السنة الأولى ربيع الأنور 1443 هـ - أكتوبر 2021 م


مولانا الإمام أ.د. علي جمعة
أسئلة المريدين - 3
مولانا الإمام أ.د. علي جمعة

س1: كيف يُطهر القلبُ من السِّوَى؟

بالتدبر والتأمل والتفكر، تفكروا في خلق الله، وفي كلام الله، فهذا يفتح لكم أبوابا عجيبة غريبة تخرج ما سوى الله من قلبك.

والحكم العطائية كلها تفسر لا حول ولا قوة إلا بالله، وهو أن تخلي قلبك من السوى، فما سوى الله لا حول له ولا قوة، كائنا ما كان، العرش، والسماوات، والملائكة، والجن، والأنبياء، والأولياء، والبشر، والحجر، وغير ذلك.

س2: ورد في عدد من الأحزاب الذكر بـ (أحون قاف أدم حم هاء) فما معناها؟

ج: هناك علاقة ما بين الحروف وبين الأعداد، وبين جريان أجرام السماء في السماء وبين أحوال شأن الإنسان في الأرض، وهي علاقات لا تصدر إلا عن حكيم، ولذلك فكلما اطلع الإنسان على هذه العلاقات التي يتعجب منها لا يمكنه إلا أن يقول إن الذي خلق هذا الكون وأوجده وكان سببا في إنشائه وقال له كن فيكون لا يمكن إلا أن يتصف بصفات الكمال والجمال والجلال، لا يمكن إلا أن يكون كذلك.

فهذه العلاقات اكتشفها الأقدمون، وورد ما يدل على أن سيدنا إدريس أول من ألهمه الله وأوحى إليه بمثل هذه العلاقات. هذه العلاقات تفنن فيها المتفننون، وفتح الله على عباده في إدراكها، ووجد الباحثون فيها أن لها علاقات مع أسماء الله الحسنى الموجودة في الحديث والروايات المختلفة وعددها في القرآن الكريم أكثر من 150 اسماً وفي السنة أكثر من 160 اسماً وفي المجموع بينهما أكثر من 240 اسماً، ووجدوا أن هناك علاقات بين هذه الحروف وهذه الأعداد وهذه الترتيبات. وكانوا سادتنا: سيدي أبو الحسن الشاذلي وسيدي عبد العزيز الدباغ وسيدي إبراهيم الدسوقي متبحرين فيها، وبناء عليه وُضِعت مثل هذه التركيبات.

هذه التركيبات لها في كثير من الاحيان تفسير ولها معنى، ولكن المشايخ لا يريدون أن تكون شائعة في الخلق؛ لأنها تشتمل على معانٍ قد تثقل فى الفهم إلا بعد فهم هذه العلاقات وتلك الجداول إلى آخرة، ومن هنا قال رسول الله صلى        الله عليه وسلم: (فمن وافق خطه خطه، فذاك) أي خط النبي الأول الذي اكتشف وأوحى الله إليه هذه العلاقات فسيصل إلى شيء.

فلما رأينا الخير جرى على يد أولئك الأكابر من الائمة الذين يأمروننا بذكر الله والتوحيد الخالص والعبادة وكل هذه الأخلاق الطيبة ويأمروننا ألا تكون الدنيا في قلوبنا وإذا كانت تكون في أيدينا، وأن نكون في الدنيا كعابر سبيل، لم يطلبوا سلطاناً ولا دنيا ولا شيء من هذا، ولم يأمروننا بالسيء من الأخلاق، عرفنا أن الله فتح لهم وبهم وعليهم هذه العلوم.

إذاً هذه الأمور لها دلالات على تلك العلاقات التي بين الحروف والأعداد، ولكن ليس من الضروري أن نعلم معانيها الدقيقة؛ لأن معانيها الدقيقة تحتاج إلى إيضاح يمكن أن يُشرح في ورقات كثيرة حتى نستوعب ما المراد منها.  ولكن القرآن الكريم أشار إلى هذه الحروف المقطعة في أوله: (الٓـمٓ)، وكذلك في أوائل بعض السور (حـمٓ( (قٓ)، وهكذا وكأنه يشير إلى شيء من هذه العلوم. ويجب علينا أن نسعى في فهمها وعلمها وليس في محيط معرفتها هكذا، بل إن ورائها أسرارا كثيرة يمكن أن تفيد في الدعاء، فلأننا سلمنا لسيدي أبي الحسن الشاذلي علمه وفضله وإمامته فعلناها.

س3: كثرت الفتن من حولنا وكثرت الحيرة، فماذا نفعل حتى ننجوا؟

ج: امتنع عن أن تذاكر الفيس بوك والانترنت سوف تجد نفسك في راحة، فالحيرة تأتي من انشغال أنفسنا بما لم يشغلنا الله به.

س4: ماذا عن صحبة الشيخ وما يجب على المريد لتحقيق هذه الصحبة؟

ج: أخذوا صحبه الشيخ من ملازمة الصحابة الكرام - رضي الله عنهم وأرضاهم - لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووضعوا لها آداب، من هذه الآداب: [وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ] (الاحزاب: 53). والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه سيكون له ميراث محمدي فى التعليم والإرشاد والتربية، واجه هذه المشكلة: أن الكل يحب أن يجلس إليه، حتى قال له حنظلة: عندما نكون معك تكون قلوبنا فى السماء ومعلقين بالعرش، وعندما نخرج ونعافس أهلنا وأموالنا تحدث لنا غفلة! فقال: يا حنظلة ساعة وساعة، والله لو دمتم على ما كنتم معي عليه لصافحتكم الملائكة في الطرقات. وكثير من الناس يفهمون أنها درجة عالية، وأنا أفهم منها أنها تحذير، لأنه لو صافحتنا الملائكة فى الطرقات لتركنا الدنيا وعمارتها فوقعنا مرة أخرى في المعصية؛ لأن الله أمرنا أن نعمر هذه الدنيا، ولا ننشغل بجمال الملائكة وأُنسها عن الهدف الأساسي للخلافة البشرية للأرض. ولذلك يا حنظلة ساعة وساعة، هذا هو الكمال، وليس الكمال أن نلتذ فنخالف، فيجب علينا إذن أن نفهم هذا الأمر بدقة.

س5: بين مقام الرضا والمحبة في بداية طريق المريد، أيهما أولى بالاتباع، فالمحبة تقتضي طلب الوصال من الله أو الرسول أو الأولياء، والرضا يتطلب التسليم بالحال، أيهما أقرب لرضا المحبوب؟

ج: في الحقيقة أن المحبة لا تقتضي طلب الوصال، بل إن المحبة هي نفسها الوصال، أي إذا كان فى قلبك حب حقيقي لله ولرسوله فقد اتصلت به، فالمحبة هي الوصال [قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ](آل عمران: 31). إذاً: إذا كنت حقا حبه لأطعته، إن المحب لمن يحب مطيع.     

س6: فى كتاب سيدي النبهاني (سعادة الدارين)، فصل رؤية رسول الله على غير هيئته، وإن رؤية سيد الكونين مثلا يعكس حال ومقام الرائي وربما رجع ذلك إلى نقص في دين الرائي؟

ج: نسأل الله - سبحانه وتعالى - الكمال دائما، ولكن النبي لو رُئِيَ في غير هيئته، فإن ذلك له تأويل، فليعرضه على أصحاب التأويل ويذكرون له ما المعنى الذي هو فيه. أما كونه يدل على نقصان فى الدين؟ فقد يكون ذلك، أو هل يدل على معصية؟ قد يكون ذلك، أو هل فيه إشارة لفعل معين وليس فيه نقصان؟ قد يكون ذلك حسب الرؤية وحسب سياقاتها.

س7: سمعت أنه لا يجوز أن نقول لأحد (ربنا بيحبك)، فهل هذا صحيح؟

ج: وهل قولهم (ربنا بيكرهك) هي الصحيحة؟! ربنا بيحبك، وإلا لم يخلقك، ولم يرشدك إلى هذا الخير، سواء كان الإسلام أو الطاعة في الإسلام أو استجابة الدعاء. من قال لك إن الله لا يحب صنعته؟! الله يحبك قطعا.

وفي النهاية ندعوا الله - سبحانه وتعالى - أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يكفر عنا سيئاتنا، وأن يجمعنا في الدنيا والآخرة على الخير، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يشرح صدورنا للإسلام، وأن ينور أبصارنا وبصائرنا إلى حقائقه، وأن ينقلنا من دائرة سخطه إلى دائرة رضاه، وأن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء همنا، وأن يحشرنا تحت لواء سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن يدخلنا الجنة ببركته من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب، وأن نشرب من يده الشريفة شربه ماء لا نظمأ بعدها أبدا. فاللهم يا ربنا متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، وآتنا فى الدنيا حسنة، وفى الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار. أصلح حالنا، واغفر ذنبنا، واستر عيبنا، وهيئ لنا من أمرنا رشدا، وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.