السنة الثانية جمادى الآخرة 1444 هـ - يناير 2023 م


مصطفى حسني
ملخص كتاب الإشراقات عند الصوفية:حقيقتها وأنواعها وأدلتها الشرعية
مصطفى حسني

أولاً: مؤلف الكتاب هو: الدكتور "مختار محسن محمد" أمين الفتوى بدار الإفتاء المصريه حفظه الله، والكتاب صدر بمقدمة لفضيلة شيخنا وسندنا سيدي الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية.

ثانياً: سرد ملخص للكتاب.

1-      أشار المصنف حفظه الله أنَّ أصلَ فِكرَةِ الكتابِ كانت للأستاذ الدكتور علي جمعة عُضو هيئة كبارِ العلماء بالأزهر الشريف وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، وإمام مدرسة الإحياء والتجديد الأزهرية حفظه الله ونفع به البلاد والعباد ، وقد قام المصنف بجمع هذه الاشراقات من كتب السادة الصوفية وعرضها على فضيلته، واستوضح ما كان خفيًّا مِن كلام القوم، و بتوفيق الله استخرج المصنف 20 إشراقة ، وعَمِلَ على سبر أغوار هذه الإشراقات والآثار التي تحدثُ للسَّالك أثناء سَيرِه إلى الله ، في الطريق الذي مبناه الذكر والفكر والمجاهدة.

2-      بدأ المصنف حفظه الله ببيان الغَرضِ مِن تـأليفِ الكتابِ بقوله :" إن التصوف الإسلامي هو برنامج عملي للاستفاده من مواريث النبوه من أجل الوصول إلى المعرفه الصحيحة بالله جل جلاله ، وأن السائرين والسالكين إلى الله ستَعرُض إليهم في رحلتهم بعض الأمور، التي  أطلق عليها  لفظ "الإشراقات".

3-      قدَّمَ في الكتاب دراسة تفصيلية في بيان حقيقة هذه الإشراقات وتفصيل أنواعها، وما قاله سادتنا الصوفية فيها، وما نُقل عنهم من إرشادات سلوكيةٍ وتَجارُبَ روحية؛ لينتفع اللاحق بالسابق ويسير الخلف على خُطى السلف ،  قال تعالى " واتبع سبيل من أناب إلي ".

4-       وضَّحَ المُصنِفُ حفظه الله أن أهم أغراضِ هذه الدراسة بيانُ مُوافَقِة علوم ومعارف السادة الصوفية لِمَا جاء به الوحي الشريف ، فلا يقع منهم إلا كل ما وافق الشرع وتأيَّدَ به، واذا أثمرت تجربتهم عن أمرٍ مُخالف للشرع كانوا أبعد الناس عنه.

5-       قام المصنف حفظه الله تعالى بتتبّعِ ما نُقِلَ عنِ السَّادة الصوفية في بيان تلك الإشراقات، وأنواعها، ثمَّ عَرضَ ما يُؤيّدُ ذَلِكَ مِن قواعد الشرع ونصوصه بما يثبت الاتساق والتوافق بين علوم القوم وتجاربهم الروحية وبين الشرع الشريف.

و لنبدأ ببيان معنى الإشراقات

الإشراقات لغة بمعنى الإضاءة والفتح،  أمَّا اصطلاحا عندَ السَّادة الصُّوفية، فهي بمعنى ما يحدثُ أثناءَ سَير السَّالِك في الطريق إلى الله من آثارٍ بِسببِ هذَا السّير ظاهرًا وباطنًا.

 والسَّرُ في ذَلِكَ، كما يَذكُر المُصنف هو رياضةُ النَّفس ومجاهدتها حتى تستولي أنوار القلب على ظُلماتِ النَّفس وغرائزِهَا،  ومن هُنا جاءت فكرة الإشراقات والأنوار .

وأكد المصنف على أن تلك الأنوار والإشراقات الحاصلة من مجاهدات النفس إنما تخضع لاتباع الكتاب والسنة وغايتُها معرفة الله وطريقها محفوظ بوصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتجارب الشيوخ العارفين.

وقد قَسَّمَ المُصنِّف الإشراقات إلى عشرين إشراقة: ومن هنا نبدأ

 الأول:  الوارد

عرفه سيدي ابن عجيبة في إيقَاظِ الهِمم، فقال الوارد :  هو الطارق أو القادم وهو ما يتحفه الحق سبحانه قلوب أوليائه من النفحات الإلهية فَيُكسِبُه قوةً محرِّكةً، وربما يدهشه أو يُغيِّبُه عن حسِّهِ، ولا يكون هذا الوارد إلا بغتة ولا يدوم على صاحبه، وهذا الوارد إنما المراد منه ثَماراتُه ونتائجُه وما يعقبه من اليقين والطمأنينة والرضا والتسليم لله تعالى.

 ثم أوصى ألاَّ يَقِف السَّائرُ المريدُ عندَ الوارد، إنَّما لَهُ في الله غِنىً عن كل شيء، ومن علامات انتفاع المريد بهذا الوارد أن يكون ثمرته الاستمرار في العبادة ودوام التعلق بالله ، حتى لا يلتفت عن المقصد الأجل وهو الله عز وجل.

وذكر أنَّ هذه الواردات لها آثار مختلفة على قلوب السائرين إلى الله، كمثل الماء الذي ينزل من السماء على الأرض، فَيُنبِتُ زروعًا مختلفة تُسقى بماء واحد، فَمِنَ النَّاس مَن تُؤثِّر فيه الواردات، فيظهر ذلك في سورة بكاءٍ أو وَجْدٍ، ومنهم من لا تُرى عليه آثار الواردات، وليس ذلك لقسوة قلبه، بل لارتفاع شأنه ورسوخ قلبه في الحضرة الإلهية، فهو دائما في الواردات يحيا، فلا ترى عليه تأثُّرًا ظاهرا . ثم أشار إلى أن السَّائر إلى الله يَفرَحُ بالواردات من حيث إنها نعمة تُوصِّلُه إلى الله ولا ينشغل بها عن مولاه سبحانه.

أما الإشراقة الثانية التي أوردها المُصنِّف، فهي الخواطر :

وعرف المصنف الخاطر  بتعريف المرتضى الزبيدي في تاج العروس، قال الزبيدي الخاطر: "ما يخطر في القلب من تدبير أو أمر"… ثم انتقل إلى كلام ابن عجيبة في تقسيمه للخواطر وأنها أربعة: ملكي ورباني ونفساني وشيطاني، فالملكي والرباني لا يأمران إلا بالخير ، والنفسَّاني والشيطاني لا يأمران إلاَّ بالشر.

  وفرَّق بينَ الخَاطر النفساني والشيطان، بأن الخاطر الشيطاني يَزولُ بالذِّكر ، بخلاف الخاطر النفساني الذي يبقى في النفس ويحتاج إلى مجاهدةٍ و فكر، ثم أشار المُصنِّف إلى مِعيارِ قَبُول الخَواطِر عندَ الصوفية، وهو أن تكون خاضعةً للشرعِ الشريف؛ لقول الإمام الجنيد سيّدُ الطائفتين: "أن النكتة لَتَقَعُ في قلبي فلا أقبلها إلَّا بشهادة عدلين ، الكتاب والسنة " ؛ إذ لا عمل إلا بعلمٍ، والعلمُ مَصدرُه كلامُ الله ورسولُه، كما أشار المصنف إلى ذلك مِن كلامِ الإمام الزّركشي رحمه الله.

وأنهى المُصنف هَذِه الإشراقة عن الخواطر بكيفية دَفعِ الخواطر الرديّة، أو  الوساوس الشيطانية، وبدأ بوصية تَرِك فُضول النَّظر،  الذي يُؤدي إلى فُضول الشهوة، وقصدَ مِن فُضولِ النَّظرِ كثرةَ النَّظرِ إلى مُستحسناتِ الدُّنيا ونعيمها، وزهرتها و الذي هو فوق الحاجةِ، واستشهد بقول مولانا سبحانه "ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه"، فإنه "مَن كَثُرت لحظَاتُه دامت حَسَراتُه"، و"مَنْ أرسلَ طَرفَهُ اقتنَصَ حَتفَهُ"، وبالأولى تَركُ النَّظَر إلى الحرام، فهو أكثرُ إهلاكًا.

أما الطريقةُ الثانية لدفع الخواطر الرديّة والوساوس الشيطانيةِ، فهي المجاهدةُ في نَفي تِلك الخواطر،  ولذلك طريقان :

الطريق الأول: مُداومة الذكر الذي يَنفِي عنِ القَلبِ الوسَاوسَ الشيطانية، والأفكار السلبية والعقائد الرديَّة التي قد تَخطُر على قلبِ السَّائر إلى الله، ثُمَّ إذا جاءته خواطر جعلته يتشكك في بعض أُمور دِينه ولم يدفعها الذكر؛ لجأ إلى الطريق الثاني.

الطريق الثاني: وهو عرض تلك الشكوك والتساؤلات على شيخه الذي بِدوره يُساعده على ترك هذه الوساوس بالفكر وبالعلم الصحيح الذي يحل في القلب محلَّ الشكوك والأوهام، فكانت هذه أنواع الخواطر عندَ السَّادةِ الصُّوفية، وكيفية دفع الرديّ منها، و بهذا ينتهي كلام المصنف عن أول إشراقتين: "الوارد و الخاطر"، و الحمدُ لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم.