
الشيخ
الشيخ. أيمن حمدي الأكبريشَيْخِي طَبِيبي وَأسـْتَاذِي وَيَصـْحَبُني
بالنُّصْحِ في الدِّينِ والدُّنْيَا لِمَنْجَاتي
والأمرُ والنَّهي مِنْ شَيْخِي لِيَسْلُكَ بِي
في غَيرِ طَاعَةِ نَفْسِي في المَلذَّاتِ
أمَّا عَن الإذْنِ فَهْوَ السرُّ إذْ يَسْرِي
شَرْط القَبُولِ والاسْتِعْدَادِ في الذَّاتِ
وَحَضْرَةُ الشَّيْخِ فِي الإجْلالِ مَا بَرَحَتْ
أمَّا الجَمَالُ فَمِنْ خَيْرِ البَريَّاتِ
والْوِرْدُ في السُّنَّةِ الغَرَّاءِ فَالْزَمْهُ
مِن الكتَابِ فَفِي القُرْآن قُربَاتي
وَوَارِدُ الشَّيْخِ لِلمَأذونِ يَلْزَمُهُ
شَرْطَ الحُضورِ بِدَفْعٍ للمُلمَّاتِ
وغَيْرَ شَيْخِكَ لَا تَصْحَبْ لِمَنْفَعَةٍ
فَالغَايةُ الجَّمْعُ في وَجْهِي وَأوْقَاتِي
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد، فينبغي على كل طالبِ عِلْمٍ طَلَب الأستاذِ، وهذا مما يُعلَم بالضرورةِ، ولمَّا كانَ العلْمُ باللهِ أسنى العلوم وأجمعَها، وأشرفَ الغاياتِ وأرفَعَها، كانَ طَلَبُ الأستاذ آكد عند أهلِ هذا الطريقِ؛ ويسمونه الشيخ.
وقد نبَّه الشيخُ الأكبر محيي الدين ابن العربي -قدس سره- إلى أن منزلةَ الشيخِ مِنَ العُلماء بالله، كمنزلةِ الطبيبِ مِن علماء الطبيعةِ، فيعلَمُ الطبيب الطبيعةَ مِن حيث تدبيرها للبدَن الإنساني، أمَّا العالِم بعلمِ الطبيعةِ، فيعرفها مُطلقًا وإن لم يكُن طبيبًا، وقد يكونُ الشيخُ مِن العُلماء بالله الراسخين، إلَّا أنَّ ما يلزمه من العلم من وجه شيخوخته هو ما يلزم النظر إليه في هذا المقام، فينبغي له أن يعرف علل النفوس وأدويتها، وما يُصلح الأمزجة وما يُفسدها، وما أثر الأزمنة والأمكنة والأغذية، ويعلم بواعث المريد ودوافعه ومصادر أفعاله، ويعلمُ الخواطرَ وأقسامها، وما مواطن التلبيس في الاعتقاد، وما مداخل الشيطان، وبما يدخل على المريد من كل جهة، ويعلم النظرة والأنفاس، ويميِّز أصناف الكشفِ، ويدرك مواطن التجلي، وكذا يعلم الحُجُبَ التي تحفظ العبد من إلقاء الشيطان.
ولا نطيل بذكر ما للشيوخ من العلوم؛ إذ الجامع لها أن يكون للشيخ ما يحتاج إليه المريد في السلوك، إذ ليس المقصود هنا الكلام عن علوم الشيوخ أو مقاماتهم، بل الغرض الإشارة إلى رتبة الشيخ؛ ولذا ذكرنا ما يلزمهم مِن كونهم أطباء دين الله، يحفظ الله بهم صحةَ عقائد المريدين، كما يحفظ بهم الشرع، وهم على مراتب ولا بد.
وكما أن الواجب على طالب سلوك الطريق إلى الله طلبُ الأستاذ الشيخ المربي، فالواجبُ على من وجدَه حِفظَ حُرْمَتِهِ، والوقوف عند ما حدَّهُ له مِن الأعمالِ والأذكار، والتفنُن في إتقانِ ما يُلقي إليه مِن فنونِ الرياضات والمجاهدات، وأن يجعل ذلكَ سِرَّا فلا يظهر به، ولا يُحدِّث نفسه بامتيازٍ عن غيرِهِ ممن هو مِن أهل الطريق، فإن ارتقى فلا يرى لنفسه درجة على أي مُسلم، بل لا يرى أنه أفضل من أي أحد لشهودِهِ انتساب الخَلْقِ لخالقِهم جلَّ شأنه، وقد قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه ورضي عنَّا بمحبته: "لم يبلُغ مِن الأمرِ شيئًا مَن لم يُوقِّرْ جميع الخلائق".
وعليه بعدمِ الالتفاتِ إلى غير شيخه مِن الشيوخِ، مع توقيرهم وحفظ قلوبهم واحترام المنتسبين إليهم، ويجعل اعتقاده أن كل ما يلزمه لا يأتيه من اللهِ إلا بواسطةِ شيخه الذي اختاره له، ولذا جعلَ أكثرُهم الاستخارة من شروط طلب الإذن في سلوك الطريق على يد الشيخ المعين.
ويعين الشيخُ المريدَ على كمال التوجه إلى الله تعالى، وللشيخ في هذا الشأن توجيهٌ بمقال وتوجُّه بحال؛ ويكون ذلك بنظر الشيخ إلى المريدِ من حيث استعداده لتحمل أنوار الواردات، أو تأهيله لحملها بالنصح والشرح والإرشاد، فإنَّهُ لا يقدر كل أحد على احتمالِ الأنوارِ لمَا يدخلُ على الذَّواتِ مِنْ ظُلُمات المخالفات، وحُجُب العادات.