السنة الرابعة ربيع الأنور 1446 هـ - سبتمبر 2024 م


خالد محمد غز
الروحانية في زمن التكنولوجيا (5)
خالد محمد غز

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله على حضرته وآله وسلم.

   تحدثنا في المقالات السابقة حول مدى خطورة التعرض للموجات الكهرومغناطيسية وأثر ذلك على حالة الإنسان البدنية عموماً وعلى روحانيته خصوصاً، وبينا كيف أن السادة شيوخ التسليك قد تنبهوا إلى تلك المتغيرات ومدى وطأتها على نفس المريد السالك فأوصوا بزيادة ملائمة في عدد الأذكار لمجابهة تلك التأثيرات وتلافي أثرها على نفس السالك.

   واليوم نبين كيف أن هناك متغيرات أخرى قد استجدت على البيئة العامة بعد ذلك التوقيت الذي شهد زيادة عدد الذكر سوف نبينه لنلفت الانتباه إلى أهمية إعادة النظر مرة أخرى في هذا الأمر.

من تلك المتغيرات ما طرأ من زيادة في نسب الكهرومغناطيسية بسبب ما استحدثه الإنسان في نمط حياته ووسائل معيشته وعل سبيل المثال لا الحصر سنذكر بعضه.

 أولا: الاستخدام المفرط للأجهزة الكهربية والإلكترونية زاد من حدة التعرض للكهرومغناطيسية

    مع نهايات القرن التاسع عشر حدثت ثورة تكنولوجية كبيرة بدأت باكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية واختراع التلغراف اللاسلكي على يد ماركوني[1] وما تلا ذلك من اختراعات أخرى مثل الراديو والتلفزيون وأنظمة الاتصالات والهواتف المحمولة والرادار وحدثت زيادة كبيرة في استخدام الأجهزة والمعدات الحديثة.

  بالإضافة إلى ما تم اختراعه من معدات وأجهزة كهربائية وأجهزة الكمبيوتر والمحمول ووسائل النقل مثل الطائرات والمترو....إلخ، وقد أصبحت تلك المستجدات منتشرة في كل مكان وبات لا غنى عنها للإنسان حيث صارت من الأشياء الضرورية لحياته فضلاً عمَّا قدمته له التكنولوجيا من وسائل الرفاهية، إلَّا أن تلك التكنولوجيا وبرغم ما قدمته من خدمات للإنسانية كان لها من السلبيات ما يفوق -في رأيي- ما قدمته من خدمات بسبب ما صدر عنها من مُلوِّثَات بسبب الانبعاثات الكثيفة التي صاحبت آداءها وكان أخطرها في رأيي الانبعاثات الكثيفة والخطيرة من الموجات الكهرومغناطيسية بنسب تُمثِّل ملايين ضعف ما جُبَل الإنسان على تَحَمُّلِه.

الإنسان أصبح أسيراً للتكنولوجيا الحديثة وضحية لآثارها السلبية

وفيما يلي نموذج من قيم الإشعاعات الكهرومغناطيسية التي يتعرض لها الإنسان من بعض الأجهزة العادية التي يستخدمها في حياته الشخصية:

  

 

المصدر

البعد من المصدر بالقدم

( = 30.48 سم )

0.5

1

2

4

مجفف

الشعر

قيمة صغرى

1

-

-

-

قيمة متوسطة

300

1

-

-

قيمة عظمى

700

70

10

1

ماكينات الحلاقة الكهربائية

قيمة صغرى

4

-

-

-

قيمة متوسطة

100

20

-

-

قيمة عظمى

600

100

10

1

 

الخلاطات

 

قيمة صغرى

30

5

-

-

قيمة متوسطة

70

10

2

-

قيمة عظمى

100

20

3

-

فتاحات

العلب

 

قيمة صغرى

500

40

3

-

قيمة متوسطة

600

150

10

2

قيمة عظمى

1500

300

30

4

مجهز

القهوة

قيمة صغرى

4

-

-

-

قيمة متوسطة

7

-

-

-

قيمة عظمى

10

1

-

-

غسالة

الأطباق

قيمة صغرى

10

6

2

-

قيمة متوسطة

20

10

4

-

قيمة عظمى

100

30

7

1

مجهز

الطعام

قيمة صغرى

20

5

-

-

قيمة متوسطة

30

6

2

-

قيمة عظمى

130

20

3

-

 

أفران الميكروويف

قيمة صغرى

100

1

1

-

قيمة متوسطة

200

4

10

2

قيمة عظمى

300

200

30

20

 

مازجات الطعام

قيمة صغرى

30

5

-

-

قيمة متوسطة

100

10

1

-

قيمة عظمى

600

100

10

-

 

الأفران الكهربية

قيمة صغرى

4

1

1

-

قيمة متوسطة

9

4

-

-

قيمة عظمى

20

5

-

-

الثلاجات

قيمة صغرى

-

-

-

-

قيمة متوسطة

2

2

1

-

قيمة عظمى

40

20

10

10

 

مراوح السقف

قيمة صغرى

-

-

-

-

قيمة متوسطة

-

3

-

-

قيمة عظمى

-

50

6

1

مكيف

الشباك

قيمة صغرى

-

-

-

-

قيمة متوسطة

-

3

1

-

قيمة عظمى

-

20

6

4

 

المسجلات

قيمة صغرى

-

-

-

-

قيمة متوسطة

1

-

-

-

قيمة عظمى

3

1

-

-

 جدول يوضح قياس شدة المجال المغناطيسي المنبعث من بعض المعدات بالملى جاوس

 مع العلم أن المجال المغناطيسي يقاس بالجاوس وهو يساوي 10-4  تسلا وأيضا يساوي 0.0125 أمبيرا /متر ، وقد لوحظ أن جاوس واحداً قد يسبب تياراً كثافته حوالي ۱۰۰ نانو أمبير /سم2 في الجسم المعرض له، كما لوحظ أن مجالاً كهربائياً كثافته 1 كيلو فولت/متر  يسبب تياراً كثافته حوالي 30 نانو أمبير/ سم.

  وإلى الآن لا توجد بالولايات المتحدة الأمريكية قيمٌ مرجعية موحدة لمستوى المجالات الكهربائية والمغناطيسية فمعظم الولايات لم تضع قيماً محددة مسموح بها للمجالات الكهربائية والمغناطيسية، وقد حدد المؤتمر الأمريكي للصناعات الحكومية ۱۰ جاوس، 25 كيلو فولت/متر كقيم للمجال المغناطيسي والمجال الكهربائي المسموح لتعرض العمالة لها.

  وفي ولايتي نيويورك وفلوريدا الأمريكتين وضعت القيم 1.6 كيلو فولت / متر و۲۰۰ جاوس كقيم للمجالين الكهربائي والمغناطيسي على التوالي عند حافة المسار، بينما ولايات أخرى حددت 4 ملى جاوس كقيمة للمجال المغناطيسي مسموح التعرض لها، وبعض تنظيمات المدن والهيئات السويدية حددت 2.5 ملي جاوس كقيمة للمجال المغناطيسي مسموح التعرض لها.

  وهذه الدراسات ونتائج القياسات توضح لنا مدى الضرر الذي يتعرض له الإنسان العصري جراء الانبعاثات التي تحيط به من كل جانب حتى تكاد تحاصره، فمن ناحية يواجه كثافة متزايدة من شبكات الكهرباء والأجهزة والمعدات التي يستخدمها في حياته اليومية ومن ناحية أخرى لعدم تناسب النمط البنائي للمساكن التي يعيش فيها وكل ذلك أثَّرَ على وعيه وإدراكه ودرجة صفائه الروحي.

 ثانياً: تغير خامات البناء ونمط تصميم المباني زاد من نسب التعرض

 ولا يجب كذلك أن نتجاهل التغيرات التي حدثت في العمارة الحديثة وفي نمط البناء وقد أدخل عليه الخامات الصناعية واستُحدِثَت أنظمة الكهرباء والإضاءة والاتصالات ...إلخ، والتي كان لها من الآثار السلبية ما لا يخفى على أحد.

 كل ما مضى وأضعافه شَكَّلَ عِبئاً على الإنسان جراء ما تعرض له من وطأة وضرر بسبب الإشعاعات الكهرومغناطيسية الاصطناعية وأيضاً واكب ذلك حدوث اختلال بالمغناطيسية الأرضية والشمسية بشكل عام مما كان له بالغ الضرر على الإنسان.

   ومما لا شك فيه أن نمط العمارة الحديثة وما استحدث فيه من أشكال بنائية حديثة وخامات مصنعة وهيكلة بنائية بشكل عام وما أُدخِل عليه من أنظمة خدمية من شبكات كهرباء واتصالات بجانب ما حَوَتْهُ المباني في حاضرنا المعاصر من أجهزة ومعدات.

  "تشير أحد رسائل الدكتوراه[2] في مجال الكهرومغناطيسية وعلاقتها بالمباني خلال دراسة أجريت على عمليات رصد وقياسات لعدد 46 شقة، بأنه تلاحظ وجود اختلافات في قياسات كثافة الكهرومغناطيسية بين أنواع مختلفة من المباني .

  فعلى سبيل المثال تم إجراء مقارنة بين منازل الداون تاون (وسط المدينة) وبين المنازل السكنية متعددة الطوابق التي تم بناؤها حديثاً، وقد أظهرت النتائج أن القياسات كانت متفاوتة بشكل كبير مقارنة بأنواع المباني الأخرى.

    حيث تلاحظ أن كثافة الطاقة المقاسة في منازل الشقق في وسط المدينة هي عُشر كثافة الطاقة المقاسة في المباني السكنية، وأوضحت الرسالة أن هذا التفاوت في القياسات يرجع إلى اختلاف النمط الإنشائي المتمثل في ارتفاع الجدار، والاختلاف في نسبة الفتحات إلى ارتفاع الجدار وإلى الاختلاف في طرق التخطيط الحضري، كما لفتت الدراسة النظر إلى أنه يجب التفريق بين المباني السكنية المصنوعة من الطوب والتي بنيت قبل عام 1920 وبين المنازل المستقلة بذاتها عن الشقق السكنية.

نموذج لطراز المباني القديمة

سمك الجدار يغير من كثافة التعرض للإشعاعات:

  وكذلك وجد أن أدنى مستوى للمجالات الكهربائية والمغناطيسية كان في الجدار الذي سمكه 50 سم، وأن المستوى الأعلى من المجالات كان بالحوائط ذات سمك في نطاق 20-30 سم الذي يستخدم عادة في الهندسة المعمارية الحالية.

  وبإجراء المحاكاة الحاسوبية للجدار الخرساني المسلح من قضبان قطرها 1سم في الجدران الخرسانية مع إدراج شبكة فولاذية بكثافات شبكية مختلفة.

   من خلال هذا النموذج، وُجِدَ أن الشبكة الفولاذية 20 أو 10 سم المبنية بشكل تقليدي لها قدرة تدريع منخفضة جدًا، وبالتالي فإن المباني السكنية المبنية من الألواح الخرسانية المسلحة لا تعمل كأقفاص فاراداي.

جدول يبين درجات التوهين للكهرومغناطيسية لأنواع مختلفة من الحوائط

   أيضًا عند اختبار خصائص المواد وُجد أن جداراً من الطوب بسمك 50سم لديه قدرة حماية أفضل (7.74 ديسيبل) من جدار خرساني مقوى عبر سمك (5 × 5) سم من حديد التسليح (6.10 ديسيبل).

 

نمط البناء يؤثر بشكل كبير على درجة تعرض الإنسان للإشعاعات الضارة :

  معنى ذلك أن نمط البناء وتصميمه الهندسي يؤثر على درجة الحماية من الإشعاعات الكهرومغناطيسية، وبالتالي فإنه يجب وضع نظم وأكواد في البناء الحديث غير متوافرة في أعمال البناء الحالية والمباني القديمة كذلك لتقليل مخاطر التعرض مثل شبكات التدريع المعدنية وشبكات التأريض ...إلخ.

  وهذا يعني لنا أن الإنسان في عصرنا الحالي أصبح أكثر عُرضَة  للتلوثات الناتجة عن الإشعاعات الكهرومغناطيسية نتيجة ازدياد مصادر انبعاثات تلك الموجات وعدم وضع معايير هندسية للبناء لحمايته تكون متناسبة مع تلك الانبعاثات خاصة في أكثر الأماكن التي يقضي فيها أغلب وقته وهو بيته الذي يأوي إليه للراحة والسكن.

  ونستكمل بمشيئة الله تعالى في المقال القادم أمثلة أخرى تبين لنا كم ما أضيف من وطأة وعبء على الإنسان بسبب الطاقات الكهرومغناطيسية العديدة التي أثرت على الإنسان عموماً وعلى الذاكر لله خصوصاً.


[1]    وليلمو ماركوني، ساهم في اكتشاف الموجات كهرومغناطيسية اختراع الراديو، وهو مخترع الإبراق اللاسلكي. ولد في مدينة بولونيا بإيطاليا من أسرة غنية، ونجح ماركوني في اختراع جهاز خاص وذهب إلى إنجلترا وعرض الجهاز وسجله هناك وأنشأ شركة، وهو أول رجل أرسل واستقبل بنجاح الإشارات الإشعاعية على مختلف المسافات.

[2]    أطروحة رسالة دكتوراه تحت اسم The effect of the building constructions on the electromagnetic fields ( المرجع رقم 12 )