السنة الأولى ذو الحجة 1442 هـ - يولية 2021 م


مولانا الإمام أ.د. علي جمعة
أسئلة المريدين - 2
مولانا الإمام أ.د. علي جمعة

س1: قرأنا في بعض كتب الصوفية ما يسمونه استحباب كتمان النَّفَس بعد الذكر من أجل دوران الوارد؟

ج: بعض الطرق تهتم بالجذب، يجذبك من هذه الحياة الدنيا ومشاغلها وتلاهيها إلى الله سبحانه وتعالى حتى يدفع هذا الجذب إلى السلوك، أي يبدأ بالجذب متجهًا به إلى السلوك، وبعض هذه الطرق ومنها طريقتنا نبدأ بالسلوك حتى تصل إلى الانجذاب إلى حضرة المولى سبحانه وتعالى، فهذا وارد وهذا وارد.

فكتمان النَّفَس معناه أنه بعد الذكر نجلس هُنَيْهة - قدرًا بسيطًا من الوقت- ونغمض أعيننا ونأخذ النَّفَس ثلاثا، ثم نكتم هذا النفس في صدورنا هنيهة، ثم نُخْرِجه، «لأن الإنسان لا يستطيع أن يكتم نفسه تحت الماء أكثر من دقيقتين بالأرقام القياسية، ولكن هذا لا يتحمل دقيقتين ولا حتى دقيقة واحدة، وإنما هي قضية أنه يأخذ نَفَسه ويكتمه كما ذكرنا حتى يحتاج إلى التنفس فيخرج النفس»، ويقولون إن هذا يجعل سيلان من الواردات وهو الذي يسمونه دوران الواردات فيأتي وارد ثم وارد بعده ثم وارد بعده، وهكذا.

وهذه الواردات قد تُحدِث في قلب الانسان راحة، وقد تحدث له نوعا من أنواع الشعور بالصلة، ولكن أيضاً هي غير مقصودة، ليس هذا هو مقصودنا من الذكر ومن العبادة ومن التوجه، إنما مقصودنا هو الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وليس أن نلتذ بالعبادة. فمن أراد أن يفعل هذا فهو جائز، إنما مع تحرير ذهنه وقلبه من أن يتعلق بغير الله سبحانه وتعالى؛ لأن تحرير القلب من هذا التعلق هو الذي سيأتي بكل هذه الأشياء بسهولة وبنظام وبوضوح وباستمرار أي تدوم، وأحب الاعمال إلى الله وكذلك أحسن الأحوال عند الله ما دام واتصل.

س2: الانقطاع عن الورد ثم العودة والانقطاع لفترة قد تزيد عن شهر ثم العودة لفترة قد تزيد أو تكثر هل هذه هي علامة على أن رزق المريد ليس في هذا الطريق؟

ج: ما دمت تجد قلبك في الطريق فدُم عليه؛ لأن الأمر هو أمر القلب وليس أمر المجيء والانقطاع من عوارض الدنيا، إذا وجدت قلبك في هذا الطريق فدُم عليه.

س3: ورد عن مولانا في كتاب الطريق إلى الله قوله: والنفس مطية يقويها إنضاؤها، ويضعفها استمتاعها، فهو يقول هل هذه النفس أو الروح[1]؟

ج: تكلموا عن هذه الأربعة: قلة الطعام، قلة المنام، قلة الكلام، قلة الأنام، هذه الأربعة هي المقصود بأن نُنضي النفس. ونُنضي النفس يعني جعلها نحيفة، أي لا تصبح نفساً ثقيلة، «بِحَسَبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيماتٍ يُقِمْنَ صُلْبَه»، فكما أن الجسم له ثِقل، فإن هذه النفس لها ثِقل ووخامة قد تعطلها فى الترقي إلى الله - سبحانه وتعالى - ولذلك فإن إنضاءها يعنى نحافتها، مثلما نجد الفرس الناض أسرع لأنه لا يحمل دُهناً ولا ثِقلاً يعطله من الفوز بالدرجة الأولى فى السباق، وأن يكون المُجَلِّي لا المُصَلِّي، والمُجلي هو الأول في السباق والمُصلي هو الذي يأتي بعده فيكون الثاني فى السباق فى عالم الخيل.

أما بالنسبة لجزئية هل هذه النفس أو الروح، فالروح لم توصف فى القرآن الكريم، ولكن التي وصفت بأنها مطمئنة، بأنها راضية، بأنها مرضية، بأنها ملهمة ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشمس:8] هي النفس، فالنفس هي التي ستؤاخذ. ولكن في بعض الكتب عُبِّر عن النفس بالروح؛ لتلازمهما، فالنفس تخرج عند الموت مع الروح، أما خروج النفس وحدها فهذا هو النوم.

س4: هل كثرة الصلاة والسلام على رسول الله تقوم مقام المُربي عند البعد والمسافة؟

ج: كما ذكرنا قضية الأشباح والأرواح، ولكن الصلاة على سيدنا رسول الله بركة، والإكثار منها علامة رحمة. فينبغي علينا أن نكثر الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قَرُبَت المسافات أو بعدت.

س5: لو ضاق الوقت هل يجوز أن نثلث أذكار المسبعات؟

ج: لا يجوز، وإنما لو ضاق الوقت ووجدت أن الشمس سوف تشرق، وبدأت بقراءة الفاتحة بالفعل، فلو أتممتها قم بإتمام المسبعات؛ لأنك لو أنك كنت تصلي الفجر فأتممت ركعة - أي جزء من الصلاة - فأشرقت الشمس، فالوقت وقت حضور وأداء وليس وقت قضاء.

ومن هنا كان سيدنا أبو بكر يطيل في صلاته بالمسلمين فيقولون: ستصبح ستصبح، يعني الشمس سوف تشرق، قال: لو أشرقت ما وجدتنا غافلين، فالقضية هنا أننا ما دمنا أدركنا شيئًا من المسبَّعَات فليتمه، ويكون ذلك أيضاً فى وقتها ملتزمين بشرطها.

س6: إلى أي مدى يكون لرجال الدين المسلمين سلطة روحية على مريديهم؟

ج: الإسلام ليس فيه أصلاً رجال دين، فإن رجال الدين هم أولئك الطائفة في أديان مختلفة تُشَرِّع لهم شريعتهم، وليس هناك هذا النوع ممن يشرع للمسلمين شريعتهم، فالشريعة الإسلامية قد كملت وتمت بنزول القرآن الكريم، وبإيضاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سنته لهذا القرآن العظيم، وباجتهادات أولئك الأئمة الذين وفقهم الله من غير حول منهم ولا قوة فى فهم وفى الحفاظ على هذه الشريعة ولغتها، لكن ليس هناك ما يسمى برجال الدين، رجال الدين كلمة خطأ، ولذلك ليس هناك سلطة لأحد على أحد، الأمر كله فى العلاقة بينك وبين ربك. فشيخك ومرشدك ومقدمك إنما هو معلم ومرشد ودال على الخير، وليس مُشرعًا لشيء من هذا إطلاقًا.

س7: ماذا نفعل عندما يخطئ في حقنا أحد المسلمين وخاصة من الصوفية؟

ج: كأنه ليس موجوداً، فلا تلتفت إليه، وتجاوز واشتغل بما شغلك الله به.

س8: بعض الأشخاص ينتقل من طريق إلى آخر ومن ورد إلى آخر؟

ج: لا يُحَصِّل الأثر، أي إن هذا الشخص الذي ينتقل من طريق إلى آخر ومن ورد إلى آخر دون أن يتم، كطالب العلم الذي يقرأ في هذا الكتاب صفحات ثم يعود فيقرأ في كتاب آخر صفحات، سيظل هكذا كما يقولون «محلك سر». إذا أراد أن يصل إلى جهة معينة فسار كيلو مترًا ثم رجع هذا الكيلو مترًا من أجل أن يبدأ من نقطة انطلاق أخرى، فإنه لا يصل إلى مقصوده أبدًا.

س9: هل يتعارض كون الإنسان مخيرًا مع إرادة الله وقهره للأشياء؟

ج: أبداً؛ لأن الله هو الذي خلق لنا الاختيار، ولذلك إذا بحثنا المسألة على مستوى الإنسان، فإن الإنسان مُخير قطعاً، فلديه عقل ومعه إرادة واختيار، ولكن من جهة الرحمن، فهو خلق كل شيء، بما فيها الخير والشر والإنسان والأكوان، ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾[الرعد:16]. ولما خلقنا الله سبحانه وتعالى، خلقنا ومعنا إرادتنا، وهذا هو الذي سنحاسب عليه، باختياري أُصَلِّي أو لا أصلي، أزَكِّى أو لا أزكي، أرتكب المعصية أو أتركها، إذًا هذا باختياري أنا، وعليه يتم الحساب.

إنما هو الذي خَلَق كل شيء، كأننا هنا فى فيلم سينمائي، الذي أنتجه وأخرجه وصوره وأبرزه هو الله - سبحانه وتعالى - فهو رب العالمين. وكوني فى داخل الفيلم اتحرك، فهذا بإرادتي وبكفاءتي وكذا إلى آخره، ولكن هو الذي أوجد كل هذا الكون بما فيه. إذًا ليس هناك تعارض، لأنهما دائرتان متداخلتان وليستا متقاطعتين ولا متعارضتين.


[1]  أنضاء: مثل حمل وأحمال، وجملٌ نِضْوٌ أي مهزول، والثوب أنضيته ألقيته، والنِضو بالكسر حديدة اللجام والمراد الحد من شهوة النفس.