
التصوف في إفريقيا
عمر فخري أبو العلاصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد بلغ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، وما ترك بيتَ وبرٍ ولا مَدرٍ إلَّا ودخلَه هذا الدين. وكتبَ الله لبلادٍ أنْ يدخُلَها الإسلامُ بالفتوحات، ولبلادٍ أُخرى بِطُرقِ التجارة، ثُمَّ سطعَ نُوره في أفريقيا، وذلك بعدَ فتحِ مصرَ في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعن طريق مصر، دخلَ الإسلامُ إلى أفريقيا، وانتشر في الشمال الأفريقي بين البربر وغيرهم.
وفي القرن الأول الهجري، انتشر الإسلام في داخل القارة الأفريقية، وبعدها بدأ التصوف ينتشرُ في غرب أفريقيا على يد دُعاةٍ كانوا على قلب رجل واحد في أصول الاعتقاد على المذهب الأشعري، وفي الفقه على المذهب المالكي، أما الركن الثالث، وهو الإحسان، سلكوا طريقه الصحيح، وهو التصوف، فالتصوف في غرب أفريقيا يمد أتباعه بالرابطة الروحية القوية والطاقة النفسية البناءة، وَيُنظمهم في مشرب واحد رغمَ اختلاف الجغرافيا والعرق، وتحت قيادة مسموعة ومتبوعة، يتلون القرآن معا، ويتشاركون الاحتفال بأيام مباركة معا، ويذهبون للحج في رحلات خاصة بهم.
وكانت الطريقة تَقُم مقامَ الجمعيات الخـيرية التي نعرفها الآن، وكانت زوايا الصوفية ملجأ للفقراء ومعاهد ومدارس لطلبة العلم، بجانب كونها مساجد للجميع، مما أثمر عن مجتمع كالبنيان يشد بعضه بعضا، فأنتج الثقافات والحضارات والدول والحكومات التي عرفها التاريخ، ويفتخر بها المسلمون اليوم في أفريقيا، وفي العالم، وكل ما يذكر من آثار محمودة في تلك البلاد، إنما هو ثمرة من ثمار الصوفية.
فقد كان أغلب مسلمي غرب أفريقيا يلتزمون طريقة من الطرق الصوفية كالقادرية والتجانية والسنوسية، ورجال هذه الطرق هم من أسسوا الدول والحكومات الإسلامية بغرب أفريقيا على أنقاض الدول الأولى، وكان من أسباب تمسك الأفارقة بأوراد هذه الطرق وأذكارها؛ فطرة التدين في نفوس الـكثيرين منهم، فلم يقتصروا على الفرائض دون النوافل، طلبا للزيادة، ولتكميل الفرائض إذا نقصت.
ظلت الطريقة القادرية هي الأوسع انتشارا في غرب أفريقيا حتى منتصف القرن التاسع عشر، وبفضل الطريقة القادرية، استطاع الشيخ "عثمان بن فوديو" أن يُكونَ الجيش الإسلامي ويؤسس أكبر دولة إسلامية في ما يُعرف بشمال نيجيريا اليوم، ويبلغ عدد سكانها نحو ستين مليونًا الآن، وبفضل الطريقة التجانية، استطاع الحاج "عمر الفوتي" أنْ يؤسس في السنغال ومالي، الدولة التي قاومت الاستعمار الفرنسي عند احتلالهم للبلاد طوال ربع قرن من الزمن(2)، ومع ترحيل الأفارقة عبر الأطلسي رسخت في العالم الجديد قدم التصوف - المهيمن على غرب أفريقيا آنذاك - رسوخا ما يزال بالإمكان الكشف عن آثاره اليوم (3)
التصوف عاطفة ووجدان كما هو معرفة وسلوك، وهذه العاطفة تَظهرُ واضحةً جليَّةً في احتفالهم بالمولد النبوي الشريف، ففي أوغندا، تبدأ مراسم الاحتفال من الصباح، وقد لبس الجميع أفضل ما لديهم من الثياب، وخرجوا إلى الشوارع في مسيرة إنشاد ومديح تعبيرا عن حبهم وشدة شوقهم لهذه الذكرى المميزة. وما إن تنتهي المسيرة الصباحية حتى يعقبها حلقات الذكر في المساجد بأعداد ضخمة وبتنظيم لافت للنظر، كلٌّ جاء من قريته لشهود تجلي الحب، فما إن يفرغ المنشد من قصيدة "يا سيدي يا رسول الله - يا من له الجاه عند الله" حتى يبدأ الصغار بقصيدة "صلاة منك ياهو - على النبي تغشاهُ" في تناسق بديع وروح عامرة آسرة. هذه الوجوه السمر سوف تأسرك لا محالة، فخلفها قلوب ناصعة البياض دخلها الإسلام من باب الحب، تلتقي عيناك بعيني واحد منهم، فيبتسم لك ابتسامة صادقة خرجت من القلب إلى القلب. كتب الله لها أن يدخلها الإسلام عن طريق التصوف والمحبة والذكر، فهنيئا لهم، فمجالس الذكر هي رياض الجنة.
(1) آدم عبد الله الإلوري: آثار العلم والفلسفة والتصوف في مسيرة الدعوة الإسلامية
(2) التصوف الإسلامي في غرب أفريقيا - د. موسى عبد السلام أبيكن
(3) عباد الله: المسلمون الأفارقة مستعبدون في الأمريكتين - سيلفيان آي ضيوف ترجمة: محمد أسامة رخا