السنة الرابعة جمادى الآخرة 1446 هـ - ديسمبر 2024 م


خالد محمد غز
الروحانية في زمن التكنولوجيا (6)
خالد محمد غز

نستكمل في هذا المقال ما سبق وذكرنا بعضه من كم المتغيرات التي استحدثت في حياة الإنسان وكيف أنه بسببها تضاعفت حدة ووطأة الطاقة الكهرومغناطيسية على روحانية الإنسان.

ثالثاً: انتشار أنظمة الكهرباء زادت من وطأة الانبعاثات الكهرومغناطيسية

   يقول أ.د/ صلاح الدين عبد الستار [1] أستاذ الكهرباء بكلية الهندسة جامعة أسيوط في بحث له "إن الطاقة الكهربائية لها دور كبير وفعال  في التطوير والتنمية وتستخدم على نطاق واسع فى الحياة اليومية، ولوصول الطاقة الكهربائية للمستهلك يستعان بنظم التوليد والنقل والتوزيع ، وعادة ما تكون محطات التوليد بعيدة عن مكان الاستهلاك فيتم نقل الطاقة الكهربية بخطوط نقل هوائية ذات جهد عالٍ حتى يمكن تقليل قيمة الفقد في الطاقة الكهربائية نتيجة خطوط النقل ومن ناحية أخرى يتم أيضاً التوزيع داخل المدن الكبيرة بشبكة توزيع ذات جهد عالٍ أيضاً.

    وعادة يكون مسار خطوط نقل الطاقة الكهربائية المعلقة خارج المدن السكنية ذات جهود تبلغ قيمها 500 ، 220 ، 132 ، 33 كيلو فولت ، ونتيجة زيادة المناطق السكنية الجديدة وبدء الزحف العمراني نحو مسار تلك الخطوط فقد أصبحت خطوط نقل الطاقة الكهربائية بالفعل داخل التجمعات السكنية، وخطوط الجهد العالي لنقل وتوزيع الطاقة الكهربائية تضخ مجالاً كهربائياً ومغناطيسياً في الوسط المحيط بهذه الخطوط يتعرض له كل من يمر بالقرب من هذه الخطوط، وهذه الطاقة الكهربائية تغذي كتيار متناوب ذي تردد قيمته 50 هيرتز وعلى هذا يكون المجالان الكهربائي والمغناطيسي الناتجان  بتردد 50 هيرتز أيضاً وهو يصنف بين المجالات الكهرومغناطيسية ذات التردد شديد الانخفاضELF Extremely Low Frequency   والتي ثبت أن لها تأثيراً ضاراً على صحة الإنسان.

انتشار شبكات الكهرباء وزحف المدن إليها

   ثم يستطرد ويقول: "الناس عادة يحسون بالمجالات الكهربائية العالية التي تكون أكبر من 20 كيلو فولت / متر في صورة إحساس في الجلد بينما معظم الناس لا يشعرون بوجود المجال المغناطيسي ما عدا العالي نسبياً منه ومن حسن الحظ أن الأشجار والأجسام المؤرضة والمباني تعمل على حجب المجالات الكهربائية الناجمة عن خطوط القوى الكهربائية أو أي مصدر آخر بينما لا تحجب المجالات المغناطيسية.

   لأن حجب المجالات المغناطيسية ليس أمراً سهلاً ولكنه يحتاج لبعض المتطلبات الخاصة، ولأن المجالات الكهربائية تسبب حثاً كهروستاتيكياً في الأجسام التي تتعرض لها ينتج عنه تياراً يمر بالجسم وجهداً حثياً يؤثران عليه، كما يؤثر أيضاً على خلايا الجسم وهذا التيار المار بالجسم قد يؤثر فسيولوجياً على هذا الجسم وعند توصيل هذا الجسم بالأرض يتسرب هذا التيار إلى الأرض كما أن الجهد الناتج على هذا الجسم ينتج عنه شحنة كهربائية وعند لمس الإنسان لهذا الجسم تسري في جسده وقد تسبب له صدمة كهربائية نتيجة تفريغ الشحنات خلال جسم الإنسان، أما تعرض الجسم لمجال مغناطيسي يكون في صورة تيارات دوامية بالجسم تمر في حلقات أو دوائر عمودية على المجال المغناطيسي الناتج عن خطوط القوى الكهربائية كما يكون لهذه التيارات الأثر الفسيولوجي الضار على جسم الإنسان أيضاً إذا تعرض لها.

الشكل يوضح نظم التوزيع الكهربائية حيث تولد خطوط النقل حقول مغناطيسية أكبر من خطوط التوزيع ولكن يمين الطرق عادة ما تكون أوسع، لذلك عادة ما تؤدي خطوط التوزيع إلى حقول مغناطيسية أكبر في المباني ( مقتبس من G. Morgan،جامعة كارنيجي ميلون )

  كل تلك المستحدثات وبرغم المنافع التي قدمتها للإنسانية، إلا أنه قد صدر عنها من السلبيات ما شكَّل وطأة وخطورة على الإنسان وكان أشد ذلك خطورة عليه هو ما نتج من إشعاعات أثرت بالسلب على صحته وعلى إدراكه ووعيه وصفائه الروحي حتى إن بيته ومسكنه لم يَعُدْ يوفر له السكينة والهدوء النفسي والصفاء الروحي كمثل ما كانت عليه المساكن البدائية البسيطة التي كانت تُبنى من خامات طبيعية وغير مشحونة بالطاقات السلبية.

 رابعاً: خطر انتشار أنظمة إنترنت الأشياء (المدن الذكية)

   وقد حذرت دراسة حديثة[2] من أن ادخال نظم الرفاهية على المعمار الحديث من خلال إنترنت الأشياء "Internet of Things"[3] سوف يؤدي إلى زيادة الجرعات الضارة التي يتعرض لها الإنسان من موجات إشعاع التردد الراديوي (RFR) المستخدم في الاتصالات اللاسلكية وتقنيات البناء "الذكية"، وقد خلصت الدراسة إلى أن هناك حاجة ملحة لتنفيذ استراتيجيات لإدراج تقنيات تضمن منع أو خفض الانبعاثات الإشعاعية عند تصميم المباني بحيث تتضمن هذه الاستراتيجيات تثبيت شبكات الإنترنت السلكية (وليس اللاسلكية) .

انتشار استخدام (إنترنت الأشياء) يفاقم من مضار التعرض للإشعاعات الكهرومغناطيسية

 خطورة الموجات الحاملة (الناقلة)[4] carrier wave :

  ونبهت الدراسة كذلك إلى خطورة تلك التقنيات المتطورة التي في سبيلها للانتشار على مستوى العالم والتي تحاول أن تضفي مزيداً من الرفاهية على حياة الإنسان عبر ما يطلق عليه (إنترنت الأشياء) لتتيح للإنسان إمكانية التحكم في كل ما حوله ، فهذه التقنيات من ضروراتها وجود إشارات قوية تتيح التحكم السريع والفعال ويستعان في ذلك بما يطلق عليه الموجات الحاملة أو الناقلة وهنا مكمن الخطورة فهذه الموجات تفوق قيمة تردداتها المعلن عنها لكل نظام من أنظمة التحكم وغيرها ، وللعلم فإنه وإلى وقتنا الحالي لم يتم الاتفاق دولياً على القيم المسموح بها من نسب الموجات الراديوية لضمان سلامة الإنسان والبيئة المحيطة ، يضاف إلى ذلك استخدام الإنترنت 5g .

  وما لا شك فيه أنه سوف يحدث إغراق بالموجات الكهرومغناطيسية وبغزارة حال تنفيذ مقترحات المدن الذكية التي يتم التحكم بكل شيء بها عبر إنترنت الأشياء وعملياً من الصعب بمكان أن يتم تفادي مخاطرها.

  موجات الراديو وأمراض فرط الحساسية والسرطان :

    كما نوهت الدراسة إلى العديد من الأبحاث التي تشير إلى أن موجات RFR تعتبر سبباً محتملاً للإصابة بمرض السرطان -أعاذنا الله تعالى جميعاً منه- إلى جانب ما تسببه من أمراض الطفولة المبكرة وتلف الحيوانات المنوية والحامض النووي إلى جانب ما يطلق عليه فرط الحساسية للكهرومغناطيسية ، وقد ورد في دراسات كندية ما يدل على تضاعف خطر الإصابة وتطور الورم الدبقي للبالغين الذين استخدموا الهواتف المحمولة لمدة 558 ساعة مدى الحياة أو أكثر.

 مخاطر RFR  على الأمهات والأجنة والأطفال :

وهناك مؤشرات كذلك إلى خطورتها على الأجنة وحديثي الولادة والذين هم أكثر تأثراً من غيرهم البالغين ، وكانت هناك زيادة ذات دلالة إحصائية على حدوث أورام الدماغ والجهاز العصبي المركزي الخبيثة عند الأطفال والمراهقين في الولايات المتحدة ، فضلاً عن تأثيراتها المحتملة على التسبب بالإجهاض المبكر عند النساء الحوامل ، كما نوهت إلى تسببه في إحداث تأثيرات مستقبلية على التسبب في فرط النشاط عند الأطفال وأمراض سلوكية أخرى بجانب قلة الانتباه.

 تأثيرات RFR  على البيئة :

ونوهت الدراسة كذلك إلى أن هذه الموجات قد تؤثر على الحياة البيئية ، فيمكنها أن تشوش على البوصلة المغناطيسية للطيور والتي تعينها على الهجرة .

موجات الراديو تؤثر على نظام التوجيه المغناطيسي لدى الطيور

 التوصيات :

  وقد أوصت الدراسة في النهاية بضرورة مراعاة تنفيذ معايير علمية في أعمال البناء من خلال نظم التدريع والتأريض ونشر وتطوير الأنظمة السلكية بدلاً عن الأنظمة اللاسلكية الحالية .

أنظمة الحماية من موجات الكهرومغناطيسية التي يتم استحداثها :

 ومن الملاحظ أنه يتم تنفيذ وتطوير أنظمة تدريع وحماية على مستوى الدول المتقدمة نورد بعضها.

نموذج لمهد مصنوع من الخشب والنحاس لحماية الوليد
تدريع بشرائح نحاسية لأحد المباني لحماية المعدات به من التداخلات الموجية الخارجية

  انظر وتأمل معي أخي الحبيب مدى وقدر الكميات التي يتعرض لها الإنسان في عصرنا الحالي وكيف تضاعفت أضعافاً مضاعفة عن السابق حتى إن من له أدنى بصيرة قد استشعر مدى اختلاف البيئة الآن عن السابق ومدى ما طرأ من تغيرات على نفس الإنسان وروحانيته وأخلاقه بسبب ذلك، وكيف أن الإنسان يحاول جاهداً مواجهة تلك المتغيرات وتأثيراتها عليه


[1] بحث منشور بعنوان (التوسع العمراني والتلوث الكهرومغناطيسي في المباني )

[2]  دراسة بعنوان ( Building science and radiofrequency radiation: What makes smart and healthy buildings) لمجموعة من العلماءBuilding and Environment 176 (2020) .106324

[3]  يُعرف إنترنت الأشياء (Internet of Things – IoT)، بأنه نظام من أجهزة الحاسب الآلي المترابطة، والأجهزة الميكانيكية والرقمية، والأجسام، والحيوانات أو الأشخاص الذين يتم تزويدهم بمعارف فريدة ، وقدرة نقل البيانات عبر الشبكة دون الحاجة إلى تفاعل بين الإنسان والإنسان أو بين الإنسان والحاسوب، ما يتيح لك -في وقتنا الحالي- أن تدير منزلك بل ومشروعك الاستثماري عبر "إنترنت الأشياء" (عن موقع 360 مصر).

[4]  الموجة الحاملة : في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية ، هي شكل من الموجات (عادة ما يكون جيبيًّا) يتم تشكيله مع إشارة إدخال لغرض نقل المعلومات وعادةً ما يكون للموجة الحاملة هذه تردد أعلى بكثير من إشارة الدخل، وغرض استخدام الموجة الناقلة عادة ما يكون إما لنقل المعلومات عبر الفضاء كموجة كهرومغناطيسية (كما هو الحال في الاتصالات الراديوية) ، أو السماح للعديد من الموجات الحاملة بترددات مختلفة بمشاركة وسيط إرسال مادي مشترك بواسطة مضاعفة تقسيم التردد (مثل نظام تلفزيون الكابل) (موسوعة اللغة العربية Mimir ) بتصرف