السنة الأولى ربيع الأنور 1443 هـ - أكتوبر 2021 م


أسامة محسن
أريج الذكرى عبر الأزمان … وأثير المولد في كل مكان
أسامة محسن

سيدي يا رسول الله تشرق شمس شهر ربيع الأول الأنور في كل عام ليتشرف ذلك العام بأن ينال شرف حمل عطر اسمك الطاهر بين طيَّاته، ويشعُّ سنا نورك الباهر فينتقل من محل المولد بمكة المكرمة- زاد الله شرفها- فينتشر في المشارق والمغارب كما وصفتْ أمك السيدة الطاهرة آمنة بنت وهب لمَّا كشف الله عن بصرها فرأت حين وضعك نورًا خرج منها حتى رأت قصور بصرى من أرض الشام وهي بمكة المكرمة ثم رأت ثلاثة أعلام مضروبات علمًا بالمشرق وعلمًا بالمغرب وعلمًا على ظهر الكعبة حتى عمَّ ذكرك الشريف كل زمان وفاح عبير عطرك في كل مكان فما من زمان ولا مكان إلا وله نصيب  منك يا من جعلك الله رحمة للأكوان ....

إن تجدد ذكرى ميلاد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والاحتفال بمولده الكريم في كل زمان ومكان يلفت الانتباه ويشير بكل بنان إلى عالميته صلى الله عليه وآله وسلم التي حققها به مولاه فقال تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) والناظر بعين التدقيق يجد أن عالميته صلى الله عليه وآله وسلم تقتضي عدم خصوصيته بزمان معين ولا بمكان معين ولا بقوم معينين فهو صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن نبيًا مخصوصًا لقومٍ مخصوصين في زمانٍ مخصوصٍ وإن كان مولاه بحكمته البالغة فوق عقول العقلاء قضى أن يجعل له ظهورًا خاصًّا ببشريته في زمن خاص - من مولده إلى وفاته- وفي مكان معين - مكة المكرمة ثم المدينة المنورة- فإن ذلك كما علمنا شيوخنا الأكابر الأكارم لما ركب الله في هذا الزمان وذلك المكان وفي تلكم الأشخاص من تحمل ما يظهر من نوره الشريف وبما خصصهم الله من شرف الصحبة لهذا النبي الكريم.

أما هو صلى الله عليه وآله وسلم فقد استوعب كل زمان ومكان وكل الأشخاص فقد أغناه مولاه برفع ذكره الشريف ( ورفعنا لك ذكرك ) فلا خافض لما رفع الله وليس بعد رفع الذكر من الله رفع واقتضت تلك الرفعة أن يكون مرفوع الذكر في كل زمان ومكان، ويظهر أثر رفع الله ذكره صلى الله عليه وآله وسلم في جعله صلى الله عليه وآله وسلم أولًا وآخرًا وفاتحًا وخاتمًا وجعل ذكره باقيًا عبر كل الأزمنة وفي كل الأمكنة بل قبل خلق الزمان وقبل خلق المكان وهذا يظهر جليًّا لمن أمعن النظر في السنة النبوية المطهرة أليس هو صلى الله عليه وآله وسلم أول ما خلق الله وهو القبضة النورانية الأولى التي خاطبها الحق بقوله كوني محمدًا فكانت، أليس هو من أخذ الله من أنبيائه الميثاق على نصرته والإيمان به قبل خلقهم، أليس هو من أخبرنا بوجوده قبل وجود سيدنا آدم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم السلام فقال ( كنت نبيًا وآدم بين الماء والطين ) وفي رواية ( وإن آدم لمنجدل في طينته )، أليس هو صلى الله عليه وسلم من توسل به سيدنا آدم فقبل الله توبته ألم يكن هو وصية سيدنا آدم إلى ولده ومن ولده إلى ولده جيًلا بعد جيل، أليس ذكره صلى الله عليه وآله وسلم ووصفه الخَلقي والخُلقي كان منشورًا ومنثورًا في الكتب السماوية السابقة في التوراة والإنجيل، أليس هو وصية الأنبياء إلى أقوامهم وأنهم إن أدركوا زمنه صلى الله عليه وآله وسلم آمنوا به واتبعوه أليس هو صلى الله عليه وآله وسلم دعوة أبيه سيدنا إبراهيم وبشارة سيدنا عيسى بن مريم ألم يكن بدرًا منيرًا يشرق نوره في جبهة آبائه وأجداده ألم يكن هو شِقّ الشهادة فلا يقبل إيمان عبد من العباد إلا إذا شهد بنبوته وأقرَّ به، أليس بذكره يطرب المؤذنون في كل أذان للصلاة وفي كل إقامة، أليس ذكره يجري على لسان المصلين في التشهد الثاني في صلاتهم فرضهم ونفلهم أليس ذكره ينتشر في بقاع الأرض جميعًا على لسان من أحبه وأبغضه وعلى لسان من آمن به ومن كفر به وسيظل ذكره باقيًا ببقاء تلك الحياة ولم يكن رفع ذكره صلى الله عليه وآله وسلم يقف عند هذا الحد فحسب وإنما رفع الله ذكره فانتثر في عالم البرزخ وفي الآخرة كما انتشر في عالم الدنيا فما من نفسٍ تموت إلا وتسأل عنه صلى الله عليه وآله وسلم في القبور وهو ملجأ الخلق يوم البعث والنشور وفي يده لواء الحمد ومن يده الشريفة شربة ليس لها في الري حد.

 فنفهم من ذلك أن تجدد ذكرى الميلاد ليس إحياءً منا لميلاده الشريف ولا لسيرته العطرة كما يظن البعض وإنما إحياءً لقلوبنا بما يشع من أنواره التي تملأ الأكوان وتحيط بكل زمان فتُجدد فينا وتُحيي في قلوبنا ذكره الشريف فتحيا قلوبنا ويُروى بذكره ظمأ أرواحنا - ألا إن تذكار الأحبة ينعشنا- فتمر هذه الذكرى العطرة على قلوب العباد وتفوح أعطار شهر ربيع الأول عليهم فتُحيي قلوبًا بعد موتها ( أومن كان ميتًا فأحييناه ) وتأخذ بيد قلوب قد أتعبها الجهد في هذه الحياة فتكون لهم كالراحة بعد التعب وتنير دروب السائرين التي أظلمت فيسرون في نورٍ وأمان وتداوي قلوب المحبين الذين أتعبهم الشوق وأجهدهم فتسكن قلوبهم وتروى عطشى القلوب بكثرة ذكر الحبيب المحبوب صلى الله عليه وآله وسلّم.

وسيظل نوره مشرقًا وساطعًا في كل زمان ومكان فيحصل بذلك الأمان ... فنحن والسابقون واللاحقون في عنايته وتحت رعايته وسيظل نوره مشرقًا إلى الأبد هاديًا للخلق في سيرهم وطريقهم إلى الحق سبحانه وتعالى مهما أراد الحاقدون والكارهون والجاهلون من أمته بجهلهم إطفاء نوره الشريف والله متم نوره ولو كره الكافرون.

فاللهَّم صلِّ وسلِّم على من رفعتَ ذكره ونشرتَ بين العالمين اسمه.