السنة الخامسة ذو الحجة 1446 هـ - يونية 2025 م


الشيخ. أحمد البشلاوي
التصوف واللغة العربية
الشيخ. أحمد البشلاوي

من شباب الصديقيّة

باسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه

فمما لا شك فيه أن التصوف أسلوب حياة؛ لأن التصوف في حقيقته سلوك، فهو التحقق بالأخلاق المحمدية ظاهراً وباطنًا؛ وتأمل معي كلمة (سلوك) والمشتقة من مادة سلك، والتي تدل على الدقة والصعوبة في نفس الوقت والتي تستخدم في كل ما يحتاج لصبر، كما قال سيدنا ﷺ: (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا)، وفي سلوك طريق العلم ما لا يخفى على طالب علم من المشقة والصعوبة الممزوجة بالمتعة العلمية بلا شك.

ولما كان التصوف سلوكًا وتخلقًا وتحققًا بكل جميل ومليح تجده يدخل في كل العلوم، بل في كل مناحي الحياة، فالصوفي هو الذي خبر الظواهر ووصل للحقائق فكانت نظرته للأشياء مختلفة عن غيره؛ إذ هو يغوص في أعماق الأمور وحقائقها فيتجلى له بكشف الله له بعضُ الحكم من وراء الأمور فعين الصوفي ليست كعين غيره ومن هنا صار التصوف داخلًا في كل شيء، فحينما نقرأ عن أدب المريد مع شيخه من خلال الربيع مع الإمام الشافعي رضي الله عنه مثلًا وهو يقول: [والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلَيَّ هيبةً له]

فغير الصوفي سيقرأ هذا المشهد بعين الأدب الجم من التلميذ لأستاذه، أما الصوفي فسيقرأ المشهدَ بعمقٍ أكبر من ذلك؛ وهو أمر زائد على الأدب؛ وهو أن المريد يقلل من شربه لأنه سينهل من معين ماء شيخه، فكلما قلل من ماء شربه الدنيوي ارتوى أكثر وأكثر من الماء الأخروي الذي به نجاته، وإن أكثر من هذا قلّ معه ذاك، فالعلاقة بينهما عكسية.

فانظر إلى الفارق بين النظرتين، فكلتاهما طيبتان وممدوحتان، لكنّ إحداهما غاصت وراء عمقٍ أكبر وكُشف لها حقيقة الأشياء.

وكل هذا أصله من سيدنا رسول الله ﷺ أول من علم الناس حقيقة التصوف وإن لم يطلق عليه هذا الاسم، لكن طالما اتفقنا أن التصوف هو الوقوف على الحقائق وجدت ذلك في كلام سيدنا رسول الله ﷺ وهو يعلم أصحابه معنى الحياء فيما رواه سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وأخرجه الترمذي وأحمد: " استَحيوا منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ ، قُلنا : يا رسولَ اللَّهِ إنَّا لنَستحيي والحمد لله ، قالَ : ليسَ ذاكَ ، ولَكِنَّ الاستحياءَ منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ أن تحفَظ الرَّأسَ ، وما وَعى ، وتحفَظَ البَطنَ ، وما حوَى ، ولتَذكرِ الموتَ والبِلى ، ومَن أرادَ الآخرةَ ترَكَ زينةَ الدُّنيا ، فمَن فَعلَ ذلِكَ فقدَ استحيا يعني : منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ"

فتأمل في الحديث كلام سيدنا النبي ﷺ وهو يقول :(حق الحياء)، وظن  الصحابةُ بردهم على رسول الله ﷺ أن الحياءَ وحقَّ الحياء شيء واحد، ولكن النبي ﷺ فرق بين هذا وذاك حينما قال: ليس ذاك؛ أي ليس هذا ما قصدته بل هناك ما هو أعمق من هذا وأدق وهو حقيقة الحياء، ولا شك أن هذا من التصوف؛ إذ الصوفي هو من يستحيى من الله حق الحياء.

يتبع إن شاء الله تعالى