
أسئلة المريدين - 1
مولانا الإمام أ.د. علي جمعةس:هل توقف التواصل مع الشيخ كما حدث في هذه الازمه الأخيرة هل معناه انقطاع المدد أو أنهم خارج الطريق؟
ج: كان مشايخنا رضي الله تعالى عنهم يقولون لنا إذا غابت الأشباح التقت الارواح، ولذلك فإن اللقاء الشبحي أي بالأجساد ليس هو أساس الطريق، ذلك أننا في هذا الطريق إنما نسعى الى الله سبحانه وتعالى، والله هو مقصود الكل وهو مطلوبي في السير في هذا الطريق، والله سبحانه هو تعالى باقٍ.
ولذلك لما التفت سيدنا عمر رضي الله عنه -وهو من الصديقين الكبار-عند وفاة النبي إلى قضية تفرق الأشباح قام أبو بكر رضي الله عنه وقال:من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
ولذلك فإن الشيخ يعينك في هذا الطريق ويساعدك ويرشدك ويعلمك، لكن المقصود هو مقصود الكل وهو الله سبحانه وتعالى، نسعى إليه بالذكر والفكر، من غير أن نلتفت إلي شيء، ونسعى إليه ونحن مؤمنون بقضائه وراضون بفعله في هذا الكون، [وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ](البقرة: 285).
فكل هذه التصرفات الكونية التي لا حيلة لنا فيها إنما نواجهها بقول سيدنا يعقوب وهو يُعلّم أبنائه ]فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ] (يوسف: 18)،ف ما دام الأمر من عند الله سبحانه وتعالى فعلينا أن نصبر ونرضى ونسلم وأن نتوكل وأن نعتمد على ملتقى الأرواح إذا افتقدنا ملتقى الأشباح.
س:أنا الآن في عَزْل منزلي أجلس بمفردي فى غرفه بالمنزل، وقليلاً ما أتحدث لأحد فكيف استفيد بهذه الخلوة؟
ج:بالأذكار والأفكار، أما الأذكار فتتمثل في القرآن الكريم والذكر المحض والدعاء والمناجاة والالتجاء، وأما الافكار فتتمثل في التدبر، اجلس مع آية من آيات الله وحاول أن تفهم معانيها وأن تعيش فيها وفيما تقتضيه من أمور
س:احيانا أخجل من ذكر بعض الأمور للمُقدِّم وأتمنى لو كنت أذكرها لمولانا الشيخ ويزيد شوقي وحبي للشيخ وأتمنى رؤيته في المنام فهل إلى ذلك من سبيل؟
ج:يندرج هذا أيضاً تحت ما ذكرناه، يندرج تحت بيان أننا في هذا الطريق ليس المقصد هو أن نلتذ بلقاء الشيخ ولا حتى أن نلتذ بالذكر ولا العبادة، ولكن المقصد أن نلتذ بالأنس بالله سبحانه وتعالى؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو المقصود وهذا هو التوحيد الخالص وهذا هو معنى أننا نحاول أن نخلص الدين كله لله.
تسقط رسوم الأكوان وتسقط رسوم الأشخاص ولا يبقى إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام، فهذا هو المقصود من هذا الطريق.
وكل ما يعتري الإنسان من تعلق بالشيخ، ومن تعلق بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو صخرة الكونين وملتجأ الخلق وهو العبد الأول عند ربه سبحانه وتعالى ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ] (الذاريات: 56)فكان مثالاً يُحتذى به، وكما قالوا:لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك، أي أن هذا الكون قد خُلِق من أجل العبادة وأن يعبد هذا الكون ربَّه ]وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ] (الإسراء: 44)، فهم يسبحون ويسجدون ويرجون ويأتون ويسلمون، ]الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (طه:5)، وبالرغم من ذلك فإن سيد الكونين هذا أيضاً هو من طائفة الكون، فهو مخلوق لربه، وإنما أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون الأنُس به وحده جل جلال الله حتى ولو كان سيدنا النبي هو وسيلتنا إليه ومرشدنا وهو الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نتبعه حتى قال: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ).
س:إذا سمحت مولانا ممكن تتفضل علينا ببرنامج نلتمس به البركة لتنظيم اليوم.
ج:اتقِ الله ما استطعت لأن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وارض بما قسمه الله لك.
فأول ما وضع البخاري في صحيحه (إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)، فيجب عليك أن تحرر النية لله وان تجعل كل فعلك وكل تركك وكل حركاتك وكل سكناتك لله رب العالمين، هنا ستنال وتصل إلى المقصود الأتم من العبادة.
س:كثيرا ما نضطر في الإسراع في الذكر أو جمعه بعمل آخر لكي نتم العدد في وقته، فهل هذا قصور؟
ج:بل هذا هو المطلوب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل حال، والمطلوب شرعاً أن نذكر الله كثيرا، وذكر الله يتأتى بالصلاة ويتأتى بقراءة القرآن والتسبيح والاستغفار ونحوها.
فالذي طلبه الله منا أن نذكر الله كثيرا]فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ] (البقرة: 152)، ولذلك نذكره في حال الخلوة وفي حال الجلوة، و نذكره على كل حال حتى لو لم نكن على طهارة، لا صغرى ولا وسطى ولا كبرى، بل ذكره سبحانه وتعالى امتثالا لإرشاد نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يقول: (يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)، فكلما اشتد ذكرك جف لسانك، ولكن هذا الجفاف جسدي وظاهري، والحقيقة أن هذا الجفاف عند الله مثل دم الشهيد، أطيب عند الله من ريح المسك، ومثل خَلوف فم الصائم فهو أطيب عند الله من ريح المسك، ولذلك فإن هذا الجفاف نحافظ عليه بعد الذكر حتى تأتي الواردات كما سنرى في بعض الأسئلة.
أسرِع، حَصّل، اذكر الله سبحانه وتعالى حتى يُقال عنك إنك مجنون (أَكْثِرُوا ذِكْرَ اللهِ حَتَّى يَقُولُوا مَجْنُونٌ)؛ لأن هذا هو الذي يُنير القلوب ويجعل اللسان مع الجنان مع الجسم بأركانه خاضعا لله سبحانه وتعالى.
س:إذا كان المريد عاجزا عن فهم أحواله فلا يستطيع التفريق إذا كان حال القبض أو البسط مثلا مرتبطا بالذكر أم بأمور الدنيا؟
ج:لا تلتفت لهذا التفتيش، دعها واتركها، لا تلتفت حتى إلى حالك، ولا تركز معه؛ لأن هذا نوع من أنواع الاهتمام بغير المقصود، فالمقصود هو الله.فإذا ورد قبض رضينا بالقبض، أو ورد بسط رضينا بالبسط، ونلتذ أن هذا من عند الله سبحانه وتعالى في الحالة واللحظة التي نعيشها، لا نكره قبضا ولا نرغب بسطا، وإنما نحن نعبد ربنا، وما يجريه على أجسادنا وقلوبنا وأرواحنا ونفوسنا فليجريه سبحانه وتعالى ونحن في رضا كامل ]رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ] (التوبة: 100)، ارض عن ربك.
س:هل بانتهاء المريد من ورد التمهيد والدخول في الأسماء الأصول والفروع وأسماء الله الحسنى يكون تغلب على نفسه الأمارة؟
ج:المفروض أن هذه الأشياء لها آثار، فإذا تمت هذه الآثار فإنه يكون قد ترقي، لكننا لا نلتفت الى هذا الترقي ولا نجعله غايتنا، نحن نذكر لأن الله يحب منا الذكر، نحن نذكر عبادة لله، لا من أجل أن نترقى، ولا أن ننتقل من مرحلة إلى مرحلة، ولا أن نقضي على أنفسنا الأمارة أو اللوامة، فهذا سيتم عندما يريد الله له التمام.
يجب علينا دائما أن نتذكر هذا الذي نقوله لأنه مفتاح لكل شيء، وهو معنى لا حول ولا قوة إلا بالله، أي لا فاعل في هذا الكون إلا الله، وأننا في معية الله سبحانه وتعالى، فنحن في مأمن، حتى لو تواردت علينا الأفعال والأحوال والتقلبات فنحن في مأمن، لأننا في معية الله سبحانه وتعالى.
ومن أجل هذا فلا تطلب من ذكرك الترقي ولا تلتفت إلى نفسك وتقول هل:أنا أصبحت في درجه أخرى؟ إذاً أنت تعبد هذه الدرجة، بمعنى أنك تسعى وأن مقصودك هو هذه الدرجة، ونحن نريد أن يكون مقصودنا هو الله، لا رب سواه، هو رب العالمين.
ولذلك فنحن نقوم بهذه الافعال إما عباده لله ونريد العبادة، وإما تدريب وتربية من أجل الترقي وهذا أدون من العبادة، ونحن نريد العبادة، وإما أن يكون هذا من باب العادة ونحن لا نريد أن يكون من باب العادة حتى لو كانت عادة طيبة.ومن هنا نجد كلام أبي يزيد البسطامي عندما سألوه:ما لنا نعبد ولا نشعر بلذة العبادة؟!فقال:عبدتم العبادة، أي جعلتم العبادة هي المقصد.مثلاً أنا صليت كم ركعه؟، أنا ذكرت كم اسم؟، أنا الآن في أي مرحلة؟، قربني يا شيخ إليك حتى اتمتع بالجلوس تحت قدميك، إلى آخر هذه الرغبات، فهي ما زالت رغبات، ولكن المقصود أن نحرر أنفسنا وندربها على هذا التحرير وأن نتعود عليه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
إذاً كل هذه الأسئلة تدور على معنى واحد أنه يجب علينا أن ندرك بعمق معنى لا حول ولا قوه الا بالله، حتى ننجو ونترقى ونلتذ بالعبادة ونشعر بآثار هذه العبادة من مقاومة النفس الأمارة والترقية من اللوامة إلى الملهمة إلى الراضية إلى المرضية إلى المطمئنة إلى الكاملة، لكن هذا ليس هو مقصودنا، ليس هو مرادنا، وإنما مرادنا هو الله، ومقصودنا هو الله.
وهي مسألة صعبة أن يفرق الإنسان بين هذه المعاني الدقيقة، ولكننا نحاول ونتعلم ونُعلِم، وبتكرار هذه المعاني سنفهمها وسنعيشها.فأول المراحل (1)أن تترقى (2)ثم تفهم ما المراد (3)ثم تصدقه (4)ثم تحفظه (5)ثم تعيشه، وهذا الذي نريده، أن تعيش هذه المرادات الإلهية الربانية، هكذا فعل فينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.