الحقيقية، التي كانوا عليها في حياتهم، لأنه ثبت أن الأنبياء أحياء في قبورهم

وقوله «فإذا موسى ضرب أي خفيف اللحم، وقوله من رجال شنوءة اسم قبيلة معروفة من اليمن وهم المتوسطون بين الخفة والسمن والظاهر أن المراد تشبيه صورته بهم لا تأكيد خفة اللحم، وقيل إنه يشبههم في طوله وسمرته.

ورأيت عيسى عليه السلام قريب الشبه بعروة بن مسعود وعروة بن مسعود شهد صلح الحديبية كافرًا ثم أسلم وفى رواية لمسلم فإذا هو (أي عيسى) ربعة أحمر كأنه خرج من ديماس، أي حمام . وفي رواية كأن له أدمة وحمرة، وفي رواية أنه قال «وعيسى جعد مربوع» وفي رواية «أحمر جعد عريض الصدر مضطرب» والمضطرب الطويل غير الشديد وقيل : الخفيف اللحم.

 ورأيت إبراهيم عليه السلام فإذا هو أقرب شبهًا بصاحبكم يعني نفسه صلى الله عليه وسلم. وفي رواية "وأنا أشبه ولد إبراهيم به".

ورأيت جبريل فإذا هو أقرب شبهًا بدحية وهو ابن خليفة الكلبي من كبار الصحابة لم يشهد بدرًا وشهد ما بعدها، وبايع تحت الشجرة وكان ممن يضرب به المثل في الحسن والجمال

قال: سمعت أبا الطفيل يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما بقي على وجه الأرض أحد رآه غيري قلت: «صفه لي» قال : (كان أبيض مليحًا مُقَصَّدًا صلوات الله عليه) .

البيان

قوله «على وجه الأرض احترز به عن عيسى والخضر، وقوله «غيري» أي من البشر، وأبو الطفيل هو آخر مَن مات مِن الصحابة وكانت وفاته سنة عشر ومائة من الهجرة. وقوله مليحًا : أي حسنا وقيل الملاحة بمعنى الصباحة ، وقوله مُقَصَّدًا ، بضم الميم الموثق الخلق.

«فائدة» قال صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر : «ما بقي على الأرض من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة وهي حية» وهذا يوافق ما جاء عن أبي الطفيل بالنسبة لزمن وفاته وإن قيل ، وماذا عن الخضر؟ والجواب أن الخضر كان على وجه الماء حين أخبر النبي فهو مستثنى. وهذا جواب لا ينفع، لأن الحديث إنما قصد به ألا يبقى على وجه الأرض من كان في زمانه لا أنه لا يبقى ممن على وجه الأرض مطلقًا

عن ابن عباس قال : (كان رسول الله أفلج الثنيتين، إذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه) .

البيان

المراد بالفلج الفرقة بقرينة - نسبته إلى الثنايا فقط، إذا الفلج فرجة بين الثنايا والرباعيات والفرق فرجة بين الثنايا ، والفلج بالتحريك تباعد بين الأسنان. وقوله : إذا تكلم لظهور النور الحسي والمعنوي، قوله (رئي) بالمبني للمجهول، ولم يقل رأيت، إشارة إلى أن الرؤية لم تكن مختصةً بأحد، وقوله (كالنور) أي مثله.