
أركان الطريقة - 2
د. مختار محسن الأزهريتعرضنا في المقال السابق لمفهوم الطريقة، كأحد المفاهيم الأساسية للتصوف، وعرفنا أن السادة الصوفية استمدوا هذا المفهوم من الشرع الشريف، ووفق قواعد اللغة العربية، وقد مثَّل مفهومُ الطريقة أساسًا تقوم عليه التربية الصوفية التي تحافظ على مواريث النبوة، وتربط المريد عن طريق شيخه بنور النبوة، وتُنشِّئُه على تهذيب النفس، وترك الخصال السيئة والتحلي بالأخلاق الحسنة.
وقد تناولنا المفهوم من حيث التعريف، والاستمداد، والثمرة؛ أي الغاية من الطريقة، وفي هذا المقال نتحدث عن أركان الطريقة إجمالًا:
أولًا أركان الطريقة :
فأما الطريقة؛ فإنَّ لأي طريقة أركانًا لا بد منها؛ وهي بحسب الاستقراء ثلاثة أركان هي:
(1) الشيخ (2) والسند المتصل (3) و المنهج.
فكل طريقة من طرق السادة الصوفية لابد فيها من هذه الأمور الثلاثة؛ وإلا لا يصح تسميتها بالطريقة؛ وفيما يلي بيان هذه الأركان:
(1) الشيخ:
فأما الشيخ فهو القائم بأمر التعليم والتربية، والذي يقوم بمهام الدِّلالة على الله بحاله ومقاله، وقد تقرر لدى السادة الصوفية أن لهذا الشيخ شروطًا ظاهرة وباطنة؛ وهي باختصار أن يوافق ظاهرُه الشرعَ الشريفَ، وأن يكون باطنُه عامرًا بمعرفة الله جل في علاه، وأن يكون عالمًا بطرق الدلالة على الله، وما تحتاجه النفوس في سيرها إلى الله[1].
وعمدة ما يمكن أن يُذكر في هذا الباب هو ما قرره الإمام العارف سيدي أبو العباس ابن عجيبة رضي الله عنه مستخلصًا إياه من كلام أئمة الطريقة الشاذلية ممن سبقوه فقال: «من شروط الشيخ أربعة: علمٌ صحيح، وذوقٌ صريح، وهمةٌ عالية، وحالةٌ مَرضية؛ فالعلم الصحيح هو ما يُتقن به فرضَه، ولا بد أن يكون عالمًا بالمقامات والمنازل التي يقطعها المريد، وبغرور النفس ومكايدها، قد سلك ذلك على يد شيخ كامل، وذاق ذلك ذوقًا لا تقليدًا، وهو المراد بالذوق الصريح، والهمة العالية هي المتعلقة بالله دون ما سواه، والحالة المرضية هي الاستقامة بقدر الاستطاعة ولا بد أن يكون جامعًا بين حقيقة وشريعة، وبين جذب وسلوك؛ فيجذبه بجذب القلوب، وبسلوكه يخرجها من حالة الجذب إلى البقاء، فالسالك فقط ظاهري لا يَجذبُ ولا يحقق، و المجذوب فقط لا يَسير ولا يُوصل، وفساد صحبته أكثر من نفعها»[2] اهـ.
فما قرره الشيخ ابن عجيبة هنا هو جملة ما ينبغي أن يكون عليه شيخ الطريق الذي عليه مهمة نقل أخلاق الدين وتحويلها إلى واقع في حياة السالكين، وأيضًا الشيخ يقوم بدور مهم وهو المعونة على البر والتقوى؛ فإن حاله يرفع من حال المريد، وهمته تسري في نَفس المريد، فعندما يجد المريد في همته ضعفًا وفي حاله نقصًا يسارع إلى شيخه ليستمد منه العون والإرشاد، فيقوم الشيخ مستعينًا بالله بمعونته وإرشاده ظاهرًا وباطنًا؛ والشيخ الذي يفعل ذلك يكون وارثًا محمديًا يستمد نوره من نور سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال الشيخ العارف الدباغ رضي الله عنه: «إن المريد إذا قال لا إله إلا الله قبل أن يلقَى الشيخَ الكامل يقولها بلسانه وقلبه غافل، والشيخ يقولها بالباطن لعظيم مشاهدته، فإذا لقَّن المريد سرت حالتُه في المريد؛ فلا يزال يترقى إلى أن يبلغ مقام الشيخ إن قَدَّر الله له ذلك»[3].
فبان من ذلك كله سر تمسك السادة الصوفية من كل طريق بركن الشيخ؛ لما فيه من أخذ بأسباب الترقي والسير في الطريق إلى الله.
(2) السَنَد:
إن طريق التصوف هو طريق اتباع لا ابتداع؛ ولذلك فطرق السادة الصوفية لا بد لها من إسناد ينتهي بصاحب الشرع صلى الله عليه وآله وسلم، والتصوف في ذلك لا يخرج عن باقي العلوم الإسلامية التي تروى بالإسناد المتصل؛ لأن ذلك مما يميز الأمة المحمدية المباركة[4].
و هذه الأسانيد تميز ما بين الصادق والمدعي، وما بين المحق والمبطل، حيث تقصر التلقي والانتفاع على من اتصل سنده وتحققت وراثته، ومن فوائد الإسناد أنه يجعل أمر الطريق من قبيل الحقائق الشرعية لا الأوهام الشيطانية، فإن المريد إذا تعرف على سلسلة الطريق، وعلم رجالها، وتمسك بحالهم؛ عند ذلك يسرى منهجهم فيه ، ويتعلق بهم على نحو يتم به أمر الصحبة والاقتداء، وهو خلاف ما يكون من أصحاب الدعاوي والأباطيل الذين يجمعون الناس حول أهوائهم وتوهماتهم، فلا طريق يقطعون ولا إلى حقيقة يصلون.
[1] انظر حقائق عن التصوف للشيخ عبد القادر عيسى صـ 69، ط.دار التقوى-سوريا، وقد ذكر الشيخ رحمه الله في كتابه هذا أربعة شروط للشيخ؛ فراجعه.
[2] إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة صـ 100،ط.مكتبة الفجر الجديد
[3] الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز لأحمد بن المبارك صـ216 ط.الميمنية
[4] لمعرفة المزيد عن أهمية الإسناد وتفصيل إسناد الطريقة الصديقية الشاذلية، انظر سلسلة الطريقة الصديقية الشاذلية لمولانا أ.د. علي جمعة