
الروحانية في زمن التكنولوجيا (3)
خالد محمد غزتمهيد
بينا فيما سبق من مقالات كيف أن الله تعالى خلق الكون بتوازن دقيق، وكيف أن الإنسان أحدث خللاً في ذلك التوازن لعناصر ثلاثة رئيسية جمعناها فيما أطلقنا عليه (المثلث الذهبي) أثرت على روحانية الإنسان، وفي سبيلنا لتفصيل كل عنصر وبيان كيف يؤثر على الروحانية، سوف نبدأ في هذا المقال بالعنصر الأهم والأكثر تأثيرًا وهو البيئة الكونية متمثلة في الكهرومغناطيسية وسوف نذكر في البداية الأصل الذي كانت عليه البيئة الكونية ومن ثم سوف نسترسل في رصد التغيرات الكونية التي أثرت سلبيًّا على صحة الإنسان البدنية والروحانية خلال القرن الحالي والتي نتجت عن اختلال مغناطيسية الأرض والشمس.
اختلال الميزان العام للمغناطيسية الكونية زاد من نسبة الإشعاع:
وقعت تغيرات كونية في ميزان المغناطيسية للأرض وذلك بسبب ما قام به الإنسان من استخراج بلايين الأطنان من المعادن الخام وأحاط الأرض بشباك من الشبكات المعدنية الضخمة واخترع الغواصات وسيرها في أعماق البحار وحلق بالطائرات والسفن الفضائية في السماء.
ومما لا شك فيه أن كل ذلك كان له من التوابع ما أفسد البيئة التي خلقها الله بنظام محكم وأخل بالميزان الرباني وكان من ضمن المظاهر السلبية لذلك الإخلال بالوضع الجيومغناطيسي للأرض.
إلى جانب حدوث شذوذات للمغناطيسية الشمسية أدى إلى زيادة الإشعاعات الساقطة على الأرض والتي تفوق تحمل الإنسان لها، وقد أظهرت الدراسات تعرض الإنسان لزيادة عالية ومتضاعفة من نسب الإشعاعات الكهرومغناطيسية بلغت مضاعفاتها وَفق التقديرات والأبحاث العلمية ما يصل إلى (1810) مرة عند 1جيجاهيرتز خلال المائة عام[1] الماضية فقط كما هو واضح من الرسم البياني وأن هذه النسب مرشحة للزيادة مستقبلاً.

التغيرات الكونية في المغناطيسية:
ومن الجدير بالذكر أن التغيرات الكونية التي طرأت كان لها من التأثيرات المباشرة وغير المباشرة ما أضرَّ بتوازن الإنسان وبروحانيته كما سنثبت، ونرى أن التأثيرات المختلفة للكهرومغناطيسية التي نشأت عن تدخل الإنسان بما اخترعه من أنظمة مختلفة كأنظمة البث الإذاعي والتلفزيوني واللاسلكي وغيرها بالإضافة إلى الأجهزة المختلفة كالهواتف المحمولة وأجهزة الحاسب الآلي وغير ذلك الكثير.
وسوف نبين في هذا الباب التأثيرات الناشئة عن التغيرات الكونية في المغناطيسية بسبب ما طرأ عليها من شذوذات، والتي منها تغيرات حدثت في المغناطيسية الطبيعية للكرة الأرضية، والمجال الشمسي والكوني، وسنبين أثر ما طرأ من تلك التغيرات على الإنسان وعلى روحانيته بشكل خاص، لذا سنلقي في البداية نظرة على مفهوم المجال المغناطيسي للأرض وأهميته ثم نوضِّح تأثيره على الجانب الروحاني لدى الإنسان.
أهمية المجال المغناطيسي للأرض:
المجال المغناطيسي للأرض يعمل على حمايتها وبالتالي على حماية الكائنات الحية التي تعيش عليها من الرياح الشمسية التي تأتي إلى الأرض بشكل دائم وتكون محملة بالجسيمات المشحونة الضارة، وعند اقتراب تلك الجسيمات إلى الأرض يزيحها المجال المغناطيسي إلى أجواء الفضاء بعيداً عن الأرض.
ولكن هذا المجال هو الآخر قد تأثر لأسباب عديدة فحدثت له شذوذات سوف نبينها، فكان لتلك الشذوذات آثار سلبية على ذلك الدرع الذي جعله الله تعالى حماية للكرة الأرضية بمن عليها ضد المخاطر الخارجية التي تهدد الأرض وبخاصة الإشعاعات الكونية، وقد نال الإنسان من ذلك الأثر الشيء الكبير كما سنوضح لاحقاً.
انقلاب المجال المغناطيسي للأرض والدمار المنتظر[2]:
هذا وقد كثر الحديث حول المغناطيسية الأرضية واحتمالات حدوث انقلاب لقطبيها المغناطيسيين فيصبح قطبها المغناطيسي الشمالي جنوب الكرة الأرضية وقطبها المغناطيسي الجنوبي شمال الكرة الأرضية.
والذي سينقلب (ينعكس) هما قطبا المجال المغناطيسي الأرضي وليس قطبي الأرض الجغرافيين والذي تصوره الكثير من سكنة الأرض متوهمين لدى سماعهم التقرير الذي نشرته وكالة (ناسا) الفضائية المتضمن خبر قرب وقوع الحدث المذكور بغضون أقل من (100) سنة والذي دفع بعضهم إلى التحدث بقلق عن أن الشمس ستشرق من جهة الغرب لتغرب من جهة الشرق وكثرت معه الأقاويل والحكايات المُبَالَغ فيها والتي تبعث على الرعب والفزع.

الانقلاب القطبي المغناطيسي للشمس:
وفيما يخص الانقلاب القطبي المغناطيسي للشمس[3] فهو على علاقة مباشرة بدورات البقع الشمسية SUN SPOT CYCLES والتي قد يبلغ حجم إحداها حجم الأرض وتحدث كل (۱۱) سنة تقريباً وتؤثر على أنظمة الإشعاع والحرارة والضغط الجوي وتوزيع الرياح والاتصالات . . . إلخ.

كيف تولدت المغناطيسية الأرضية[4]
ولتوضيح هذا الموضوع لا بد لنا من بيان كيفية تولد المغناطيسية الأرضية وأهميتها وعن المخاطر المحتملة فيما إذا حصل ما أوردته وكالة (ناسا) الفضائية من احتمال الانقلاب وهو لا يعنى بأي حال من الأحوال انقلاب في قطبي الأرض الجغرافيين ولا يخص مدارها ولا دورانها.
لتوليد مجال مغناطيسي وحسب النظرية الديناميكية (الكهرومغناطيسية) يلزم وجود تيار كهربائي ومادة مغناطيسية، ولمعرفة سبب المغناطيسية الأرضية فلا بد من توافر تيار كهربائي وموصل يسمح بحركة الشحنات خلاله ومادة مغناطيسية داخل الكرة الأرضية وهذا كله موجود فيها، فالأرض مكونة من عدة طبقات على وفق تقسيم جيولوجي معروف وقلب الأرض (اللب) محاط بطبقة سميكة ساخنة هي الطبقة الخارجية للب والذي تتكون من منصهرات معدنية كالحديد وخاماته والنيكل وقليل من الكبريت والسليكون وبعض من نظائر عناصر مشعة كاليورانيوم والثوريوم.
أما التيار الكهربائي فهو ينتج من الدوران السريع للكرة الأرضية حول نفسها والذي يجعل المنصهرات المعدنية في القشرة الخارجية للنواة تتحرك يضاف إليه ما ينتج جراء حركة تيارات الحمل في المنصهرات التي درجة حرارتها تفوق 5000 درجة مئوية، هذه الحرارة العالية موجودة أصلاً في القشرة منذ نشوء الأرض، وجزء أصغر كثيراً من هذه الحرارة ينتج من النشاط الإشعاعي للعناصر المشعة فيها.
ولأن درجة الحرارة مرتفعة جداً فإن تيارات حمل تحصل في هذه المنصهرات التي تتحرك وكأنها ماء يغلي وهذه العوامل مجتمعة تشترك في توليد التيارات الكهربائية التي تسري في مادة القلب الموصلة.
التيارات تلك عملت بمحصلتها (وما زالت) على تمغنط المكونات داخل الكرة الأرضية عبر حقب زمنية مرت على الأرض منذ تكونها وتمخَّض عنها مغانط باتجاه واحد مشكلة القطبين المغناطيسيين للأرض (القطب المغناطيسي الشمالي والقطب المغناطيسي الجنوبي).
وجدير بالذكر أن نسبة ضئيلة من هذا التأثير المغناطيسي (6%) ينتج من حركة التيارات الكهربائية في منطقة الأيونوسفير أعلى الغلاف الجوي للأرض، أما الديناميكية اللازمة لتوليد المقدار الأكبر من هذا التأثير فناتج من تأثير العوامل الداخلية.
يؤكد الجيولوجيون في بحوثهم أن القطبية المغناطيسية الأرضية كانت على عكس اتجاهها الحالي وأنه حصل فيها انقلاب قبل حوالي 786000 عام، وعادة ما يحافظ المجال المغناطيسي الأرضي على شدته لآلاف وربما لملايين السنين ثم تضعف شدته ثم ينقلب اتجاهه في عملية تدريجية بطيئة تستغرق حوالي 2000 عام أو أكثر.
الطفرة التي حدثت في الانقلاب المغناطيسي للأرض:
إلا أنه قد تبين للعلماء نتيجة للدراسات والبحوث أن هذا الأمر كان قد حدث مرة بسرعة كبيرة غير متوقعة إذ استغرقت عملية الانقلاب حوالي (100) عام مما جعلهم في دهشة وحيرة.
ويعزو العلماء السبب الحقيقي في اختلاف قيمة واتجاه المجال المغناطيسي الأرضي ثم انقلابه إلى عدم انتظام حركة المنصهرات في القشرة الخارجية للب الأرض (وهي نفسها مسؤولة عن الحركة الاهتزازية لها)، لذا ستنخفض زاوية الميل المغناطيسي إلى الصفر ومن ثم ترتفع ثانية بالاتجاه الآخر (الجديد) إلى أن تعود إلى قيمتها السابقة معكوسة ولا يوجد حتى الآن تفسير لتغير اتجاه حركة المنصهرات في المنطقة التي تحيط بلُبِّ الأرض والتي تؤدي إلى الانقلاب.
يقول(جيرمي) عالِم الفيزياء في جامعة هارفارد إنه من الممكن عودة قوة المجال المغناطيسي الأرضي إلى ما كان عليه ربما بعد عشرة آلاف عام من الآن، وقد يستمر هذا المجال المغناطيسي بالضعف ويحدث الانقلاب، والدلائل الحديثة تشير الى أن قيمته تنخفض بصورة منتظمة ومنذ عام (1835) بصورة أسرع عشر مرات عما كان عليه سابقاً.
وعلى هذا الأساس فلا بُدّ أن تصل قيمة المجال المغناطيسي إلى الصفر خلال بضعة آلاف من سنين قادمة وقد يبقى منقلباً رأساً على عقب أو ربما يعود إلى حالته الأولى ومن الممكن أن يقترن هذا الانخفاض التدريجي للمجال المغناطيسي الأرضي قبل انعكاسه إلى مشكلات مؤذية لسكان الأرض وبقية الكائنات الحية.
تاريخ الانقلابات القطبية المغناطيسية للأرض:
من خلال دراسة النماذج الصخرية في قيعان البحار تم حساب 171 حالة انقلاب في القطبية المغناطيسية للأرض خلال 76 مليون سنة الماضية، تسع منها حدثت فقط خلال الأربع ملايين سنة الماضية، وأطول فترة متواصلة لثبات القطبية كانت قد تجاوزت ثلاث ملايين سنة، في حين أقصر فترة هي (50) ألف سنة.
في أثناء فترة الانقلاب يتشوه المجال المغناطيسي تدريجياً ويتوزع إلى مجالات مغناطيسية متعددة الأقطاب خلال فترة مخاضه.
الهزات المغناطيسية[5] :

ونلاحظ من هذه المنحنيات أنه كان هناك عدد من التغييرات في الماضي، ولا سيما في حوالي عام 1925 و 1969 و 1978 و 1992 وتُعرف هذه التغييرات المفاجئة باسم الهزات أو "النبضات" ، وفي الوقت الحاضر ليست مفهومة جيدًا وبالتأكيد لا يمكن التنبؤ بها.
بينا في هذه المقالة كيف الحالة التي كان عليها الكون في توازنه الذي فطره الله عليه وخصصنا الحديث عن الحالة الكهرومغناطيسية بالذات واستعرضنا تلك التغيرات التي رصدت وثبتت علمياً وبينا طبيعة الانحرافات الحادة التي وقعت على مدار الزمن، وفي المقالة القادمة سنبين بمشيئة الله أهمية المجالات المغناطيسية للإنسان وكيف تزامنت الانحرافات الحادة التي لحقت به مع ما طرأ من تعديلات أدخلها كبار المرشدين الروحيين من شيوخ الصوفية فإلى لقاء .... يتبع
[1] بحث عن التلوث الكهرومغناطيسي تم نشره في 15 سبتمبر 2016 بواسطة Jan Cisek - Feng Shui Consultant
[2] من مقالة نشرت على موقع مؤسسة النور للثقافة والإعلان بتاريخ 3/7/2016
[3] انقلاب المجال المغناطيسي للأرض والدمار المنتظر / المرجع رقم 13
[4] مقالة نشرت على موقع مؤسسة النور للثقافة والإعلان بتاريخ 3/7/2016
[5] هذه البيانات تم الحصول عليها من موقع british geological survey