
لتؤمنن به ولتنصرنه
الشيخ. عبد العزيز معروفلأولِّ مَرة مُذ بدأتُ الكتابة يرتجفُ القلم بينَ يدي، ويصيبُ عقلي حالة من التوقف، ولِمَ لا وقد تجرأتُ وأردتُ أنْ أكتبَ عنْ سيد الخَلقِ محمد الحبيب الشافع المشفع صلوات ربي وتسليماته عليه؟!، فمنْ أنا؟ ولم يُسعفني في هذا إلا حُبي لكَ يَا سيدي يا رسول الله، فبحبكَ أحيا، ويحيا قَلمي.
أخرجَ الطبريُّ في تفسير قوله تَعَالى "وَإِذْ أَخَذَ اللهُ ميثَاقَ النَّبيّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدَّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِننَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ" عن سيدنا علي بن أبي طالب، قال: "لم يبعث الله عز وجل نبيًا، آدم فمن بعده، إلا أخذ عليه العهد في محمد: لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، ويأمره فيأخذ العهد على قومه". وهو مروي عن سيدنا عبد الله بن عباس، وعن غيره.
وهذا فضل اختص به الله تعالى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يبعث الله نبيًا إلا ذكر له محمدًا ونعته، وأخذ عليه ميثاقه إن أدركه ليؤمنن به، وأن يأخذ الميثاق على قومه بالإيمان به، وهذا لأن من عرف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد عرف الحق، ومن عرفه حق المعرفة فسيحبه، ومن أحبه دخل في دائرة المحبة، قل إن كنتم تحبون الله فاتبعون يحببكم الله.
والآية على ما فيها من تعظيم قدر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، تدل على أنه إذا "قُدِّر مجيئه في زمانهم يكون مرسلًا إليهم، فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة ويكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته ويكون قوله: «بعثت إلى الناس كافة» لا يختص به الناس من زمانه إلى يوم القيامة بل يتناول من قبلهم أيضًا، ويتبين بذلك معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - «كنت نبيًا وآدم بين الروح والجسد»".[1]
وكل هذا يدلنا على عظم مكانة وقدر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يجب علينا لكي ننصره، هو اتباعه ونصرة دينة، وتعريف الناس به، فقد كان خلقه القرآن، وكان قرآنًا يمشي، فهلا تأسينا به.
وإذا كانت أمته هي التي تعلق بها ظهور الحقيقة المحمدية، فما هذا إلا لخصيصة فيها، صلح محلها لأن تظهر فيه هذه الحقيقية، فهي أمة جامعة لخصال الخير متعلقة بحبيبها صلى الله عليه وسلم، ومن هنا لا تكون نصرتها إلا به، وإن تخلفت عنه مالت ووقعت، وإن رجعت إليه صلى الله عليه وسلم استقامت وصلحت، وهذا معنى لتؤمنن به ولتنصرنه، فأخذ الميثاق بيعة، وفيه لام القسم أي: والله لتؤمنن به ولتنصرنه، ومن خالف الميثاق، فقد مال والميل هلاك.
وأيضا في الآية إشارة إلى أن الكتاب والحكمة وكل ما تحصل عند السابقين وإن كان نافعًا، ولكن لا نفع فيه إلا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولذا قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا عمر لما أتى بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال: "أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيًا، ما وسعه إلا أن يتبعني.[2]
وأحب أن أختم هذا المقال بفائدة ذكرها التقي السبكي رضي الله عنه: وهي أنه وإن تأخر جسده، لم تتأخر حقيقته، فكل ما له صلى الله عليه وسلم من جهة الله تعالى ومن جهة تأهل ذاته الشريفة وحقيقته معجل لا تأخر فيه... وأن ذلك التأخر في التكون راجع إلى وجودهم [أي من بعث فيهم] لا إلى عدم اتصافه بما يقتضيه، وفرق بين توقف الفعل على قبول المحل وتوقفه على أهلية الفاعل، فهنا لا توقف من جهة الفاعل، ولا من جهة ذات النبي - صلى الله عليه وسلم - الشريفة، وإنما هي من جهة وجود العصر المشتمل عليهم، فلو وجد في عصرهم لزمهم اتباعه بلا شك.....
أما عن بلوغه الأربعين وما يتعلق بالتبليغ، فهذا يتعلق بالمبعوث إليهم وتأهلهم لسماع كلامه لا بالنسبة إليه ...وتعليق الأحكام على الشروط قد يكون بحسب المحل القابل وقد يكون بحسب الفاعل المتصرف, فهاهنا التعليق إنما هو بحسب المحل القابل وهو المبعوث إليهم وقبولهم سماع الخطاب والجسد الشريف الذي يخاطبهم بلسانه, وهذا كما يوكل الأب رجلًا في تزويج ابنته إذا وجدت كفؤا فالتوكيل صحيح وذلك الرجل أهل للوكالة ووكالته ثابتة، وقد يحصل توقف التصرف على وجود كفؤ ولا يوجد إلا بعد مدة وذلك لا يقدح في صحة الوكالة وأهلية التوكيل. [3]
[1] انظر: فتاوى السبكي 1/38. والحديث - أخرجه الترمذي في السنن في كتاب المناقب- باب فضل النبي - صلى الله عليه وسلم :(5/585/ 3609 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: يا رسول الله، مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟ قَالَ: «وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالجَسَدِ »
[2]أخرجه أحمد في مسنده15156.
[3] فتاوى السبكي، 1/41/ رسالة التعظيم والمنة في قوله تعالى: لتؤمنن به ولتنصرنه.