السنة الأولى جمادى الآخرة 1443 هـ - يناير 2022 م


خالد محمد غز
مجدد القرن: العالم الكبير والمحقق الشهير
خالد محمد غز

حينما يهم التلميذ أن يتحدث عن أستاذه أو المريد عن شيخه يصبح الشأن صعبًا مقيدًا بالحرص ومشروطًا بالتحري، فما الحال إذا ما كان هذا الأستاذ والشيخ عالمًا ربانيًّا ذا قدم راسخة في العلم ووليًّا من أولياء الله تعالى شهد له أكابر علماء عصره، بل ونهل البعض منهم من علمه واستمدوا من أنوار ولايته، فلا شك أن الحديث سيكون أكثر صعوبة وأشد احتياطًا.

  وللحق هذا ما شعرت به حين هممت بالكتابة عن سيدي الشيخ عبد الله بن الصديق الغماري، وقد تريثت كثيرًا مترددًا وسألت نفسي من أنت لتتحدث عن مثل هذه القامة وما الذي تود أن تتحدث به ومن أي زاوية تريد أن تنظر لمثل هذه شخصية، وبينما كنت تائهًا في حيرتي هذه تنبهت فجأة وأدركت سبب ترددي وحيرتي، فقد وجدتني أقف على باب الجلال والهيبة وهذا ما قيدني، وإذا خاطر يقول لي يا مسكين: هلا بحثت عن باب آخر تلج منه فإذا بي أدور دورة حول الأسوار العالية لحرم مولانا فبدأ يلوح لي من باب مكتوب عليه الحب، فولجت منه فأُذن لي بالدخول.

  هذا الحب الذي انتقل إلينا عبر سلسلة النور التي تنتهي إلى مولانا وشيخنا سيدي علي جمعة رضي الله عنه والذي لا تخطئ العين مدى محبته التي يكنها لشيخنا الغماري وهو ما لا يخفى على من يرى عيني فضيلته وهو يحكي عن شيخه الغماري، فيشاهد فيهما ألق العشق لجناب شيخه الذي اختلطت محبته بشغاف قلبه حتى إنه يكاد المستمع أن يشم عبير الشيخ وهو يتسلل منسابًا بين كلماته بل تكاد ترى الشيخ متجسدًا أمامك من تكثف عبق تلك المحبة، فقلت أدخل من هذا الباب الواسع، مستعينًا بالله تعالى مستمدًا من أنوار السلسلة متحدثًا على قدري وطاقتي عن بعض جوانب برزت لي من ملامح تلك الشخصية الفذة النابهة النادر تكرارها.

  وقد آثرت أن يكون عنوان المقالة (العالم الكبير والمحقق الشهير) اقتباسًا وتيمنًا بما بشره به والده رضي الله عنه ردًّا على خطاب أرسله إليه شيخنا السيد عبد الله الغماري حينما كان موجودًا بمصر المحروسة يشكي لوالده ما يحسه من ضيق وقنوط وكان ذلك عامه الأول فيها، فرد عليه والده وقال: "كيف تقنط في مصر أم الدنيا؟! بل اصبر وسوف تكون عالمًا كبيرًا ومحققًا شهيرًا".

  وقد أسست مقالتي المتواضعة هذه على بعض ما ورد عن سيرة الشيخ ومسيرته التي كتبها بنفسه تحدثًا بنعمة الله عليه في لمحات متسارعة، وومضات لامعة جمعتها ووضعت عليها ما وصلني من مدد الفهم.

الشيخ وقّاف عند الإشارات

  حين تتأمل شخصية الشيخ تجد أنه كان رضي الله عنه يتمتع بالفطنة والذكاء منذ نعومة أظفاره، وقافًا مع الإشارات تستشعر ذلك من حكايتين؛ الأولى: ما حكاه عن نفسه أنه حين كان في سن الخامسة قرأ القرآن الكريم على الفقيه عبد الكريم البراق جزء عم يتسألون وما فوقه حتى وصل إلى قوله تعالى (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) فيحكي مولانا ويقول ثم حصلت أشياء، اقتضت انفصاله عن الجامع ثم جاء بعده الفقيه السيد محمد الأندلسي فقرأت عليه بقية الختمة.

  وقد استشعرت من تلك الواقعة، وغلب على ظني أن لتلك الحكاية دلالة على الموافقات التي تصدر من الأولياء بغير قصد، وكأن توقف الشيخ عند هذه الآية كان بمثابة الإشارة إلى أن ذلك الفقيه سوف يترك المسجد الذي عُين به وأن الشيخ على حداثة سنه وصلت إليه تلك الإشارة وفهمها وبقيت في ذاكرته إلى أن رواها لنا.

  أما الثانية فيقول عنها مولانا: "في أواخر شهر شعبان سنة ( ١٢٤٩ هـ ) ركبنا باخرة يابانية متجهة من إنجلترا إلى الإسكندرية أنا والأخ الأكبر والزمزمي، ورفيق معنا اسمه الحاج أحمد عبد السلام الشرقي بالقاف المفقودة وشهرته الشكارة، وقبل الذهاب إلى الميناء طلعت الدور العلوي -من البيت- حيث جلس مولانا الإمام الوالد رضي الله عنه فلقنني (ورد الطريقة الشاذلية)، وأوصاني بالاستقامة ولزوم الجادة فقبلت يده ورجليه وانصرفت وكان قبل ذلك قد حدثني عن الأزهر وعن مصر بوجه عام وأمرنى بتعلم التجويد وعلم التوقيت. أقلعت بنا الباخرة متجهة إلى المشرق وليس فيها مسلمون غيرنـا وكـان البحـر هادئًا والجو صافيًا مع أنه كان فصل الشتاء، وكان الزمزمي لم يتقدم له قراءة شئ من العلم إطلاقًا.

  فشرعت أدرس له الأجرومية نطلع بعد صلاة العصر إلى ظهـر البـاخرة، ونأخـذ درسًا فيها واستمر الحال على ذلك ثمانية أيام لم يحصل فيهـا مـا يكـدر البـال حـتـى كـان الـيـوم الثامن، وأخبر ربان الباخرة أننا سنصل الإسكندرية عند الفجر، طلعنا لنأخذ درسنا المعتـاد وكان موضـوعه (ظرف الزمان)، فقلت موضحًا لأخـي كـيـف ينصب الظـرف: "نصل إلى الإسكندرية غدًا"، فقال الأخ الأكـبـر قـل: إن شاء الله، فقلت: "لم أقولهـا وقـد تـحـدد موعـد الوصول؟ وهذه الإسكندرية بدت مبانيها تظهر من بعيد"، وانتهى اليوم وصلينا العشاء ونمنـا في وقتنا المعتاد، وفي الساعة الثانية عشرة ليلاً أو بعدها بقليل هـاج البحـر هيجانـًا عظيمًا قال الربان: "لم ير مثله منذ خمس وثلاثين سنة"، وكانت الموجة لعظمها تغطى المركـب تغطيـة تامة والمركب تتأرجح بنا كالقشرة. ونحن لا نملك أنفسنا من شدة دوار البحر ودوخته، والأواني التي معنا، قلبها البحـر رأسًا على عقب، وانكسر بعضها، واعترانا خوف شديد، وزاد في خوفنا أن الربـان أخبرنـا أن باخرة أمامنا وجهتها كوجهتنا بعثت إشارة إلى الإسكندرية تطلب النجدة لكنها غرقت قبل وصولها، فأيقنا أنا لاحقون بهـا ويئسنا من الحيـاة، وكلمـا غطتنـا موجـة ظنـنا أنـهـا مغرقتنا، واستمر الحال كذلك، نحو سبع ساعات رأينا الموت فيها عيانـًا ثـم لـطـف الله بنـا وخف هيجان البحر بعض الشيء ولم نصل الإسكندرية إلا في الظهـر بعـد مـشقة كبيرة، فحمدنا الله وعلمنا أن هذه عقوبة على ترك المشيئة. ومن هنا نلمح مدى فطنة الشيخ وتوقفه عند الإشارات فأرجع السبب في محنة السفينة إلى عدم تقديم المشيئة.

العلم اللدني لدى الشيخ

   لا شك أن المتأمل في أعمال ومؤلفات الشيخ لابد أن يلاحظ أن الشيخ وُهب من نفائس العلوم وفنونها ما ينم عن بصيرة وهبة ربانية تجد آثارها في ثنايا تلك المؤلفات، وقد لا يدرك ذلك سوى الحذاق من أصحاب تلك الفنون، وأذكر هنا كلامًا عن مولانا الإمام الشيخ علي جمعة ما معناه أن المتأمل في مؤلفات الشيخ سوف يكتشف أن مؤلفات وأعمال مولانا السيد عبد الله بن الصديق الغماري لها طبيعة مختلفة وكأن الله تعالى وهبه علومًا ربانية لايحوزها سوى قطب من الأقطاب، وكيف أنّه أكبر من كُتُبه وأكبر من الكُتُب.

  وهذا المعنى تجده متدثرًا بثوب التواضع والحياء بين ثنايا كلام الشيخ عن نفسه فتجده مثلاً يقول: "تعلمت بفضل الله عدة علوم، منها ما تلقيته عن شيوخي بالقرويين والأزهر، ومنها ما لم أتلقه من أحد وهو : علوم البلاغة والتجويد والترقيم”. ويقول في موضع آخر: "ومن العلوم التي عرفتها بدون أستاذ: علم الإملاء”.

وفي موضع ثالث يقول: "وحصلت عندي ملكة أعرف بها إذا سمعت حديثًا أين يوجد وما هي رتبته ولاأكاد أخطئ في ذلك والحمد لله”.

الشيخ "مجدد القرن"

 لا شك أن من يطالع إنتاج الشيخ وتآليفه وعلومه المتنوعة بعين الإنصاف ويضعها في كفة الميزان العلمي؛ سيجد أن شروط التجديد تنطبق على فضيلته وفي ذلك يقول السيد عبد الله بن الصديق الغماري وهو يتحدث عن نفسه تحدثًا بنعمة الله: "ولا أعرف الآن من شارك في عدة علوم مثل مشاركتي فيها: ولله الحمد والمنةـ مع تحقيق بحوث في كثير منها بطريقة لم أسبق إليها بفضل الله، ولهذا أرجو من الله تعالى أن أكون مجدد هذا القرن فالواقع أنني لا أرى من يماثلني أو يشاركني في هذا فإذا وجدت عالمًا بالحديث تجده لا يحسن غيره وإذا وجدت فقيهًا وجدته لا يحسن غير الفقه، وإذا وجدت نَحْويًا أو مشتغلًا بالبلاغة وجدته بعيدًا عن علم الأصول وما يتبعه، وإذا وجدت أصوليًا عالمًا بالعربية وجدته لا يعرف الحديث، نعم قد يوجد من يشارك في بعض العلوم كالقدماء من علماء الأزهر وعلماء القرويين”.

  ويكمل الشيخ كلامه فيقول: "ولا أقول هذا افتخارًا ولكن أقوله لإظهار الحقيقة ولبيان كرامة مولانا الإمام الوالد رضي الله عنه حيث وعدني بهذا فتحقق لي كما وعد، وكان في بعض بشاراته لي يقول: لابد أن تكون عالمًا كبيرًا ومحققًا شهيرًا”.

إعجاب الشيخ بسمت أهل مصر

تعرف في كلام الشيخ مدى حبه لمصر واعتزازه بسمات المصريين، من ذلك ما ذكره في سياق كلامه عن علماء أهل مصر فيقول تعليقًا على واقعة محنة السفينة التي سبق وذكرناها آنفًا: والاستثناء -يعني قول إن شاء الله- يجري على لسان المصريين كثيرًا، فإذا سألت أحدهم: "ستفعل كذا؟"، فيقول: "بمشيئة الله أو بإذن الله وإذا اتفق اثنان أو أكثر على عمل شئ توجوا اتفاقهم بالاستثناء”.

ومن ذلك أيضاً حديثه الذي تستشعر منه تقديره لصفات الطيبة والمسامحة لدى المصريين فيقول: "ولابد أن أسجل هنا ملاحظة هامة، وهي: أن المشارقة يقبلون كلام من يرد عليهم برحابة صدر، … وهكذا كان الحال في مصر يختلف العلماء والأدباء والكتاب، وتشتد لهجة الرد أحيانًا، ولا يحصل بينهم تقاطع ولا عداء، ومن الأمثال الشائعة عندهم: (اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية )”، وكأن الشيخ كان يقدر ويعظم تلك السمة التي يتميز بها المصريون خلافًا لغيرهم.

إدراك الشيخ للواقع وتناوله لقضاياه

 ومما لاحظته كذلك عندما قرأت سيرة الشيخ؛ عنايته الشديدة بكل ما يطرح عليه من الأسئلة والقضايا التي يسأله الناس ويستفتنونه عنها، فكان رضي الله عنه لا يكتفي فقط بالرد على السائل أو إعطاء الفتوى لمن يستفتيه، بل كان يزيد على ذلك بأن يؤلف في هذه القضية أو تلك المسألة رسالة أو كتابًا. ويبدو لي أن ذلك الاعتناء الزائد من الشيخ رضي الله عنه إنما كان نابعًا من استشرافه للمآلات التي تنم عنها تلك الأسئلة أو استشعاره لخطورة ترك مثل تلك المسائل تتفشى. فلا يحصر الأمر في الرد على السائل فقط، بل يؤلف فيه ما يجمع به كافة الأدلة فتكون مرجعًا للسائل وغيره من بعده، وهذا أيضًا ينم عن مدى سعة علم الشيخ التي مكنته من ذلك بغير تكلف.

  ومن ذلك أنه حين سُئل مرّة عن تقبيل اليد وأنه يشاع أن ذلك سجدة صغرى فكتب جزء أسماه (إعلام النبيل بجواز التقبيل)، وحين سئل عن التوسل ألف (إتحاف الأذكياء بجواز التوسل بالأنبياء والأولياء)، وغير ذلك كثير في الرد على المدعين أو المنكرين لأمور أقرها الشرع بدعاوى التجديد.

  ونرى كذلك كيف أن الشيخ كان يدرك الواقع ويلاحظ متغيراته، حتى إنه حين لاحظ في عام 1953 كثرة حالات الانتحار بمصر في الشباب والفتيات وبعض الرجال يلقون أنفسهم في النيل، بسبب السقوط في الامتحان مثلًا، أو فشل في الحب أو الزواج أو مشاكل عائلية فكتب مؤلفًا باسم: (قمع الأشرار عن جريمة الانتحار).

  وهكذا كان رضي الله عنه يلاحظ ويتابع القضايا المجتمعية والآراء الفقهية المستحدثة فلا يقف موقف المتفرج بل كان يؤصل ويوثق ويرد وينافح كتابة وتأليفًا، فيرد من حاد عن الجادة بغير كلل أو ملل لا يخشى في الله لومة لائم.

غالبية شيوخ فضيلته من المصريين

 حين أحصيت عدد مشايخ مولانا السيد عبد الله بن الصديق الغماري رضي الله عنه التي أورد فضيلته ذكرهم لاحظت أن أغلبهم من مصر، فقد ذكر فضيلته أن له من المشايخ المصريين؛ 26 شيخًا، ومن المغرب 21 ومن الحجاز 5 ومن الشام 5 ومن تونس واحدًا.

  وهذا إن دل فإنما يدل على مدى تأثر الشيخ بعلماء مصر في تلك الحقبة المباركة التي قضاها فضيلته بمصر، كما أن له دلالة أخرى على مدى ثراء مصر بالعلماء الكبار على مر الأزمان، و أن مصر بحق هي أم الدنيا كما أكد على ذلك فضيلة والد شيخنا حين كان يحدثه عن مصر ويقول له مصر هي أم الدنيا.

تلامذة الشيخ وعلو قدرهم

من أجلى الأدلة على رفعة قدر الشيخ وعلو مكانته؛ تلامذته، وقد عدد فضيلته منهم ما يزن أحدهم أمة ومنهم نذكر علمين فقط لضيق المجال :

  ـ فضيلة الشيخ/ صالح الجعفري رضي الله عنه وأرضاه وفضيلته غني عن التعريف في مجال العلم وفلك الولاية يقول عنه حضرة شيخنا: (والشيخ صالح الجعفري رحمه الله، حج اثنين وخمسين مرة، وكان من الصالحين له كرامات ومكاشفات).

  ـ أما تلميذه الثاني النجيب عالي المقام وصاحب الزمان الغني عن التعريف والبيان مولانا وشيخنا الإمام سيدي علي جمعة رضي الله عنه وحفظه من كل سوء يقول عنه شيخنا: (والشيخ علي جمعة المصري، عالم فاضل، كريم الخلق). ويالها من شهادة تقدير رفيعة صادرة من شيخ ثاقب البصيرة لتلميذه الأنجب الذي رأى فيه وريثه في العلم والسلوك وأنه قد جمع ما بين نباهة العلم وسمو الخلق.

مبشرات بمقامه ومكانته

  رأي الأستاذ الفاضل الحاج عبد السلام بوعياد مبشرة حاصلها كما قال: "رأيت مولاي أحمد بن الصديق عليه حلة رائعة وهو يتحدث مع والدي (يعنـى والـده الفقيه العربي بوعياد خطيب الزاوية الصديقية رحمه الله)، ومع غيره في شأن السيد عبـد الله أخيه يقول له (أي السيد أحمد): كل عالم يقصد زيـارة سيدى عبـد الله إلا ويستقبله ورائحة العطر تعبق منه أصالة وبدون انقطاع من غير أن يتسبب في استعمالها، ثـم قـال مولاي أحمد لو حصلت على هذه المزية لأدركت بها مقام الشهادة . قال الرائى : ثم خرجت قاصدًا دار سیدی محمد بن الصديق فوجدت مولاى عبـد الحـي وأخـاه سیدی عبد العزيز وأخي أحمد وآخرين لم أعرفهم فشرعت أقص عليهم ما سمعته من سيدي أحمد في شأن سيدي عبد الله، وأثناء القصة أقبل سيدي عبد الله وعليه جلابة وزانية أنيقة وفي كفيه قنينتان عامرتان بالعطر الفاخر وأشياء من الطيب فصار الكـل يتعجـب مـن هـذه الرؤيا.

الشيخ يُرى في صورة حضرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم

  قال الأستاذ (محمود سعيد) صليت الصبح ذات يوم وقرأت حزب الفتح الذي أنشأته أنا -السيد عبد الله بن الصديق- ثم نمت فرأيت النبي في صورة سيدى عبدالله بن الصديق. وهذه الرؤيا لها دلالة على مدى وراثة الشيخ من حضرة الجناب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فالعلماء بحق هم ورثة الأنبياء.

بشرى حضرة النبي له بأنه من نسله الطاهر

  يقول السيد عبد الله: "ومنها أني زرت مرة قرية أويش الحجر من جملة زياراتي لها، وألقيت درسًا حـديثيًا كعادتي مع أهل البلدة، وانجر الكلام إلى موضوعات متنوعة حتى انتهى إلى أشراف المغاربة وهل هم ينتمون إلى الحسن، فأخبرتهم أن معظم الأشراف عندنا ينتمون إلى الحسن بن على عليهما السلام، وقليـل منهم ينتمي إلى أخيه الحسين عليه السلام، وسألوني أن أملى عليهم نسبي فأمليته عليهم، لأنى حفظتـه وأنا في الكتاب، فقال لي الشيخ الحسيني وكان إمام مسجد وسط البلد ومعلـم القـرآن يتبرك به أهل البلد لصلاحه وعزوفه عن الدنيا رحمه الله: أشهد أنك شريف منسب حقًا، قلت: وما ذاك؟ قال: رأيت الليلة الماضية النبی صلى الله عليه وآله وسلم وقبلت يده؛ ووجدت شخصًا يقعد بجانبـه فـسألت عنـه فقـال: هـذا ولـدي وسيتلو عليـك نسبه فأصبحت بيننا على غير ميعاد، وتلوت علينا نسبك.

رؤى الشيخ للأنبياء والملائكة والصالحين

  ويقول رضي الله عنه: "رأيت النبی صلى الله عليه وآله وسلم ومعه الشيخان وغيرهما، ورأيت جبريل عليه السلام، وأخبرني أنـه جـاء من الأبواء. ورأيت عليًا عليه السلام، ورأيت الحافظ ابن حزم مرّات وابن العربي المعافرى، وعز الدين بن عبد السلام وحصلت بيننا مذاكرة في قاعدة علمية. والسيد أحمد البدوى رأيتـه مـرتين، ورأيـت أبـا الحـسن الشاذلي، شارح الرسالة، والجمل محشى الجلالين، وجدنا أبا العباس ابن عجيبة”.

 وختامًا هذا غيض من فيض ولمحات من حياة شيخنا حضرة مولانا السيد عبد الله بن الصديق الغماري التقي النقي الولي ابن الولي ابن الولي صاحب الصدر الرحيب والقلب السليم، حياة ملؤها الجهاد والكفاح والتعلم والتعليم والذكر والتسليم، رضي الله تعالى عن سيدنا الغماري وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة وبارك تلامذته ومحبيه ومريديه.