السنة الرابعة ربيع الأنور 1446 هـ - سبتمبر 2024 م


عبد الله أبوذكري
شعب الإيمان (4)
عبد الله أبوذكري

ومازلنا مع الشُّعبة الأعلى في الإيمان؛ وهي قول لا إله إلا الله، وأنها عنوان على الذكر، وتكلمنا في المقالات السابقة عن الاستغفار وما ورد فيه من فضل، وننتقل في هذا المقال إلى ذكر فخيم جعله الله من أسباب سعادة الدارين، وسببَ استجابة الدعاء، وتفريج الكروب وذهاب الهموم والغموم، وحط السيئات، ورفع الدرجات وتنزل البركات والرحمات، وتغيير السلوك واستبدال سيء الأخلاق بأحسنها وتربية النفس وتهذيبها. من لهج به بالليل والنهار كان في كفاية واكتفاء من أمر الدنيا والآخرة، ذكر عجيب غريب بدأ الله فيه بنفسه ثم ثنَّى بالملائكة الكرام ثم أمرنا أن نلتحق بهذا الملأ العظيم فندخل في الحضرة الربانية القدسية ببركة هذا الذكر، فقال: (( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ ۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًا ))، نعم هو الصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 وبركات الصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيرة متكاثرة، في الدنيا والآخرة، قد جاءت بها نصوص السنة الشريفة، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (( قلتُ: يا رسولَ اللهِ إني أُكثِرُ الصلاةَ عليك، فكم أجعلُ لك من صلاتي؟ فقال: ما شئتَ، قلت: الربعَ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلتُ: النصفَ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلت: فالثُّلُثَيْنِ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلتُ: أجعلُ لك صلاتي كلَّها؟! قال: إذًا تُكْفَى همَّك، ويُكَفَّرُ لك ذنبُك )) رواه الترمذي والبيهقي في شعب الإيمان، فهذه ثمرتها: (( تُكفى همّك ))، يعني يكفيك الله جميع الهموم، فانظر ما يشغلك ويجعلك مهمومًا؟ المال؟ الْزَم الصلاةَ والسلام عليه صلى الله عليه وآله وسلم تجد الأموال تساق إليك سوقًا ببركته صلى الله عليه وآله وسلم، تريد الزواج؟ تريد الولدَ؟ تريد التوفيق في عملك؟ تريد سداد دينك؟ … أي شيء، أي هم يشغل بالك، سَمِّ ما شئت، تُكفى همَّك، فلا تجد من الهموم شيئًا ببركة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وآله وسلم، (( ويُغفر ذنبُك ))، فيغفر الله ما تقدّم منك وتصير بلا ذنب عليك فتنجو في الآخرة، فتحل عليك بركاتها وأنوارها في الدنيا والآخرة، فما تريد غير ذلك في حياتك؟ وأي شيء أقوى من ذلك حتى تسارع إليه فتسعد في الدارين؟ وأي شيء يمنعك حتى تبدأ الآن فتكثر من الصلاة والسلام عليه؟

 هل تحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ هل تريد أن ينمو حبُّه في قلبك ويزيد؟ هل تريد أن تزدد منه قُربًا؟ ها هو يعطينا المِفْتَاحَ فيقول: (( إنَّ أولى النَّاسِ بي يَومَ القيامةِ أَكْثرُهُم عليَّ صلاةً )) رواه ابن حِبَّان والبيهقي في الشعب، فهذه الصلاة والسلام عليه تقربك منه وكلما زدت زاد القرب، فأي شيء خير من هذا؟، مفتاح واضح وطريق سهل ميسَّر ببركة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وآله وسلم.

 وفي الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم (( من صلَّى عليَّ من تِلْقَاءِ نفسِهِ صلَّى اللهُ بها عليهِ عشرًا )) ما معنى من تلقاء نفسه؟ يعني لم يذكر أحدٌ أمامه النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم حتى يصلي عليه، بل هو بدأ فصلى عليه صلى الله عليه وآله وسلم من نفسه فأمسك مسبحته وأخذ يصلي عليه صلى الله عليه وآله وسلم، كل صلاة تصليها يصلي الله بها عليك عشر صلوات والصلاة من الله على العبد رحمة، فهذه عشر رحمات بصلاة واحدة!، فهذا خير لك من كل عملك في الدنيا، ودخول الجنة برحمة الله لا بالأعمال، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (( سَدِّدُوا وقارِبُوا، وأَبْشِرُوا، فإنَّه لَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ أحَدًا عَمَلُهُ قالوا: ولا أنْتَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ منه برَحْمَةٍ ))، فهذا طريق سهل يسير يُغني عن كثير العمل وكثير المشقة يصل بصاحبه لمرضاة الله سبحانه وتعالى … يتبع