السنة الأولى ذو الحجة 1442 هـ - يولية 2021 م


الشيخ. عبد العزيز معروف
مولاي العربي الدرقاوي، مجدد الطريقة الشاذلية - 2
الشيخ. عبد العزيز معروف

بين الشيخ والمُريد

«لا يعرف سيدي علي إلا من كان سيدي علي»، هكذا كان يجيب الشيخ العربي الدرقاوي حينما يسأل عن شيخه ومربيه: سيدي علي الجمل، الذي ورث عنه الطريقة، وأثَّر فيه أيما تأثير، حتى ذكر المترجمون أن الوارث لسيدي على الجمل هو الشيخ العربي الدرقاوي، فمن هو الشيخ علي الجمل، وكيف أثر في الشيخ الدرقاوي؟ وكيف تكون علاقة المريد مع شيخه حتى ينتفع بمدده؟ هذا ما سأتناوله في هذا المقال.

أولا: اسمه ونسبه، ومولده:

هو شيخ الطريقة، وإمام أهل الحقيقة، قطب الأنام ، صاحب العلوم اللدنية، ينبوع الكمال، سيدي الشيخ علي العمراني، أبو الحسن الملقب بـالجمل ابن مولانا عبد الرحمن ابن مولانا محمد ابن مولانا علي، وينتهي نسبه إلى مولانا الحسن المثنى ابن مولانا الحسن السبط ابن مولانا وسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

أما عن تاريخ مولده، فلم أقف عليه، ولكن ما وقفت عليه أنه ولد بفاس بعد خروج والده من بني حسَّان، وتوفي بفاس كما سيأتي.

ثانيا: ذكر بعض فضائله رضي الله عنه، وكيف ينتفع المريد بشيخه:

مَنَّ الله عليه في أول بداية أمره- سلوكه الطريق - أنْ تفضلَ المولى عليه بالذكر، يقول رضي الله عنه: «اعلم أنه مما من الله علي به في أول ابتدائي أن تفضل علي بالذكر، ثم استخرج لي من الذكر الحضور ، ثم استخرج  لي من الحضور العلم؛ أي علم الإلهام، ثم استخرج لي من العلم الغيبة عما سوى الله، ثم استخرج لي من الغيبة عما سواه المعرفة بالله».

من النص السابق يمكننا أن نحدد بعضا من مناقب هذه الشخصية الفذة، ولكن لهذا النص تكملة في غاية الأهمية، وهي قوله: «ولا علينا إلا فضل سادتنا الذين أيدنا الله بهم ورافقونا في هذه الأحوال كلها، جزاهم الله عنا خيرا، أرشدونا ونصرونا وأدبونا وهذبونا ، ما علينا إلا فضلهم، جعلنا الله من السالكين على منهجهم القويم، وأماتنا على محبتهم آمين بفضله وإحسانه».

أقول:

1. ما ذكره سيدي علي الجمل في طريق سيره ونهايته هو غاية كل سالك لطريق القوم، ألا وهو التحقق بالوجود الحق ، وشهود الأحدية فيه، ومشاهدة ذلك الجمال المحض والكمال الأقدس والقرب من الله بالصفة ، واتصال السرائر به.

 2. فتح الله على سيدي على الجمل بالذكر وحبه، ولكنه لم يسير في طريقه وحده، بل تحت رعاية ونظر مشايخه، فالطريق سفر إلى الله تعالى ، والمريد مسافر، فعلى المريد أن يسلك طريق القوم وأن يجتازها مرحلة مرحلة، وأن يقطع عقباتها عقبة عقبة ، وهذا الطريق متشعب المسالك والدروب، ومحفوف بمن يثبط عنه، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، ولذا كانت مهمة الشيخ وهي مهمة خطيرة ودقيقة، فهو للمريد كالطبيب الذي يداوي علته، ومما يذكر في باب تلقين الذكر ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث شَدَّاد بْنُ أَوْسٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، حَاضِرٌ يُصَدِّقُهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فَقَالَ: «هَلْ فِيكُمْ غَرِيبٌ؟» يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ. فَقُلْنَا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ. فَأَمَرَ بِغَلْقِ  الْبَابِ، وَقَالَ: «ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، وَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا الله» فَرَفَعْنَا أَيْدِيَنَا سَاعَةً، ثُمَّ وَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، ثُمَّ قَالَ: « الْحَمْدُ لِلَّهِ، اللهُمَّ بَعَثْتَنِي بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَأَمَرْتَنِي بِهَا، وَوَعَدْتَنِي عَلَيْهَا الْجَنَّةَ، وَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ»  ثُمَّ قَالَ:«أَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ»[1].

فسيدي علي الجمل هنا لا ينسب لنفسه أي شيء، بل منة من الله عليه بها، بفضل مشايخه، وكذا فعل تلميذه سيدي العربي الدرقاوي رضي الله عنه، فذكر أن من فضل الله عليه وجود سيدي علي الجمل وقال الكلمة التي افتتحنا بها مقالنا، لا يعرف «لا يعرف سيدي علي إلا من كان سيدي علي»، ومن هنا جاء الانتفاع السير على المنهج، والأدب مع المشايخ، والصبر على الطريق وعقباته.

فأول منقبة نذكرها لسيدي علي الجمل وورثها منه سيدي العربي، هي الأدب، ومعرفة حقيقة النفس.

ويذكر سيدي علي الجمل عن شيخه العربي بن عبد الله أنه قال له يا ولدي هذا الأمر الذي أراك تطلب لا ينال  إلا بما أراك تفر منه وهو الذل، أحببت أم كرهت، لا سبيل له سوى هذا، لا سبيل له سوى هذا ، لا سبيل له سوى هذا».

فهنا الشيخ يعلم حال مريده وما يصلحه، ويعلم ما يصيب النفوس، فأدخله من باب الذل والافتقار إلى المولى عز وجل،  قال موسى عليه السلام: يا رب أين أبغيك؟ قال: عند المنكسرة قلوبهم»، ومن هنا قال ابن عباد: «ولا شك أن الذل والافتقار من أوصاف العبودية، فالتحقق بهما مقتض للوصول إلى حضرة الرب»، ويفتح بابا عظيما للمريدين، وكما قال تلميذ سيدي العربي الدرقاوي، سيدي البوزيدي:

من أراد الشراب ورفع الحجاب ** فليأت للباب قبل أن يغلى

يأتي مقيد فاني مجرد ** من طلب يورد يرضى بالقتلى

بقتل النفوس وفنا المحسوس ** حضرة القدوس فيها يتولى.

فهنا نقل سيدي الجمل لتلاميذه ما تعلمه من شيخه العربي بن عبد الله، وهذا واجب المريد إذا ترقى في طريقه وصار له مريدين أن يعلمهم ما تعلم، وأن ينظر في حال كل واحد منهم ويعطيه ما يناسبه، ويذكر في هذا سيدي علي الجمل أنه سأل شيخه، فقال له: يا سيدي  رأيت نفسي ضعيفا من جهة القول قويا من جهة الفعل، وخفت أن يتعذر أمري من أجل ذلك.

قال لي: احمد الله على ذلك، واعرف منته عليك فيك، ولو جعل الله القوة التي جعل فيك في الفعل في القول لأهلكك العامة؛ لأنك إن سلمت من أهل الرياسة  لا تسلم من علماء الشرائع.

وهنا يتأيد ما ذكرت أن الشيخ علم ما يناسبه فدله على الرضا بما هو فيه؛ لأنه في حال قد تصدر منه بعض العبارات التي هي من قبيل الرموز، وأن حاله الآن قد لا يحسن فيه التعبير عن قوة الواردات التي تتنزل عليه، فسكَّن نفسه، وهذبها.

وهذه منقبة أخرى، أن المريد يسأل شيخه عن أحواله، وما يتطلع له، فيدله الشيخ عما يناسبه.

وأحب أن أختم هذا المقال بمقولة لسيدي محمد البوزيدي؛ تلميذ سيدي العربي الدرقاوي تلميذ سيدي علي الجمل،  ينصح بها المريد: «ولا يصل لمقام المشاهدة   إلا على يد شيخ عارف،  ولا إلى مقام المراقبة إلا على يد عالم عامل؛ لأن رؤية الأكوان لا يرفعها إلا من رفعت، أي الأكوان، وهم العارفون، فاصحبهم يا أخي! تسترح من هم رؤية الأكوان ، فلا ترى عينا مع العيان، لا أنت، ولا شيئا من الأكوان، ثم تراها وتثبتها بالملك المنان، فافهم»[2]، وللحديث بقية. 


[1] أخرجه أحمد في مسنده 17121

[2] الآداب المرضية لسالك طريق الصوفية ، للإمام محمد البوزيدي المستغانمي ، دار الكتب العلمية ص39.