السنة الثانية جمادى الآخرة 1444 هـ - يناير 2023 م


منى خليل المنقوش
التربية هي القدوة الحسنة
منى خليل المنقوش

نبهنا الله إلى أن الفعل هو القائد إلى معالي السلوك؛ فقال {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}، وورث هذا علماء التربية والسلوك في تهذيبهم مريديهم والسالكين طريق الله، فلم يكثروا من الأقوال بل جسدوا أمام محبيهم وأولادهم في طريق الله ما أثر فيهم من شيوخهم وهو الفعل قبل القول حتى يكونوا وارثين على حق لسيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، وحتى لا يتلبسوا بصفات المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون وورث العرب في ثقافتهم أن فعل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل، وذلك لقوة الفعل وتأثيره في تغيير السلوك والمعتقدات، ولأن الأب والأم هما نواة التربية وأساسها، فعليهما أن لا يضعفا قوة تأثريهما في أولادهما بأن يقولوا ما لا يفعلون وأشهر مثال هو منع الأب ابنه من السجائر مع استمراره هو كأب بشربها بل وأمام أولاده فيضعف ذلك قوله لهم ويجعله كلامًا لا قيمة له بل ومستهجنًا لنصل إلى عقيدة رفض كلام الوالدين اللذين يقولان ما لا يفعلان.

 والمثال المنتشر بيننا أيضًا مثال أمر الوالدين أبناءهم بالتراحم بينهم مع أن أولادهم لا يلمسون الرحمة لهمم مع والديهم، فيكون هذا أشبه بطلسمات غير مفهومة ولا مجال لتطبيقها لأنهم لم يروا المثال العملي أمامهم، ومثله أيضًا إذا كان أحد الوالدين أفكاره سلبية ونظرته سوداوية فإذا تأثر الأولاد بهذا وصارت مشاعرهم تجاه آبائهم سلبية طالبهم الآباء بأن ينظروا إليهم بإيجابية، فهذا حصاد ما زرعه الآباء، فالأولاد يكتسبون العادات من البيت والبيئة المحيطة بهم، فالأولاد بدون قدوة مثل الشجرة تورق ولا تثمر، فهم يحتاجون إلى قدوة فى العقل والقلب والسلوك ليكون فكرهم مستقيمًا ومشاعرهم متزنة وعملهم صحيحًا.

 ومن نظر إلى واقع الناس سيجد أن فقد القدوة عند الأبناء هو أن الىباء والأمهات غير مستقرين نفسيًّا لفقدهم تكوينات أصيلة للإنسان في مراحل حياتهم؛ فالمعلومات غير صحيحة، والمشاعر مضطربة لتعرضهم لأساليب غير سوية أو المعاملة غير الإنسانية من أسرهم أو مجتمعاتهم؛ لذلك فمثل هؤلاء الآباء غير مؤهلين لتربية أولادهم، لفقدهم كل هذه التكوينات والمعايير التي تنتج جيلًا سليمًا، فكيف لأبوين قد فقدا كل هذا أن يكونا مسئولين عن توصيل ما يحتاجه الأولاد من ترسيخ للإيمان والخُلُق السلوكي، والنضج العقلي والاتزان النفسي؛ فاستقرار الوالدين نفسيًّا وعقليًّا وقلبيًّا ينشئ الأولاد في هدوء وأمان، فأمثال هذين الوالدين لا يصلحان لصحبة أولادهم لفقدهم معايير التأثير، وقد أشار تاج أهل الله ابن عطاء إلى ذلك المعنى الذي رآه في شيخه الذي هو والده في طريق الله فقال معبرًا عن كل هذا (لا تصحب من لا ينهضك حاله)، والمقصود بالصحبة هو الصحبة التربوية لا البيتية والجسمية، بمعنى أن تعرف وتشاهد أمورًا تجذبك إلى من يتولى أمر تهذيبك فيؤثر فيك هذا وليس شرطًا أن يكون ليل نهار بجواره، وقول ابن عطاء هنا بيان إلى أن نتيجة الصحبة ستكون صفرًا إن كان حال الوالدين كما وصفنا، فهنا تنبيه للوالدين وليس خطابًا للأولاد الذين لم يطلعوا على كلام ابن عطاء أصلًا؛ لذلك فالقدوة حاجة إنسانية وضرورة تربوية، وهنا يصاب الأبناء بخيبة الأمل بعد فوات زمن التربية والتكوين فى الصغر عندما يكتشفون أن الوالدين ليسوا بقدوة حسنة، ... وللحديث بقية.